آخر الأخبار

المدن المذكورة فى تل العمارنة (4)

 

 


 

 

محمود جابر

 

 

 

آلاشيا «قبرص» في خطابات تل العمارنة

 

وردت كلمة «آلاشيا» في خطابات «تل العمارنة» في مواضع كثيرة، وقد وصلنا من هذه البلاد عدة خطابات (٣٣–٤٠) وكلها قد سطرها ملك «آلاشيا» لملك مصر إلا خطابًا واحدًا وهو الأخير، وتدل شواهد الأحوال على أنها في أغلب الظن قد أُرسلت إلى «أمنحتب الثالث» أو «إخناتون» واسم هذا المكان ورد في المصرية في قائمة «الكرنك» التي تركها لنا «سيتي الأول» بلفظة «إرس».

 

وتدل البحوث الحديثة المتفق عليها أن هذا الاسم يُطلق على جزيرة «قبرص» وبخاصة لأنه قد أُشير فيها إلى إله «أبوللو آلاسيوتاس» وجد في قبرص .

 

وكذلك في «قبرص» الحالية نجد الاسم «آلاسوس» و«وإيلاسيكا».

 

وقد كانت جزيرة «قبرص» منذ عهد «تحتمس الثالث» تابعة لمصر.

 

واستمرت كذلك على ما يظهر حتى جاء عهد «إخناتون»؛ إذ نراها في هذه الفترة متحررة من النير المصري، وأصبح ملكها يخاطب الفرعون مخاطبة الأخ لأخيه، كما نشاهد ذلك في الخطاب الثالث والثلاثين؛ إذ يُفتتح الخطاب بالكلمات التالية: «هكذا تكلم ملك «آلاشيا» إلى ملك مصر: أخي اعلم أنني على ما يُرام، وأن أرضي على ما يرام … إلخ.».

 



وكانت بلاد «آلاشيا» موطنًا للنحاس في عالم البحر الأبيض المتوسط؛ ولذلك كان أهم هدايا تقدمها لأرض الكنانة هو النحاس؛ كما يدل على ذلك عدة خطابات. وكانت تتطلب في مقابل ذلك هدايا من المصنوعات المصرية، على أن هدايا ملك «قبرص» لم تقتصر على النحاس، بل كانت ترسل كذلك الصاج وخشب الصناديق.


وكانت مقادير النحاس التي ترسلها «قبرص» عظيمة جدًّا؛ فقد أرسلت مرة مائتي تلنت (التلنت وزنه ٥٧ رطلًا) وأخرى مائة «تلنت»، وثالثة خمسمائة «تلنت». وقد اعتذر في المرة الأخيرة على قلة ما أرسله بأن «ترجال» إله الموت قد قضى على العمال في بلاده، وليس لدينا من يستخرج هذا المعدن.

 

ونجد غير الخطابات السالفة إشارات في رسائل «تل العمارنة» لبلاد «آلاشيا»؛ فمثلًا نعلم من الخطاب الرابع عشر بعد المائة أن «ريبادي» ملك «جبيل» كتب «لإخناتون» ملتمسًا منه أن يسأل الضابط المصري فيما إذا كان «ريبادي» لم يرسل إليه «الضابط المصري» من «آلاشيا» ليخبره عن حالة البلاد، وما قام به «أزيرو» من المؤامرات عليه.



والواقع أن العلاقات بين «إخناتون» وبين «قبرص» كانت على أحسن ما يكون من الود والمصادقة؛ إذ نجد أن ملك «آلاشيا» يرد على خطاب أرسله إليه «إخناتون» يعاتبه فيه على أن ملك «آلاشيا» لم يرسل إليه رسولًا لتهنئته، فكتب إليه معتذرًا بأنه لم يعلم بعيد تنصيبه الذي أقامه الفرعون، ولذلك فإنه يرجوه ألا يأخذ ذلك عليه، وألا يكون ذلك سببًا في تكدير صفو العلاقات الطيبة التي بينهما، وأرسل إليه رسولًا يحمل الهدايا الجمة، وطلب إليه أن يغدق عليه من خيرات بلاده. هذا ولدينا خطاب آخر يدل على ما كان بين البلدين من التحالف الوثيق؛ إذ في الخطاب الخامس والثلاثين نقرأ أن ملك «آلاشيا» كتب إلى الفرعون يحذره من التحالف مع «خيتا» وبلاد «سنجار» (بابل)، غير أنه لم يذكر السبب لذلك، وفي نفس الخطاب نجد هذا الملك يطلب إلى فرعون مصر أن يرسل إلى «آلاشيا» متاع أحد رعاياه الذي مات في مصر. ولا شك في أن مثل هذه التلميحات العابرة على قصرها تدل دلالة واضحة على ما كان بين البلدين من روابط وثيقة من الناحيتين السياسية والاجتماعية، هذا فضلًا عن الناحية التجارية؛ إذ لدينا خطابات تدل على أن التجارة كانت قائمة بين البلدين، فقد كانت مصر تستورد النحاس منها، وفي مقابل ذلك ترسل إليها الفضة التي كانت معدومة في «آلاشيا» (راجع الخطابين ٣٦، ٣٧).



والظاهر أن ملك مصر قد شك في إخلاص ملك «آلاشيا» واتهمه أنه يقوم بدسائس على مصر مع بلاد «لوكي» (لوسيا)؛ ولذلك كتب إليه ملك «آلاشيا» مبرئًا نفسه من تلك التهمة مدعيًا أن بلاد «لوكي» كانت تغير على بلاده نفسها (راجع الخطاب ٣٨).



وأخيرًا من الخطابات الهامة الخطاب الأربعون الذي كتبه وزير «آلاشيا» لوزير مصر يطلب إليه تبادل السلع، وكذلك يلتمس منه أن يفك عقال سفينة وبعض الناس لأنهم ملك عاهل «آلاشيا».

 

بلاد خيتا في «خطابات» تل العمارنة

 

كان قوم «خيتا» منذ ستين سنة يُعدون ضمن القبائل السورية الصغيرة التي ذُكرت في التوراة، وكان كل ما يُعرف عنهم مستقًى من كتاب «العهد القديم» أيضًا. وقد ظلت الحال كذلك حتى عام ١٨٧٢ عندما ظهر مؤلف الأستاذ «وليم ريت» الإنجليزي عن أصل هؤلاء القوم، وكان أول محاولة علمية في هذا الصدد، غير أن علم الآثار الخيتية لم يبتدئ فعلًا إلا في عام ١٨٨٦ عندما ظهرت الطبعة الثانية لهذا المؤلف الفريد في بابه. وقد جاءت المحاولة الثانية في كشف النقاب عن هذه الأمة على يد الأثري «هوجو فنكلر» (عام ١٩٠٦-١٩٠٧م)؛ وذلك عندما عُثر على سجلات «خيتا» في بلدة «بوغاز كوي» ومنذ هذا الوقت وبخاصة بعد الحرب العالمية الأولى أخذ شغف العلماء وميولهم تتجه إلى هذا العلم، ونخص بالذكر من بينهم «هروزوني» و«فيدنر» و«سومر»؛ فقد كانوا من أعلام الفاتحين في هذا المضمار.

 

وفي عام ١٩١١ قام «مسر شمت» بوضع سجل شامل لكل المتون الخيتية المعروفة حتى زمنه، ولكن منذ عصره ظهرت متون كثيرة أخرى. وعلى أية حال فإن الأخيرة مكتوبة على وجه عام بالخط المسماري في حين أن سجل «مسر شمت» لا يشمل إلا متونًا هيروغليفية.


ويوجد غير هذه المتون الأصلية التي كُتبت بالهيروغليفية والمسمارية التي يقوم العلماء بدرسها مصادر أخرى عن «خيتا» وأهمها الرسوم المصرية والمتون الفرعونية التي خلَّفها لنا المصريون على جدران المعابد والمقابر، وكذلك توجد أسماء خيتية في المتون البابلية، كما توجد أسماء خيتية وفهارس في خطابات «تل العمارنة».



ولفظة خيتيين وصلتنا من كتاب العهد القديم، وقد وُجدت في الخط المسماري بلفظة «خاتي» وفي المصرية «ختي». وهي بلدة واقعة على نهر الفرات، و أقدم مركز للمدنية الخيتية على نهر الفرات، ثم انتقل فيما بعد إلى «بوغاز كوي» بآسيا الصغرى. وعلى أية حال تدل البحوث الحديثة الآن على أن دولة «خيتا» كانت تحتوي على عدة إمارات أو ممالك تمتد من غربي «آسيا الصغرى» حتى السهول الواقعة شرقي نهر «دجلة» ومن البحر الأسود حتى «دمشق».

 

وقوم «خيتا» على حسب ما جاء في المناظر المصرية القديمة كانوا رجالًا ذوي أنوف مقوسة بعض الشيء وجبهة غائرة وفكين عظيمين، وذقن قصير مستدير مزدوج وجلد أحمر، وكانوا من جنس مختلط يجري في عروقه الدم الآري والقوقازي معًا، وقد نشئوا من خمسة أقوام وهم: (١) قوم «خيتا الأول» الذين كانوا يسكنون جبال «كابادوشيا»، (٢) وقوم اللويين الذين كانوا يسكنون شمال آسيا الصغرى وكليكيا، (٣) وقوم «باتا» الذين كانوا يسكنون «بافالاجونيا»، (٤) وقوم الحورانيين الذين كانوا متوطنين في الشمال الشرقي من «مسوبوتاميا»، (٥) وأخيرًا قوم الكانيسيان وقد نزحوا من إقليم بحر «مرمرة» وأسسوا ما يُسمَّى الإمبراطورية الخيتية، وقد كُتبت معظم نقوش «بوغاز كوي» بلغتهم.

 

وقد أسس قوم «الكانيسيان» الذين وفدوا من إقليم بحر «مرمرة» لنفسهم دولة منذ النصف الثاني من الألف سنة الرابعة قبل الميلاد، ويُحتمل أن عاصمتهم كانت «خانيجالبات»؛ إذ في هذه البقعة قامت دولة، ولكنها في نهاية الأمر انقسمت قسمين، وهما الحورانيون في «أرمنيا» والمتنيون في الجنوب الغربي منها.



وحوالي عام ٢١٠٠ق.م انفصل عن قوم «متني» دولة سُمِّيَت باسم اختُصر من اسم العاصمة؛ أي إنها سُميت «خاني» أو «خاتي» وهي دولة «خيتا». وهذه الإمبراطورية كانت في الواقع من عمل الملك العظيم «لابارناش» الذي كان مقره «كوشار»، وكان أول ظهور «خيتا» على مسرح التاريخ في ساحة الوغى في عهد الملك «سامسو ديتانا» البابلي حوالي ١٩٥٦–١٩٢٦ق.م

 

فقد اجتاحت جنودها «بابل» ومهدوا الطريق لسقوط أسرة «حمورابي» واستيلاء الكاسيين على البلاد. ومنذ ذلك العهد حتى عام ١٣٠٠ق.م كان قوم «خيتا» أصحاب نفوذ عظيم جدًّا في العالم الشرقي القديم. وبعد هذا التاريخ بحوالي ثلاثة قرون نجد إشارة لغزو «خيتا» هذه البلاد «بابل» وذلك أن «أجومكا كريم» حوالي ١٦٥٠ق.م قص علينا أنه استولى ثانية على صور الإله «مردوك»، و«ساربانيتم» وهي التي كانت قد حُملت فيما مضى إلى بلاد «خاني»، وفضلًا عن ذلك يظهر أنه يوجد براهين على أن «خيتا» قد اتصلوا بالآشوريين قبل حكم الملك «سامسو ديتانا»؛ وذلك لأن باني مدينة «آشور» في مملكة «آشور» وكذلك مؤسس معبد «آشور» في نفس المدينة كانا يحملان الاسمين الخيتيين، وهما «أوشبيا» و«كيكيا».

 

على أننا لا نعرف الملك الذي خلف (لابارناش) ، ولكن على ما يظهر كان الملك الثالث في هذه السلسلة هو «خاتوسيل الأول»، وكذلك يحتمل أن الملك الخامس هو «مورسيل الأول» الذي حكم البلاد حوالي عام ١٩٠٠ق.م، واتخذ «بوغاز كوي» عاصمة لملكه. وقد خلفه على عرش الملك «تليبنوش». والظاهر أنه كان آخر هؤلاء الملوك العظام لمدة الخمسين والثلاثمائة السنة التي تلت وفاته في تاريخ البلاد. وحوالي عام ١٧٠٠ق.م نجد دولة «خيتا» تظهر على مسرح التاريخ كرة أخرى عزيزة الجانب قوية الشوكة، ويظهر أن الهكسوس قد هاجروا من جزئها الغربي ليفتحوا سوريا ومصر حوالي ١٦٥٠ق.م.

 

وقد ظل تاريخ بلاد «خيتا» غامضًا بعد تلك المدة قرابة قرنين من الزمن، وكان أول ما عرفنا عنهم شيئًا بعد ذلك في عهد الفرعون «تحتمس الثالث»؛ إذ نجد أنهم كانوا يدفعون له الجزية كما تكلمنا عن ذلك في مكانه.



وقد كان اتصال المصريين بهم اتصالًا معروفًا لنا في عهد ملكهم المسمى «شوبيليوليوما»، والظاهر أن جده كان ملكًا على مدينة، وقد سمى نفسه بالاسم الضخم «الملك العظيم ملك خاتي»، ويحتمل أن هذا الملك هو «خاتوسيل» الثاني ١٤٠٠ق.م. ومهما يكن من أمر فإن «شوبيليوليوما» كان رجلًا ذا سطوة وبأس؛ فقد فتح بلاد «متني» في عهد ملكها «دوشرتا» ونصب مكانه «ماتيوازا» على عرش متني، وقد اعترف «أزيرو» بسلطانه، وكذلك أصبح من القوة بحيث جعل «ريبادي» يحذر الفرعون «أمنحتب الرابع» من عظم قوته. وقد حكم من ١٣٨٠ إلى ١٣٥٠ق.م تقريبًا؛ أي إنه عاصر كلًّا من «أمنحتب الثالث» و«إخناتون»، وقد كتب للفرعون «أمنحتب الرابع» خطابًا يخطب فيه وده ويطلب تجديد العلاقات القديمة التي كانت بين البلدين.



وقد خلف «شوبيليوليوما» ابنه «أرانداس» (١٣٥٠–١٣٤٥ق.م)، ولكنه لم يحكم طويلًا؛ إذ تُوفي بعد أن حكم خمس سنوات، وتولى العرش بعده «مورسيل الثاني» (١٣٤٥–١٣١٥ق.م)، وهذا الملك أصبح ذا قوة وسلطان، وعقد معاهدة مع ممالك «أرزاوا» و«جاسجا» و«تيبيا» و«زيخريا»، وهو الذي حارب «رعمسيس الثاني» في موقعة «قادش»، وقد أُشير إليه في متون «بوغاز كوي». وقد رُزق أربعة ذكور وابنة واحدة، وقد امتد حكمه إلى ما بعد عهد خطابات «تل العمارنة».

 

وقد تولى الحكم بعد «مورسيل الثاني» ابنه «موتالو» (١٣١٥–١٣٠٠ق.م) و«خاتوسيل الثالث» (١٣٠٠–١٢٧٠ق.م) على التوالي. وقد جاء ذكر كل منهما في المعاهدة الشهيرة التي عقدها «رعمسيس الثاني» مع «خيتا».



وقد ذكرت لنا وثائق «بوغاز كوي» أن «مورسيل الثاني» هو فاتح بلاد الآموريين، هذا ونعلم أن معظم وثائق «بوغاز كوي» التي وصلتنا ترجع إلى عهد «موتالو». وقد اعتلى عرش «خيتا» بعد هذا العاهل ملكان لهما شهرة عظيمة في التاريخ وهما «دودخليا» (١٢٧٠–١٢٥٠ق.م) ثم «أرنوانتا» (١٢٥٠–١٢٤٠ق.م)، غير أنه قبل حكم أوَّلهما تُحدثنا الآثار أن آشور في عهد الملك «سلما نصر» الأول (١٢٧٠ق.م) ذبحت جموع الجيوش الخيتية، وقد كانت إمبراطورية «خيتا» في تلك الفترة آخذة في التدهور حتى إنها في نهاية القرن الثامن فقدت معظم أملاكها، وانتهى آخر نفوذ وقوة لها في عهد الملك «سرجون» عاهل «آشور» الذي فتح «كركميش» عام ٧١٧ق.م. وهكذا خُتمت حياة دولة عظيمة حكمها ما لا يقل عن أربع وأربعين ملكًا لا نعلم الآن إلا القليل عنهم، ولكنا نأمل أن تكشف وثائق «بوغاز كوي» بعد حلِّها عن الكثير من مجد هؤلاء الملوك العظام.



والواقع أن أهل «خيتا» شعب مختلطة أجناسة، وتدل البحوث الحديثة تدريجًا على أن لغتهم كذلك كانت مزيجًا من لغات مختلفة. ولا نزاع في أنه توجد عناصر آرية في لغتهم. هذا ولدينا أدلة على وجود لغات عدة أخرى. ويعتقد الأستاذ «فورر» أنه توجد ثماني لغات في نقوش «بوغاز كوي» وهي: (١) لغة أهل «خيتا» الأول. (٢) اللغة اللووية. (٣) اللغة البالية. (٤) اللغة الحورانية. (٥) اللغة الكانيسية أو الإزاوانية. (٦) اللغة السومرية. (٧) اللغة البابلية. (٨) اللغة (الماندانية).

 

والواقع أن كلًّا من قوم «خيتا» وقوم «متني» قد انفصل بعضهما عن بعض منذ زمن طويل قبل عهد «تل العمارنة»، وفضلًا عن ذلك أصبحا يتناضلان على السلطة، وامتداد النفوذ في الأقاليم المجاورة.



وقد ذكرنا من قبل أن «شوبيليوليوما» المؤسس لأسرة خيتية جديدة في زمن حكم «أمنحتب الثالث» قد فتح بلاد «متني» في عهد الملك «دوشرتا» ووضع على عرشها «ماتيوازا»، والظاهر على أية حال أنه قبل هذه الفترة كان «دوشرتا» منتصرًا على «خيتا»، وقد أشار إلى هزيمة «دوشرتا» الوالي «ريبادي» في خطاب من الخطابات التي كان يرسلها للفرعون ، وفيه يحذر الفرعون من سطوة «شوبيليوليوما»، وقد كان من نتائج ذلك أن أصبحت الصداقة متينة العرى بين مصر و«متني» فترة من الزمن، ونرى صداها فيما دار من مراسلات بين البلدين في أثناء ذلك.

 

 وعلى أية حال نرى فيما بعد أن ملك «خيتا» كان على وئام عظيم مع كل من «متني» وملك «كاشي» (بابل) لدرجة أنهما قد موَّنوا «ريبادي» بالذخائر التي جعلت في استطاعته أن يهزم «عبدي أشرتا» وأولاده، ولكن أولاد «عبدي أشرتا» كان لهم يوم نصرهم لأنهم أصبحوا فيما بعد أقوياء بفضل سلطان الملك القوي، بعد أن أهدوه الذهب والفضة. ولا نزاع في أن عبارة «الملك القوي» تشير هنا إلى ملك «خيتا» أو ملك «متني» غير أن الرأي الأول هو الأفضل.

 

وتدل شواهد الأحوال على أن «خيتا» كانت دائمًا في عداء مع المصريين وإن كان الفرعون لم يفطن لذلك في كل الأحيان؛ إذ قد حذر من شرهم في كثير من المناسبات، ولا أدل على ذلك مما جاء في خطاب ملك «قبرص» السالف الذكر. يُضاف إلى ذلك أن الخيتيين قد حرَّضوا ملك «أوجاريت» (رأس الشمرة) على أن يهجر الفرعون، وساعدوا قوم «أوبي» في خروجهم على الفرعون، وكذلك أغروا خدمًا وممثلين للفرعون على الانفصال عنه، هذا إلى أنهم كانوا لا يتأخرون متى سنحت لهم الفرصة عن حرق أرض الفرعون وتخريبها، ومع كل ذلك فإن ملك «خيتا» كان لا يتأخر في التحالف مع الفرعون، متى وجد ذلك في مصلحته، ولا أدل على ذلك من أن «شوبيليوليوما» عندما كان العداء بينه وبين «دوشرتا» طلب إلى فرعون مصر أن يجدد العلاقات الودية التي كانت بينه وبين «أمنحتب الثالث» (راجع الخطاب ٤١).

 

ومن جهة أخرى كان الخيتيون معادين «لأزيرو»، على الرغم من محالفته لهم على «قطنا» (راجع الخطاب ٥٥)، وكان «أزيرو» يخشى بأس ملك «خيتا» وقد كتب «أزيرو» للفرعون أنه لا يمكنه أن يأتي «لدودو» في البلاط المصري؛ لأن ملك «خيتا» كان في «نوخاشي» ومع كل ذلك فإن «أزيرو» كانت تضطره الأحوال إلى التحالف مع «خيتا» كما فعل ذلك على الأقل في حالة من الحالات؛ وذلك لأننا نعرف من الخطاب ١٦١ أن الفرعون قد وبخه؛ لأنه استقبل رسل «ملك خيتا»، والظاهر أن جنود «خيتا» كان عليها إقبال عظيم؛ فقد استعملوا في فتح جبيل  بقيادة رجل يُدعى «لوباكو»، وهم الذين استولوا على مدينتي «عمقي» و«عادومي»، كما كانوا مصدر رعب للآموريين ولأهل «تونب».



والواقع أن أهم رسائل «تل العمارنة» الخاصة بقوم «خيتا» خلافًا لما ذكرناه هما الخطابات الواحد والأربعون، والثاني والأربعون، وكلاهما من ملك «خيتا»، وقد تكلمنا عن أولهما، وهو الذي كتبه «شوبيليوليوما» لملك مصر، ويطلب فيه نفس المصادقة التي كانت بينه وبين الفرعون السابق، وبعد ذلك يعدد لنا الهدايا التي أرسلها لملك مصر، أما الخطاب الآخر ٤٢ فيحتمل أن مرسله هو نفس ملك «خيتا» الذي أرسل الخطاب الأول، وإن كان ذلك ليس محققًا؛ لأن اللوحة مهشمة. والظاهر أن هذا الخطاب يتناول بعض سوء تفاهم كان بين العاهلين، وقد أراد كاتب الخطاب أن ينهي هذا الخلاف، ويقلل من أهميته بإرسال هدية خففت من وطأة غضب الفرعون، وأسدلت عليه ستارًا زينته تلك الهدية.



وختامًا فإنه على الرغم من ضآلة هذه المصادر التي في خطابات «تل العمارنة» عن الخيتيين، فإنها تحتل مكانا بالغ الأهمية في بناء تاريخ وحياة شعوب الشرق القديم.



ا هذه اللمحة تؤرخ لعلاقات مصر وإمبراطوريتها الضخمة من تاريخ مصر في عهد الأسرة الثامنة عشرة و في عهد الأسرة التاسعة عشر عندما أراد فراعنتها استعادة مجد مصر في آسيا بعد أن كاد يُقضى عليه جملة في أواخر عهد إخناتون وأخلافه الضعفاء، لولا أن قيض الله للبلاد نخبة من رجال الحرب العظام اعتلوا عرش مصر متلاحقين، على رأسهم «حور محب»، ثم تلاه ملوك أسرة الرعامسة الذين أسسوا الأسرة التاسعة عشرة، وعلى يدهم استعادت مصر بعض مجدها وعزتها القومية.



 

أسماء المدن القديمة في الألف الثاني قبل الميلاد:

 

- أُب، هي البلاد التي كانت دمشق عاصمة لها، وكانت تشغل مساحة واسعة تمتد تقريباً بين الأطراف الشمالية لجبال لبنان الشرقية في الشمال، وجنوبي جبل العرب حتى شرقي نهر الأردن في الجنوب، وأطراف سهل البقاع في الغرب، وأطراف بادية الشام في الشرق، وقد واجهت حرباً حثيّة، وشن عليها حلفاؤهم هجمات متكررة، ولكنها ظلت وفية موالية للبلاط المصري..

 

- تونيب، مدينة وعاصمة مملكة في وادي العاصي، ويعتقد أنها كانت تقع في تل العشارنة.

 

- صُمُر: عاصمة مملكة أمورو، وهي من أكثر المدن ذكراً في مراسلات العمارنة، ويعتقد أنها تقع في موقع تل الكزل على نهر الأبرش في محافظة طرطوس، وقد سميت في العصور الكلاسيكية «سيميرا».

 

- سيانو: مركز مملكة صغيرة جداً في الساحل السوري، كانت تشكّل فاصلاً بين مملكتي أوغاريت وأمورو، وموقعها معروف حالياً بالاسم نفسه، وتقع على بعد 8كم شرقي مدينة جبلة.

 

- جزيرة أرواد: مازالت تحتفظ بالاسم نفسه، وتعد وثائق تل العمارنة أقدم الوثائق التي تحدثت عنها، ثم ذكرت في وثائق مصرية وأوغاريتية وآشورية وفينيقية، مما ساعد على تتبع مراحل تاريخها بين القرنين الرابع عشر والسادس قبل الميلاد.

 

- أمورو: كانت المركز الأساسي للإدارة المصرية، وعاصمتها صُمُر (حالياً تل الكزل- محافظة طرطوس- الساحل السوري).

 

- جُبلا (جبيل): تعد من أقدم المدن في الساحل الكنعاني، وتعود آثارها إلى الألف السابع قبل الميلاد، وقد برزت في رسائل تل العمارنة من خلال مراسلات ملكَيْها «رب هدّا» و«إيلي رابخ» مع أمنحتب الرابع «أخناتون».

 

- صيدونا (صيدا): التي كانت مدينة كنعانية مهمة في عصر العمارنة، وتميزت بموقعها المهم على الساحل، وبراعة سكانها في مجالي التجارة البحرية والبرّية.

 

- صوري (صور): وردت بهذا الاسم من خلال رسائل أرسلها ملكها «أبي ملكي» إلى الفرعون المصري أمنحتب الرابع، كما ورد اسمها بهذا الاسم في نصوص أوغاريتية وآشورية وبابلية.

 

- نُحَشي: تعدّ من أوسع ممالك بلاد الشام خلال عصر العمارنة، امتدت أراضيها في المناطق السهلية والبادية المتصلة بها شرقاً بين أطراف مدينتي حلب وحماة، وبين نهري الفرات والعاصي، ولا يعرف بالتحديد موقعها - حتى الآن - وقد تحالفت مع مملكتي نيا وموكيش المجاورتين غرباً ضد الحثيين وأعوانهم..

 

- نيّا: نشأت في منطقة سهل الغاب (وادي العاصي) ويقال أن مركزها كان في موقع قلعة المضيق، ويتضح من مراسلات عصر العمارنة أنها كانت تعادي الحثيين.

 

- تُونيب: نشأت في منطقة سهل العشارنة، ويتضح أنها كانت في عصر العمارنة موالية ووفيه لمصر.

 

- قَطنا (تل المشرفة حالياً): كانت مركز مملكة أمورية في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ثم خضعت في القرن السادس عشر قبل الميلاد للسيادة الحورية الميتانية، وغدت مقصداً ومعبراً للحملات المصرية المتجهة إلى وادي الفرات، (تقع على بعد 18كم شمال شرق حمص).

 

- كِنزا: ويرد الاسم (كِزّا) وهو اسم البلاد والمملكة التي كانت «قدشي، قدشا، قادش» عاصمة لها، وهي تل النبي مند، في الجنوب الغربي من مدينة حمص (على نهر العاصي قرب بلدة القصير) وكانت بلاد كنزا حليفة لمملكة ميتاني، ثم خضعت للنفوذ المصري في مطلع عهد الفرعون تحتمس الثالث (1458 - 1428ق.م) وترسخ ذلك بعد عقد معاهدة السلام المصرية - الميتانية في مطلع القرن الرابع عشر قبل الميلاد، أخبارها المذكورة في مراسلات العمارنة أقدم ما نعرفه من المصادر عنها.

 

- جاري: اسم بلاد ورد ذكرها في مراسلات العمارنة، وهي مناطق الجولان العليا، وتذكر هذه المراسلات أسماء تسع مدن واقعة ضمن إطارها، ولا يوجد معلومات عنها في هذه المراسلات.

 

- أوغاريت: تذكر هذه المملكة الواقعة على الساحل السوري، في خمس رسائل من مراسلات العمارنة، وكانت عاصمتها أوغاريت (رأس شمرا - حالياً) وهي مملكة مستقلة كانت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد مزدهرة، ولها علاقات متميزة مع مصر، وتجيد التعامل مع الحثيين، وهذه سياسة انعكست ايجابياً على تطور هذه المملكة وسط الصراع المتزايد بين المصريين والحثيين خلال عصر العمارنة.

- بُصرُنا: وفي كتابات مصرية أخرى (ب ذ ر ن) وهي مدينة بصرى في جنوب غرب سورية، التي أصبحت في مطلع القرن الثاني الميلادي، عاصمة الولاية العربية تحت الحكم الروماني.

 

- عشترت: وهي تل عشترة (بلدة ازرع) جنوب غرب دمشق، وتذكر بهذا الاسم في الكتابات المصرية والآشورية الحديثة والفينيقية.

 

- طوبو: يطابقها الباحثون مع موقع الطيبة غربي بصرى الشام.

 

-         نصيبا: يطابقها الباحثون مع نصيب الحدودية، جنوب شرق درعا.

 



مملكة آشور ومتنى وخطابات «تل العمارنة» (3)

إرسال تعليق

0 تعليقات