وصف المدينة وما تحتوية
استفضنا فى الحلقات السابقة حول تاريخ الرسائل والملوك الذين
اقاموا علاقات مع مصر، وتناولنا محتوى بعض هذه الرسائل، والملوك الذين راسلوا مصر
ومقدار العلاقات المصرية بهذه الممالك والمدن والملوك والحكام .
وتل العمارنة وكان إسمها أخيتاتون أى أفق آتون هي العاصمة الجديدة
التي أنشأها الملك إخناتون والذى حكم مصر لمدة 17 عاما مابين عام 1351 ق.م وعام
1334 ق.م وعاش فيها ما بين 20 إلي 30 ألف شخص وهي تقع على بعد خمسة وأربعين كيلو
متر جنوب مقابر بني حسن بمحافظة المنيا وعلى بعد عشرة كيلومترات جنوبي ملوي ضمن
حدود مركز دير مواس وهو آخر مركز من مراكز محافظة المنيا قبل أن تبدأ حدود محافظة
أسيوط التي تقع جنوبي محافظة المنيا التي تقع في شمال صعيد مصر وهي تمتد على طول
الشاطئ الشرقي للنيل لمسافة تقترب من خمسة أميال وعرضها
ويعود تاريخ تلك العاصمة إلي أنه عندما أدرك أمنحوتب الرابع أو إخناتون أنه لا
إمكانية للاستمرار في طيبة الأقصر حاليا بعدما أظهر كهنة آمون العداء له ولدعوته
الجديدة التي حاول إدخالها بدلا من ديانة الإله آمون والعقائد الأخرى في مصر كان
عليه لِزاما أن يبحث عن موقع جديد ينتقل إليه ويدعو منه لربه آتون ذلك المعبود
الذي أراد الملك به حسبما يعتقد بعض المتخصصين توحيد مجمع الأرباب المصرية وتحديدا
كان ذلك فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد حيث ترك الفرعون إخناتون وزوجته الملكة
نفرتيتى عبادة الآلهة المتعددة ومعابد وكهنة الكرنك فى طيبة وأسس مدينة جديدة وفى
هذه المدينة الجديدة قام وأتباعه بعبادة الإله آتون إله قرص الشمس وكان هذا الشكل
الأول المعروف للتوحيد بعبادة إله واحد وهكذا أسس الملك أمنحوتب الرابع أو إخناتون
مدينته الجديدة ولتكون عاصمة جديدة لملكه وإنتقل بالفعل في العام الرابع من حكمه
إلى تلك العاصمة الجديدة أخيتا تون ذلك المكان الذي استقر فيه ويعرف حاليا بإسم تل
العمارنة تاركا كل من منف وطيبة سابقا الأقصر حاليا اللتان كانتا بمثابة عاصمتا
مصر الرئيسيتان حينذاك والمقران الملكيان صيفا وشتاءا .
وتمتد مدينة تل العمارنة على مساحة خمسة وعشرين كيلومترا من منطقة
تسمي الشيخ سعيد شمالا حتى منطقة تسمي الشيخ عبد الحميد جنوبا وهي منطقة محاطة
بسلاسل الجبال من ثلاث جهات شرقا وشمالا وجنوبا أما حدودها الغربية فيحدها نهر
النيل وتقوم على أطلالها أربعة قرى هي الحوطة الشرقية التابعة لمركز ديروط التابع
لمحافظة أسيوط والعمارية الشرقية والحاج قنديل والتل الشرقى أو تل العمارنة
والثلاث قرى الأخيرة تابعة لمركز ديرمواس التابع لمحافظة المنيا وتضم تلك المدينة
التي أمر إخناتون بإنشائها قصرين ملكيين القصر الشمالي والقصر الجنوبي ومعابد آتون
والأحياء السكنية من منازل للنبلاء وقرية للحرفيين والمقبرة الملكية التي تقع في
الشمال الشرقي من المدينة وكان الملك إخناتون قد أعد مقبرة لنفسه مع تلك المقابر
ولكن لأمر لم يفسره المؤرخون لم يتم دفنه فى هذه المقبرة وبالإضافة إلي المقابر
الملكية يوجد عدد 25 من مقابر الأفراد تنقسم إلى مجموعتين شمالية وجنوبية تقعان في
أقصى شمال المدينة وهي مخصصة لكبار موظفي الدولة في عهد إخناتون ونلاحظ هنا أن
تخطيط هذه المدينة اختلف عن باقي المدن الفرعونية فقد بنيت المدينة شرق نهر النيل
وهو الأمر الذى كان سائدا في مصر القديمة حيث كان الجانب الشرقي من النيل يشمل
عالم الأحياء بينما الجانب الغربي يشمل عالم الأموات ولكننا نشاهد في تلك المدينة
أن جبانة الأموات قد بنيت هي الأخرى شرق النيل كما نلاحظ أن مقابر تلك الجبانة
جميعها متشابها حيث كانت كلها عبارة عن مدخل ثم صالة كبيرة ثم غرفة يوجد فيها
تمثال لصاحب المقبرة ثم نرى فى وقت الغروب أن الشمس تلقى بأشعتها على وجة التمثال
لتعطية الحياة .
وقد قام الملك بتحديد مدينته بأربعـة عشـر لوحـة تعرف بإسـم لوحـات
الحـدود هذا وقد عثِرَ في المدينة على وثائق ورسائل هامة تسمي رسائل تل العمارنة
تمثل الرسائل المتبادلة بين إخناتون والحكام والأمراء في البلاد التي يدين حكامها
وأمراؤها بالولاء لمصر وله .
هذا وقد توالت عمليات الحفائر في تل العمارنة للكشف عن أسرار تلك المدينة ومعرفة
تاريخها وتاريخ مؤسسها الملك إخناتون والتي كانت مركز دعوته الدينية وكشف أسرارها
وذلك بعد أن سقطت في طي النسيان لمدة طويلة من الزمان وذلك علي النحو التالي :-
-- في عام 1714م وصف الكاهن اليسوعي الفرنسي كلاود سيكارد لوحات
الحدود .
-- في عام 1798م وعام 1799م زارت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون
بونابرت الموقع ورسموا خريطة للمدينة .
-- مابين عام 1824م وعام 1826م في عهد محمد علي باشا زار جاردنر
ويلكنسون عالم المصريات الإنجليزي الموقع مرتين وقام بتوصيفه وتعريفه
-- مابين عام 1843م وعام 1845م في عهد محمد علي باشا أيضا قامت
بعثة الحفائر البروسية برئاسة كارل ريتشارد لـبسيوس بزيارة الموقع وقامت بتسجيل
ونشر العديد من مناظر ونقوش مقابر تل العمارنة المنحوتة في الصخر .
-- في عام 1887م في عهد الخديوى توفيق اكتشفت فلاحة مصرية عدد 337
لويحة أى لوحة صغيرة من الطين المجفف منقوشة بكتابات من الخط المسماري وهي اللغة
الأكادية الدارجة وسميت تلك اللويحات برسائل تل العمارنة والتي تمثل العلاقات
الدبلوماسية الدولية والسياسة الخارجية من خلال مراسلات متبادلة بين مصر وأمراء
سوريا العليا وفلسطين وبابل وغيرهم من الحكام الموالين لمصر إبان عهدي أمنحوتـب
الثالث وابنه أمنحوتب الرابع أو إخناتون وجاء هذا الإكتشاف ليشد الإنتباه إلى تلك
المدينة المنسية .
-- خلال عام 1891م وعام 1892م قام إليساندرو بارسانتي من هيئة
الآثار المصرية بتنظيف مقبرة الملك إخناتون بتل بالعمارنة .
-- مابين عام 1891م وعام 1892م أيضا إكتشف وليم ماثيو فليندرز
بتـري أجزاء من المدينة منها القصر الملكي وأعد مسحا شاملا للمنطقة بمساعدة هوارد
كارتر مكتشف الآثار الإنجليزى الشهير والذى قام بإكتشاف مقبرة توت عنخ آمون بمنطقة
وادى الملوك بالأقصر فيما بعد عام 1922م وكانت حصيلة هذه الحملة 132 صندوقا مليئة
بالآثار وجدت طريقها إلى متحف أشموليان بمدينة أوكسفورد البريطانية .
-- عام 1892م زار هوارد كارتر المقبرة الملكية وقام بنسخ ونشر بعض المناظر
الموجودة داخلها وعلي جدرانها .
-- عام 1893م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني قام وليم ماثيو
فليندرز بتـري بتنظيف المقابر المتواجدة في المدينة والمنحوتة في الصخر .
-- عام 1902م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني أيضا بدأت جمعية
الكشوف الأثرية المصرية في لندن أعمال الاستكشاف والتنقيب علي الآثار في الموقع .
-- عام 1903م وحتي عام 1908م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني أيضا
قام نورمان دي جاريس ديفيز بنشر صور وتاريخ وتفاصيل مقابر الأفراد بتل العمارنة في
ستة أجزاء .
-- مابين عام 1907م وحتي عام 1914م اكتشفت البعثة الألمانية التابعة لجمعية
الإستشراق الألمانية تحت إشراف لودڤيج بورخاردت أجزاء من المدينة فكشفت عن الحي
الشرقي بها .
-- عام 1912م وفي عهد الخديوى عباس حلمي الثاني أيضا عثرت البعثة
الألمانية المشار إليها علي رأس الملكة نفرتيتي الشهير المعروض الآن بمتحف العاصمة
الألمانية برلين وجدير بالذكر أن هذا المتحف به قسم كبير مخصص للمصريات معروض به
العديد من التماثيل لملوك الفراعنة والعديد من أوراق البردى التي تحوى نصوصا دينية
وأدبية تعبر عن الحياة اليومية والعادات والتقاليد والمعاملات بين الأفراد في
الحياة المصرية القديمة .
-- مابين عام 1921م وحتي عام 1936م في عهد الملك فؤاد الأول قامت
جمعية الكشوف الأثرية المصرية بعمل حفائر وتنقيب علي الآثار تحت إشراف العديد من
العلماء المتخصصين في علم المصريات والكشوفات الأثرية منهم توماس إريك بيت وليونارد
ووللي وفرانسز نيوتون وهنري فرانكفورت .
-- منذ عام 1977م تقوم بعثة جمعية الكشوف الأثرية المصرية بعمل
حفائرتحت إشراف ورئاسة باري كمـب ولا زالت أعمالها مستمرة.
وجدير بالذكر أن مقابر الأفراد والتي كانت مخصصة لكبار موظفي الدولة في عهد
إخناتون والمذكورة في السطور السابقة والتي تقع في أقصى شمال المدينة وتنقسم إلى
مجموعتين شمالية وجنوبية بينهما وأدى كبير يفصل بينهما نجدها تتميز بلوحاتها
الحائطية الملونة التى تصور الحياة أثناء ثورة آتون الدينية كما نجد أن مقبرة
الفرعون إخناتون الملكية تقع فى واد ضيق صغيرعلى بعد حوالى 6 كيلو متر من الوادى
الكبير الذى يفصل بين المقابر الشمالية والجنوبية والتي لم يتم دفنه بها كما
أسلفنا القول لسبب ما غير معلوم ويلاحظ ان العديد من هذه المقابر لم يتم إستكمالها
ونسبة قليلة جدا منها هى التى تم استخدامها بالفعل حيث يوجد عدد 25 مقبرة مرقمة من
1 إلى 6 فى الشمال ومن رقم 7 إلى رقم 25 فى الجنوب والمقابر الجديرة بالزيارة هى
:-
-- مقبرة هيا والذى كان مراقب الحريم الملكى للملك إخناتون وتوجد
صورة للفرعون وعائلته فى مدخل هذه المقبرة ناحية اليمين . -- مقبرة أحمس والذى كان
واحداً من حاملى مروحة الملك ويوجد له تمثال فى مقبرته . -- مقبرة ميريرى والذى
كان الكاهن الأكبر لآتون واللوحات المرسومة بمقبرته تصور الفرعون إخناتون راكباً
عربته فى جولة حول المدينة وتصوير لزيارته لمعبد آتون .
-- مقبرة بانيهس والذى كان وزيرا وأغلب المشاهد فى مقبرته تصور
إخناتون وعائلته وهم يحضرون مراسم وطقوس فى معبد الشمس .
-- مقبرة ماهو رئيس الشرطة في عهد إخناتون والتي تعد واحدة من أفضل
المقابر الباقية بحالة جيدة وصور الحائط بها تزودنا بتفاصيل مثيرة لأعمال وواجبات
ماهو كرئيس للشرطة في ذلك العهد .
-- مقبرة آى وهذه المقبرة هى أجمل وأفضل مقابر تل العمارنة
واللوحات الحائطية بها تصور مشاهد من الشارع والقصر وتوجد لوحة يظهر فيها إخناتون
وزوجته نفرتيتى وهما يقدمان لآى وزوجته قلادات ذهبية .
المدن المذكورة فى تل العمارنة (4)
0 تعليقات