بقلم / أسامة الدباغ
تناولنا في الجزء الثاني المؤتمر الذي دار بين النبي إبراهيم خليل
الرحمن وبين ممثلي الأمم التي تعبد الآلهة وكذلك تعبد الشمس والقمر والكواكب وقد
أخضعهم جميعهم من خلال الحجج الواضحات والبراهين الدامغة بصدق ما يدعو إليه من
توحيد الواحد الأحد، ونسف كل أشكال الضلال والشرك الذي يدعون إليه، والسؤال الذي
يجب أن نطرحه هو هل لرؤيا يوسف عليه السلام ربط بهذا المؤتمر ؟؟؟؟ ، (إِذْ قَالَ
يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴿4﴾يوسف، وهل ليعقوب معرفة
تامة بأبعاد ما قاله يوسف وهو يقص عليه تلك الرؤيا ؟؟؟
حيث أجابه: (قَالَ يَا
بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ
الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴿5﴾يوسف، نعم الترابط واضح جداً لمن
تابع البحث السابق (ابتلاء يعقوب النبي) ،وفي رده إشارة واضحة لخط الشيطان وكيده
للإنسان .... ويجب ان نجيب على تلك الأسئلة:
أولاً: علينا أن نشير بأن يعقوب النبي هو حلقة الوصل بين إبراهيم
الخليل وبين يوسف عليهما السلام كون يعقوب هو أبن إبراهيم الخليل.
ثانياً: إن نهاية الآيات التي بحثنا فيها من سورة الإنعام تبشر
إبراهيم قائلة (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا.....) 84
الأنعام.
ثالثاً: إن رؤيا يوسف عليه السلام تفسر مستقبل الخط الإلهي
وانتصاره على كل الحاكميات الأحد عشر وكذلك العاصمة والقصر كلها جميعاً ستكون
ليوسف وتسجد له وتقر بالطاعة، وعلينا أن نفهم بأن المدينة وقصرها هي المحور ومن
يسيطر عليهما يكون هو القائد والملك لتلك الأرض وهي أرض العراق بأقاليمها
وحاكمياتها الأحد عشر .
رابعاً: رؤيا يوسف منحت يعقوب النبي القوة والعزم على أعادة أرث
أبيه إبراهيم الذي سلبه المحتل القادم من أرض فارس، مما جعل آل إبراهيم يغادرون
المدينة ويسكنون غرب الفرات في أحدى أقاليم العراق بعيداً عن المدينة وقصر الحكم.
خامساً: نلاحظ بأن يعقوب النبي مُدرك لخطورة المعركة مع خط الشيطان
بمختلف مراتبه لذلك أشار على يوسف بقوله: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ
عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ
عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴿5﴾يوسف، فهو يرشده إلى ما فعلوه مع جده إبراهيم خليل الرحمن من
قبل ويعقوب شاهد عيان على ذلك أو معاصر لبعض تلك الحقب التي عاشها مع أبيه إبراهيم
الخليل.
ومما تقدم نعلم بأن الكواكب والشمس والقمر ما هي إلا رموز لدول
وحاكميات تقف ضد الخط الإلهي ولا تتوقف عن الكيد والمعارضة والعداء لهذا الخط حتى
لو سجدت وأطاعت ظاهراً لإبراهيم، ويوسف من بعده ...... وهي إشارة إلى سجود أباهم
من قبل إبليس بالسجود الظاهري وليس بالطاعة الحقه فقد أنسلخ إبليس مع أول اختبار
له حين رفض الامتثال للأمر الصادر من الرب العظيم بطاعة الخليفة، وإبليس وجنوده من
الشياطين من الجن والإنس مستمرين إلى يومنا هذا ويعملون ليل نهار دون كلل أو ملل
بالتحريف والتزييف للحقائق، وبالتخويف والقتل والتشريد والتجويع لكل من يسير مع
الخط الإلهي أو يعارض مصالحهم، وتلك القصص والعبر التي ينقلها لنا القرآن الكريم
مصداقها ملموس فيما نحيا به اليوم وما نراه من الدور الإعلامي المغرض والمدفوع
الثمن ومن العداء والتهديد الواضح من دول الاستكبار العالمي ولا أعتقد بأن أحداً
ينكر ذلك.
بعد هذه المقدمة نعود إلى رحاب القرآن الكريم وهو يروي لنا أحداث
مؤتمر أخر لكن على مستوى أعلى من المؤتمر الأول، فبعد أن خرج إبراهيم منتصراً في
المؤتمر الأول كان لابد للخط الشيطاني أن يثور وينتفض ويعقد جلسة طارئة مع من يدعي
الربوبية وهو المستكبر في الأرض (النمرود)، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ
فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ
الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ
الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ ﴿258﴾البقرة، من طلب عقد ذلك المؤتمر هو النمرود فهو الذي أحتج على
إبراهيم وما يتبع من طاعة الرب (الرحمن)، أذاً فالنمرود يريد أن يعرف رب إبراهيم
!!! علماً أن النمرود على علم بالله الواحد الأحد لكنه يرى بأن الله فضله على غيره
وجعله هو الرب، وهو أيضاً أي النمرود يحاجج بما أعطاه الله لرب إبراهيم من قوة
وتفضيل (حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ).....،
فأجابه إبراهيم الخليل قائلاً : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، وهو أمر يتعذر
على البشر القيام به ولكن النمرود مستكبر ومعاند قال (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)
بمعنى أنا أيضاً رب ولي نفس القدرة على الأحياء والإماتة !!، ولو نلاحظ ما قاله
إبراهيم وهو كلام دقيق جداً ((رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، لم يقل (أحيا)
ولا قال (سيحي) أو (قادر على الأحياء) بل قال (يُحيي) وهو مستمر بالأحياء وسنجد في
الآيتين القادمتين من سورة البقرة (259_260) شرح وافي لله سبحانه وتعالى لمعنى
(يُحيي)، نعود لما أجاب به خليل الرحمن حين بادر بجواب أعجازي للنمرود (قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ
بِهَا)، لاحظ بأنه قال فإن (الله) ولم يقل ربي!! لأن قدرة الله هي أعلى ولا ند لله
سبحانه ولا يقدر أحد أن يعادله أو يتحدى قدرته جل جلال الله سبحانه وتعالى عما
يصفون، لذلك (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)، بقى النمرود متحير وعاجز لا يعرف ماذا يرد
أو يجيب، ما قاله إبراهيم هو خارج عن قدرات النمرود وهو يعلم جيداً بقرارة نفسه
بأنه ليس رب بل هو ضال مضل للناس ولا يقدر أن يدع بأنه يقدر على الإتيان بالشمس من
مغربها !!! لذلك لم يلقى جواباً يرد به على إبراهيم (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿258﴾البقرة.
وقبل أن أذهب الى الآية التي تلي هذه الآية المباركة (258) التي
تكلمنا حولها اود ان أعود الى الآية التي سبقتها فالآيات محكمات وفيها جواب على ما
نبحث عنه (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ
مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ ﴿257﴾، لاحظوا كلمة الظلمات في الاية (257)، وفي نهاية الآية (258)
(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، فالنمرود يُخرج قومه من النور
إلى الظلمات وذلك هو الضلال المبين حين يعزل الإمام المبين الذي أتم الكلمات وصار
إماماً للناس (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿124﴾، ويتكرر مرة أخرى كلمة (الظالمين) الذين هم
على الضد من الخط الإلهي.
ويجب أن نسأل: هل بإمكان إبراهيم أن (يُحيي) كما يفعل ربه الرحمن
؟؟؟
أم أن الإمام لا يُحيي !!!! (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ
وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ
مُبِينٍ ﴿12﴾يس.
وللحديث تتمة .................
0 تعليقات