بقلم : عـــمرو صـــابح
عندما أسس الشاه إسماعيل الصفوى الدولة الصفوية فى إيران، كانت
الغالبية االعظمى من الإيرانيين من المسلمين السنة ، وظل الأمر هكذا حتى بدايات
القرن السادس عشر، فقد كانت هناك 4 مدن إيرانية فقط تعتنق التشيع ثم تم فرض التشيع
على كل الإيرانيين بالقوة .
لم يكن قرار الشاه إسماعيل بفرض التشيع لغرض دينى فقط بل فى إطار
تنافسه مع الأتراك العثمانيين على زعامة العالم الإسلامي، وخوفاً من انحياز
الإيرانيين السنة للسلطان العثمانى السنى خلال الصراع التركى الإيراني.
أسس الغرب السعودية فى عام 1932 لضمان استمراره كأكبر قوة عظمى
بالعالم فى القرنين العشرين والحادى العشرين عبر سيطرته على منابع النفط.
و أسس الغرب إسرائيل فى عام 1948 كقلعة متقدمة له فى العالم العربى
، تعطل دور مصر ، و تمنع وحدة الدول العربية وتمتص عائدات البترول العربى.
فى ديسمبر من عام 1978 وقع الرئيس السادات اتفاق كامب دافيد مع
إسرائيل برعاية أمريكية ، كان الاتفاق يعنى نهاية الصراع العربى الإسرائيلى
مرحلياً ، لأنه لا حرب عربية ضد إسرائيل بدون مصر.
فى فبراير 1979 هبطت طائرة الخمينى القادمة من فرنسا والمحمية
بطائرات حربية فرنسية فى طهران ، وسقط نظام الشاه رغم ان إيران كانت فى أوج
إزدهارها المالى بفضل عائدات البترول بعد حرب 1973 ، والجيش الإيرانى كان من أقوى
جيوش العالم ، والشاه لديه مشروع نووى متقدم ، وان كان كل ذلك يجرى فى إطار الرضا
الأمريكى عن الشاه الذى كان صديقاً مقرباً من إسرائيل ، ومكلف بأن يعمل نظامه ككلب
حراسة أمريكى لبترول الخليج العربى ، ولكن لعبة الأمريكيين تغيرت بعد السلام
المصرى الإسرائيلى.
فى 16 يوليو 1979 أجبر صدام حسين الرئيس أحمد حسن البكر على
الاستقالة ، وتولى صدام رئاسة العراق.
فى سبتمبر 1980 اندلعت الحرب العراقية الإيرانية ، وهى حرب قال
عنها كيسنجر ( إنها أول حرب أتمنى فيها خسارة الطرفين ) ، بينما وصفها الملك
السعودى خالد بن عبد العزيز ( ربما تموت الأفاعي بسموم العقارب ).
أليس لافتاً للنظر ان سقوط نظام الشاه حدث عقب السلام المصرى
الإسرائيلى وبعدما وفرت معاهدة السلام احتياجات إسرائيل من البترول المصرى بديلاً
عن البترول الإيرانى الذى كان الشاه يمد به إسرائيل منذ 1948 حتى زوال حكمه.
أتاحت الحرب العراقية الإيرانية لملالى طهران أن يسيطروا على حكم
إيران وأن يقوموا بتصفية كل الأجنحة الليبرالية واليسارية فى الثورة لكى يؤدى
نظامهم دوره الوظيفى المرسوم فى إستمرار نهب ثروات العرب عبر الغرب برفع فزاعة
الخطر الفارسي الشيعى الصفوى المجوسى فى وجه عرب الخليج.
بعد انتصار ثورة إيران فى بدايات عام 1979، وبدء الحرب العراقية
الإيرانية ، كان الرئيس العراقى صدام حسين حريصاً على تصوير الحرب بإنها صراع عربى
فارسي ، فأطلق على حربه ضد إيران اسم ( قادسية صدام ) ، ووضع له الكاتب والروائى
المصرى الراحل جمال الغيطانى كتاباً عنوانه " حراس البوابة الشرقية " ،
كناية عن الجيش العراقى حارس البوابة الشرقية للأمة العربية من الغزو الفارسى ،
وإن كان هذا لم يمنع صدام من تسمية صواريخ سكود المطورة لديه والتى يطلقها على
إيران بإسم صواريخ الحسين.
بينما كان زعيم الثورة الإيرانية أية الله الخمينى واضحاً منذ
اللحظة الأولى لإندلاع الحرب بوصفها بإنها حرب يزيد العراقى ضد الحسين!!
لم يعترف الخمينى بالحدود بين العراق والإيران ، ودعا الشباب
الإيرانى للاستشهاد ضد الجيش العراقى حتى لا تتكرر كربلاء مرة أخرى ، ورفض وقف
اطلاق النار ولم يقبله إلا مرغماً بعد 8 سنوات من حرب طاحنة ، مات وجرح فيها
ملايين العراقيين والإيرانيين.
اللافت للنظر ان دول الخليج ( السعودية - الكويت - الإمارات ) التى
كانت تقدم لصدام حسين مساعدات مالية مهولة خلال معركته ضد إيران طيلة فترة الحرب ،
لم تتطرق أبداً للمعركة بوصفها صراع سنى شيعى بل كصراع عربى فارسى.
عندما توفى الخمينى فى يونيو 1989 ، صلى عليه الإخوان المسلمين فى
مصر صلاة الجنازة ، ورثاه حامد أبو النصر مرشدهم وقتها بكلمات حارة.
رغم اعتراف الخمينى بمساعدة الرئيس جمال عبد الناصر للثوار
الإيرانيين خلال نضالهم ضد الشاه ، إلا ان الخمينى فور تمكنه من السلطة فى إيران
أطلق على شارعين من أكبر شوارع طهران إسمى " حسن البنا " و " سيد
قطب " ، كما أصدرت الدولة الإيرانية عدة طوابع لتخليد ذكرى البنا وقطب.
كما كان على خامنئى هو من قام بترجمة مجموعة كبيرة من أعمال سيد
قطب من العربية للفارسية.
بعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 واسقاط نظام صدام حسين ، بدأت
اسطوانة الحرب السنية الشيعية برعاية أمريكية سعودية إسرائيلية ، وتحول الحديث
للتحذير من الهلال الشيعى الساعى للسيطرة على العالم العربى.
من مهازل السياسة العربية ان نظام صدام حسين بكل موبقاته كان بالفعل
حائط صد ضد التوغل الإيرانى فى العالم العربى ، ورغم ذلك لعب النظام السعودى دور
رئيسياً فى اسقاط نظام صدام حسين ، مما جعل العراق يتحول لمحمية إيرانية ثم لساحة
حربية للصراع السعودى الإيرانى ، و عبر العلاقات الوثيقة بين إيران وسورية ،
وبواسطة الدعم الإيرانى لحزب الله فى لبنان ، وللحوثيين فى اليمن ، خلال مدة لا
تزيد عن 10 سنوات تحولت الدولة الإيرانية من وضع الدفاع لوضع الهجوم ، وأصبحت قوة
عظمى فى الشرق الأوسط خاصة مع تراجع دور مصر وانشغالها بمشاكلها الداخلية ، وعجز
النظام السعودى عن التصدى لتصاعد قوة إيران.
الغرب هو المستفيد الأول من استمرار الصراع الإيرانى العربى.
للأسف أعداءنا لا يحاربوننا بالقطعة بل وفق منهج مرسوم ومخطط مرن
جاهز لكل الاحتمالات.
0 تعليقات