آخر الأخبار

الرد على ادعاءات الباحث محمد النجار - الجزء الثالث-

 

 


 

الفوائد المستخرجة من كلامه حول جغرافيا المدينة

 

يثرب في الأصل هي قرية في شمال المدينة، وهي من أكبر القرى بها.

 

وإنما أطلقت يثرب على تلك المنطقة إطلاق الجزء على الكل. وعليه فإن المدينة تضم قرى عديدة، منها يثرب ومناطق أخرى.

 

قال ابن زبالة المتوفى سنة 199هـجري في أخبار المدينة -جمع وتوثيق ودراسة صلاح عبد العزيز زين سلامة، مركز بحوث ودراسات المدينة المنوّرة، 2003، صحيفة 184 : "كانت يثرب أمّ قرى المدينة…". انتهى

 

وقال ابن شبّة المتوفى سنة 262هـجري في تاريخ المدينة -تحقيق محمد شلتوت، دار الفكر، 1410 هجري، جزء1، صحيفة 306 : "وكان في الجاهلية سوق بزبالة من الناحية التي تدعى يثرب، وسوق بالجسر في بني قينقاع". انتهى

 

و قال ياقوت الحموي المتوفى سنة 626 هجري في معجم البلدان: " قال أبو القاسم الزجاجي يثرب مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم سميت بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه و سلم سماها طيبة وطابة كراهية للتثريب ". انتهى

 

ثم قال:" ثم اختلفوا فقيل إن يثرب للناحية التي منها مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم وقال آخرون بل يثرب ناحية من مدينة النبي صلى الله عليه و سلم". انتهى

 

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والمدينة علم على البلدة المعروفة التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم ودفن بها‏.‏ قال الله تعالى ‏"‏يقولون لئن رجعنا إلى المدينة‏" فإذا أطلقت تبادر إلى الفهم أنها المراد، وإذا أريد غيرها بلفظة المدينة فلا بد من قيد، فهي كالنجم للثريا، وكان اسمها قبل ذلك يثرب، قال الله تعالى ‏"‏وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب‏"‏ ويثرب اسم لموضع منها سميت كلها به". انتهى

فيتلخص مما تقدم أن المدينة تضم الناحية التي عرفت سابقا بيثرب.

ويثرب هي مدينة تاريخية تعرف باسم Iatribu

 

وهي مذكورة منذ القرن السادس قبل الميلاد في نقوش الملك نبونيد Nabonide

 

في حرّان كما ذكر ذلك C. J. Gadd

في كتابه

. The Harran Inscriptions of Nabonidus, Anotalian Studies, VIII, (1958), pp. 35- 92

كما ذكرها بطليموس Ptolemy

في القرن الثاني الميلادي تحت اسمIathrippa

 

كما في كتابه

Geographia Book 6, Translated and Edited by Edward Luther Stevenson, New York, 1932, p 139

و أشار إليها إسطفانوس البيزنطي بإسم Iathrippa Polis أي مدينة يثرب.

 

كما ذُكرت يثرب في الكتابات المعينية اليمنية حيث وردت فيها بصيغة ي ث ر ب " يثرب " منذ القرن السابع إلى السادس قبل الميلاد . فقد جاء ذكر يثرب في نقشين من مملكة معين اليمنية عثر عليهما في مدينة معين ( قرناو قديماً ) و هما النقش :

Ma in 93 A / 5 و النقش Ma in 95 / 12

ورد أيضا في النقش Ma in 93 A / 5 :

وهو قولهم:

أ - ي د / ب ن / م س ك

ب - ب أ ن / س ك ر ب / و خ س ر

ج - ب ن / ي ث ر ب

يد بن ماسك

جبآن عقد قرانه و دفع مهر

من يثرب

بينما ورد في النقش Ma in 95 / 12 :

قولهم:

أ - أ ه ل / ج ب أ ن / س ك ر ب / و

ب - خ س ر / خ ب ب ت / ب ن / ي ث ر ب

م بن فرخ من عائلة شعثم

من قبيلة جبآن عقد قرانه

و دفع مهر خبّابه من يثرب

 

و هذا يعني بأن المعينيين كانت تجمعهم علاقات مصاهرة مع أهل يثرب .

 

وقد زعم بعض التشكيكين في السردية الإسلامية كباتريشيا كرون أن يثرب توجد في شمال الجزيرة العربيّة ناحية "مدين، بالاعتماد على بعض النصوص كتاريخ خوزستان المكتوب بالسريانيّة سنة 660 ميلادي، حيث قال في معرض الكلام عن بعض المناطق العربيّة: …المدينة أخذت اسمها من "مدين" ابن "قطورا" الرابع، وتُسمّى أيضا يثرب.

نقلا من كتاب

Seeing Islam As Others Saw It, USA, 1997 , p187-188

للباحث Hoyland

كما اعتمدوا أيضا على ما جاء في تاريخ السعردي وهو قوله: "وجعل -أي النبي محمّد- دياره في يثرب وهي مدينة قطورا سريّة إبراهيم، وسمّاها المدينة". انتهى

 

وهذا الكلام مجانب للصواب لعدة أمور منها:

1- مدين كانت خارج الأحداث خلال القرن السابع ميلادي و لا يوجد أي أثر فيها يعود لتلك الفترة.

 

2- القرآن، كنص تاريخيّي معاصر للبعثة النبوية يميز بين"مدين" و"يثرب"

قال تعالى: "وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ"

 

وقال تعالى: "وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ"

 

3- المدينة بما في ذلك الناحية التي كانت تسمى بيثرب كانت تسكنها قبائل يهوديّة أهمّها بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع ويجاورون قبيلتي الأوس والخزرج العربيّتين و فيها آثار آطامهم باقية إلى اليوم. والآطام هي نوع من الحصون عرفها العرب ويهود الجزيرة وهذا لا ينطبق على مدين.

 

4- يثرب توجد على خط طريق القوافل التجارية كما أوضح ذلك

Richard J. A. Talbert

في كتابه

Barrington atlas of the Greek and Roman world: map-by-map directory, Volume 1, <<Map 83 Nabataea Meridionalis Compiled by D.F. Graf, 1996>> Princeton University Press, 2000, p 1196.

 

كما أن موقع المدينة هو نفسه موقع يثرب بحسب خرائط بطليموس.

 

وقد زعم بعض الباحثين في نفس هذا السياق ان يثرب سميت أيضا طابة وهو اسم يشبه اسم مدينة طابا نواحي منطقة البدع قرب " مدائن شعيب " أي "مدين التوراتية" Modiana

 

بحسب خريطة بطليموس، في إشارة لامكانية وقوع أحداث السيرة في تلك المنطقة، شمال أرض الحجاز، لتقارب أسماء المدن.

 

وهذا التشكيك لا يسعف هؤلاء في شئ أيضا لأن طابا مدينة ساحلية لا ينطبق وصفها على ما جاء في القرآن أو السيرة النبوية وهي ليست من نواحي مدين بل بعيدة عنها كما في الخريطة المرفقة، و كلا المدينتين لم تشهد أحداثا كبرى خلال القرن السابع الميلادي. و عليه فإن تغيير جغرافية الأحداث بسبب تقارب الأسماء، أو بسبب ادعاء وجود مؤامرة على جغرافية المنطقة دون تقديم أدلة ثابتة يعتبر نوعا من العبث المجانب للعلم.

 

الرد على ادعاءات الباحث محمد النجار - الجزء الثاني-

إرسال تعليق

0 تعليقات