آخر الأخبار

الحسين فى ذكراه

 




الشيخ/ جواد رياض




ذكرى الحسين هي ذكرى نعيشها جميعاً. والحسين هو ابن بنت رسول الله(ص)، فاطمة الزّهراء(ع)، سيِّدة نساء أهل الجنّة..


نعيش هذه الذّكرى مع طفولته، وقد جاء هو وأخوه الحسن، ورسول الله(ص) يخطب، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله(ص) من على المنبر، فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال : "صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، فنظرتُ إلى هذين الصّبيَّين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما". [التّرمذي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه].


فقد كانت لهما هذه المنزلة في قلب رسول الله(ص)، عبّر عنها عندما قال: "الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدّنيا"[الترمذي عن ابن عمر]، واستخدم تعبير الرّيحان، وهو أجمل ما يُشَمّ ويستراح له، فالرّيحان أوراق عطريّة متميّزة في رائحتها وجمالها وفائدتها.


وقد أوجب رسول الله(ص) حبّه وحبّ أخيه على المسلمين، فحبّهما حبٌّ لرسول الله(ص)، وبغضهما بغض له، ولذلك قال: "من أحبَّ الحسن والحسين فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني"[ابن ماجه عن أبي هريرة]، بل إنّه(ص)، أشار إلى أنَّ الحسين منه وهو من الحسين، فقال: "حسين منِّي وأنا من حسين.. أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً.. حسين سبطٌ من الأسباط"[الترمذي وابن ماجه عن يعلى بن مرّة]. والسِّبط هو ولد الابن والابنة، ولكنَّه عبَّر بهذا التَّعبير، لأنَّ الأسباط هم ولد يعقوب، وكان كلّ رجلٍ منهم أمَّة، فكأنّ كلاًّ من الحسن والحسين أيضاً أمَّة. وقد أشار رسول الله(ص) في حديثه إلى ارتباط هذه العلاقة؛ علاقة الإنسان بربّه، وعلاقة الإنسان برسول الله(ص)، بحبِّ الحسين وحبّ الحسن، بل وحبّ آل البيت جميعاً.


وقد دعا القرآن الكريم رسول الله إلى المباهلة مع نصارى نجران، وذلك قوله تعالى : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران: 61]، فجلّل رسول الله(ص) على الحسن والحسين وعليّ وفاطمة كساءً، ثم قال: "اللّهمَّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، أذهب عنهم الرِّجس وطهِّرهم تطهيراً"، فقالت أمّ سلمة: "وأنا معهم يا رسول الله"، فقال: "إنَّكِ إلى خير"[التّرمذي عن أمّ سلمة]، فقد نزلت هذه الآية في آل بيت رسول الله(ص)، وأشار القرآن إلى الحسنين على أنهما من الأبناء..


وقد سماهم رسول الله أيضاً أبناءً عندما قال: "إنَّ ابني هذا سيِّد" . وهذا النّسب لا ينقطع ـ كبقيّة نسب البشر ـ ولكنّه نسب دائم، ولذلك قال(ص): "كلّ سببٍ ونسبٍ ينقطع يوم القيامة، إلا نسبي وسببي"[أحمد والحاكم]، فهما في الدّنيا حبّ رسول الله(ص)، وهما في الآخرة معه في الجنّة، إذ قال(ص) فيهما: "الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنَّة"[الترمذي عن أبي سعيد الخدري]. ولذلك، فإنَّ رسول الله(ص) حثَّ على التمسّك بسنَّة آل البيت والأخذ بها، حتى لا نضلَّ الطّريق، وفى ذلك يقول: "يا أيّها النَّاس، إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي"[التّرمذي عن جابر بن عبد الله].


وقد شارك الحسين في الحياة السياسيَّة، وفي الفتوحات الإسلاميَّة، وكان عوناً لأخيه في بيعته، ورفض بيعة يزيد القائمة على توريث الحكم، ودعاه أهل الكوفة للمبايعة، ولكن تفرّق النّاس من حوله ـ إلا قليلاً ـ فكان استشهاده الّذي أثّر في قلوب المؤمنين، حتّى إنّه رُوِيَ عن الحسن البصريّ أنّه قال ساعتئذٍ: "وا حسرتاه ماذا لقيت هذه الأمّة!". لقد كان سلوك الحسين إقامة الحقّ والعدل، ورفض ما يخالف طريق الحقّ.



*عالم دين من الأزهر الشّريف.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات