فرقد الحسينى
نواصل البحث بذكر بعض مدن الجزيرة العربية الفراتية ..
ثامنا: هيت: كانت منطقة هيت عبارة عن منخفض مائي في العصور السحيقة
حيث كانت المياه تتجمع من روافد الفرات وفيضان ضفتيه فيها إضافة إلى موسم الأمطار
والمنابع المائية مما جعلها فيما بعد أرضا خصبة صالحة للزراعة بكل أصنافها وخاصة
الخضراوات والفواكة والحبوب.
أول من اكتشف القار في هيت السومريون فاستعملوه في تقوية بناء
الزقورات. وأعمال بناء الأسس وتزفيتها وكذلك في صنع القوارب واكساء ارضيتها به
لمنع نفوذ الماء.
وفي عهد الإمبراطورية الاكدية قام الملك سرجون الاكدي بتوحيد
العراق القديم وضم إلى دولته المدن السومرية المنتشرة في جميع أنحاء بلاد سومر سار
غربا متوجها إلى بلاد كنعان/سوريا/ فوجد قرية زراعية فسيحة الأرجاء استقر فيها
جيشه الزاحف غربا ودعاها/توتول/ أي مدينة الدلاء. هذا هو أول اسم عرفت به هيت. جاء
في نقش سرجون/إن الإله/ داكان/ أعطاه المنطقة العليا التي تشمل توتول وماري عاصمة
الأقوام الأمورية الأولى.
وبعد موت سرجون الاكدي قام ابنه/نرام - سين/ بشن حملات عسكرية في غرب
بلاد سومر غايته تثبيت ملك والده.
في نص اكدي مسماري مدون على تمثال برونزي من العصر الاكدي إشارة
إلى انتصار حققه الملك نرام- سين على عدة مدن مهمة منها توتول مدينة/ الإله داكان/.
ونتيجة لضعف الملوك الاكديين الذين جاءوا بعد نرام سين قامت
الثورات في دويلات المدن السومرية مما شجعها على التوحيد وتأسيس مملكة سومرية تضم
معظم العراق القديم وذلك سنة ٢١٢٠ ق.م. حيث اتسعت لتشمل مدن نهر الفرات الغربية
ومن ضمنها مدينة توتول.
في عام ١٩٥٠ ق.م تقريباً اتسعت مملكة - ماري لتشمل حوض الفرات مع
الخابور. وفي عهد ملكها/ لكت - ليم/ وصلت سيطرتها إلى مدينة توتول وخانات أو عانات
على الرغم من أن الملك السومري الأخير اقام سدا يمتد من هيت وعانا حتى بحيرة
الحبانية لصد الأقوام الأمورية الزاحفة من جهة الغرب ولكن بدون جدوى.
وفي سنة ١٨٥٠ ق.م استطاعت مملكة اشنونا التي نشأت في اعالي نهر
ديالى وفي حكم ملكها/ ابيق - ادد/ من التوسع لتشمل منطقة الفرات من جديد. وكان من
جملة المدن التي احتلها هي توتول ثم زحفت الأقوام الأمورية القادمة من ماري ومن
الصحراء الكنعانية السورية واستقرت حول بلدة
/ باب ايلو/ بابل السومرية. ومن هناك شرعت بتكوين دولة جديدة في
جنوب ووسط العراق القديم وأشهر ملوكها كان حمورابي وذلك في القرن الثامن عشر قبل
الميلاد.
ثم اعقبتها سيطرة الكاشيون أو الكاسيون عليها بعد أن استولوا على
مملكة بابل العظيمة لمدة تقارب الخمسة قرون. وظلت مدن الفرات يتنازعها كل من
البابليين والكاشيين الى عهد الملك الاشوري /تكلات - بلاصر الأول/ الذي ضمها إلى
مملكته وسماها /ايرو/ حيث صارت واحدة من الأقاليم المهمة التي كان عليها إرسال
كمية من الضرائب المفروضة عليها إلى عاصمة الملك .
وفي فترة توسع الآراميين استولوا على بعض مدن الفرات الغربية ومنها
هيت قبل أن يزحفوا إلى أقصى جنوب العراق ليستقروا قرب الخليج العربي.
ولما قامت الإمبراطورية الآشورية الجديدة عام ٩١١ ق.م وترسخت
أستولت على معظم مدن الفرات الشمالية والغربية ومن بينها مدينة/ايرو/ هيت.
وجدت رقم طينية تذكر مدينة ايرو قرب منابع القار في عهد الملك
/نوكولتي ننورتا الأول/ وذكر في هذه النصوص الآشورية ان الجنود كانوا يسمعون اصوات
الالهة المنبعثة من مواضع وقباب سميت/اشمينا/ وهي إشارة إلى خروج الغاز الطبيعي
المصاحب لمنابع القار.
تغير اسمها كما تغيرت اسماء المدن العراقية الاخرى في هذه الفترة
فسميت/ اتوم أو هيتوم/ بمعنى القار ومنها جاء اسم هيت الحالي.
أعد أحد الملوك الآشوريين وهو /شمش - ريش - أو صور/ في مدينة /بقة/
قاعدة لجيشه وتقع بقة غربي مدينة هتيوم.ويذكر ان الملك البابلي - الكلدي/
نبوخذنصر/ قد حفر ترعة من هيتوم حتى رأس الخليج بطول ٤٠٠ كم كما ذكرت إحدى الرقم.
ذكر المؤرخ ديودورس الصقلي ان سبب بقاء قصور وبنايات بابل لبضعة
قرون يعود إلى أن أسسها كانت تخلط ليس بالقار مع الطابوق بل بالكبريت الوفير ثم
تفرش طبقة سميكة من صفائح الرصاص بحيث تمنع وصول الرطوبة إلى أسس القصر والمعبد.
ولما بدأت المسيحية في الانتشار وذلك في العصر الفرثي أو البارثي
صارت هاتوم تمثل آخر حدود بلاد الرافدين. حيث لا يسمح للوفود الأجنبية القادمة إلى
قطيسفون/المدائن/ العاصمة ان يدخلوا مباشرة قبل أن ينتظروا في بلدة هيت.
تعرضت المدينة إلى التخريب أثناء الحرب الرومانية - الساسانية. ففي
عام٣٦٣م قاد الإمبراطور الروماني جيشاً كبيراً يعززه اسطول نهري في الفرات فمر
الجيش خلال ضفاف قرقيسيا التي كانت تعتبر نقطة التقاء الحدود الرافدينية -
الرومانية ومنها انحدر الأسطول إلى/ياناتا/أي عانات حيث واصل السير وبلغ
مدينة/دياكيرا/أي بيث كيرا بالآرامية/ ومعناها بيت القار.
فلما وصل الجيش الروماني إلى هيت وجدها شبه خالية.
وصف القائد الروماني/ اميانوس مرسيثلنيوس/ الحمله العسكرية .......
أن الجيش الروماني حينما نزل إلى المدينة وجد أنها مليئة بالغلال والملح ووجد بعض
النسوة فقتلهن. ولاحظ وجود معبد على قمة عالية /هذا المعبد قد تحول فيما بعد إلى
كنيسة/
أهتم الساسانيون ببلدات هيت وعانات والوس التي بناها سابور ذو
الاكتاف وجعلها مسلحة تحفظ البلاد من زحف البدو الآتين من الصحراء كما بنى أيضاً
مدينة/ فيروز - شابور التي هي الانبار/ وضم إليها هيت وعانه وبقه والوس فاصبحت
طسجاً يمثل وحدة زراعية - مالية يسمى طسج فيروز شابور.
يشير بعض المؤرخين العرب ان ثلاثة رجال وصلوا بلدة بقة على الفرات
وكانوا يعرفون حروف الهجاء العربية وعلى ما يبدو ان اسماؤهم قد تغيرت من السريانية
الى العربيه لان المصادر السريانية ذكرت أسماءهم على الشكل الاتي:
/مار ماري برماري/ أصبح في المصادر العربية/مرامر بن مرة/و/شليما
بر سدرا/ الذي قلب اسمه إلى/اسلم بن سدره/ و/عمر آبا بر جدرا/ أصبح عامر بن جدره/
قال السيوطي في المزهر/ إن أول من كتب بخطنا هذا وهو الجزم مرامر
بن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة وهم رجال من بولان من قبيلة طيء الذين كانوا
على دين المسيح ويسكنون الأنبار فعلموه أهل الأنبار ومنهم انتشرت الكتابة في
العراق والحيرة وغيرها فتعلمها بشر بن عبد الملك وكان له صحبة بحرب بن أمية
لتجارته عندهم فتعلم حرب منه الكتابة. ثم سافر معه بشر إلى مكة فتعلم منه جماعة من
قريش قبل الإسلام وسمي هذا الخط بالجزم لأنه جزم أي قطع من الخط الحميري.
ونقل ابن النديم في الفهرست عن ابن عباس قوله: أول من كتب بالعربية
ثلاثة رجال من بولان وهي قبيلة سكنوا الأنبار وأنهم اجتمعوا فوضعوا حروفا مقطعة
وموصولة وهم مرامر بن مرة /ويقال مروة/ وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة
/ويقال جدلة/. فأما مرامر فوضع الصور وأما أسلم ففصل ووصل وأما
عامر فوضع الإعجام. وسئل أهل الحيرة: ممن أخذتم الخط العربي. فقالوا: من أهل
الأنبار.
وكتب ابن عبد ربه في العقد الفريد ما يلي: حكوا أن ثلاث نفر من طيء
اجتمعوا ببقعة/ بقه/ وهم مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة فوضعوا الخط
وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية فتعلمه قوم من الأنبار وجاء الإسلام وليس
أحد يكتب بالعربية غير بضعة عشر إنسانا.
وروى البلاذري في فتوح البلدان مثل قول من سلف ذكره لكنه ذكر/بقة/
بدلا من/بقعة/ وبقة مدينة قرب الأنبار. ثم زاد إيضاحا بقوله عن بشر:وكان بشر بن
عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي ثم السكوني صاحب دومة الجندل
يأتي الحيرة فيقيم بها حينا وكان نصرانيا فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة ثم
أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفين/صفوان/ بن أمية بن عبد شمس وأبو قيس بن مناف بن
زهرة بن كلاب يكتب فسأله أن يعلمهما الخط فعلمهما الهجاء ثم أراهما الخط فكتبا ثم
أن بشرا وسفين وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلم
الخط منهم وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مضر فتعلم الخط منه عمرو بن زرارة بن عدس
فسمي عمرو الكاتب ثم أتى بشر الشام فتعلم الخط منه أناس هناك.
قال شاعر دومة الجندل يخاطب قريش:
لا تجحدوا نعماء بشر عليكم
فقد كان ميمون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتم
من المال ما قد كان شتى مبعثرا
وأتقنتم ما كان بالمال مهملا
وطامنتم ما كان منه منفرا
فأجريتم الأقلام عودا وبدأة
وضاهيتم كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتم عن مسند القوم حمير
وما دبرت في الكتب أقيال حميرا
وفي الزحف الإسلامي نحو العراق وجد الجيش صعوبة في اختراق مدينة
هيت التي كان الهيتاويين قد حفروا امامها خندقاً اخترق وسط المدينة وحصنوا منها
الأجزاء الأخرى لكن بعد معالجات استطاع الجيش الإسلامي فتح المدينة عام ٦٣٦م.
0 تعليقات