بقلم : مها متبولي
يشهد الوسط الفني حالة من استقطاب المنتجين والفنانين المصريين
للعمل في مشروع ثقافي سعودي ضخم ، سيكون بمثابة انطلاقة مهمة في التغيير والتطور
الثقافي الهائل الذي تشهده المملكة، بدءا من إنتاج أفلام سينمائية تغذي دور العرض
الكثيرة هناك، ومرورا بأعمال درامية ضخمة، سيكون لها تأثير قوي لدى الجمهور، وهذا
في حد ذاته بمثابة حجر كبير، سيتم إلقاؤه في بحر الفن الراكد خلال هذه الأيام .
ولا يمثل ذلك مشكلة بالنسبة لي، لأن انجاز أي مشروع ثقافي أو
إعلامي خليجي، كان وما زال يقوم على سواعد وأكتاف المصريين ، وقد لمسنا ذلك في
تجارب القنوات الفضائية الخليجية المختلفة، بدءا من قناة "الجزيرة"،
وقناة "إم بي سي" ، وقناة "اي أر تي"، فكلها قنوات تم تدشينها،
بعقول ومهارات المصريين، ثم سرعان ما غيرت من شخصيتها، وخصوصيتها، أي أن الاستعانة
بالمصريين هي مسألة مؤقتة .
وإذا كان المشروع سيرى النور قريبا ، فإنه سيستقطب نجوم الصف
الثاني، وسيجزل لهم العطاء، وسيوفر لهم سبل التدليل، وهو ما سيجذب نجوم الصف
الأول، بعد ذلك في هجرة فنية جماعية اسميها من وجهة نظري موسم الهجرة إلى الرياض، وهي
ليست الأولى من نوعها.
فلنا في مشروع شركة "روتانا" مثالا واضحا، والذي احتكر
أسطولا من الفنانين، في مطلع الألفية الثالثة، ووضعهم في ثلاجة المواهب المجمدة،
بعد أن ضيعوا شخصياتهم الفنية من أجل المال، فلا فن أو إبداع تحت الوصاية .
وحدث ذلك نفسه ، في نهاية الستينات ،عندما هاجر الفنانون إلى لبنان
، وهى الفترة التي شهدت ركودا في الفن المصري، وكانت من أسوأ الفترات على مستوى
التمثيل والإنتاج ، والتى أفرزت سينما "المقاولات" .
لذلك أريد أن أوجه رسالة مباشرة للأستاذ تامر مرسي، بصفته رئيسا
لشركة إعلام المصريين، أقول له فيها إنه يجب أن يفتح مجالات العمل في أسواق الفن
المصري، وما يتصل بها من فنانين ومنتجين، ومخرجين ، لأن استقطابهم إلى الخليج
سيترك فراغا كبيرا على المستوى المحلي والإقليمي، تماما مثلما حدث في الدوري
المصري لكرة القدم ، عندما استحوذ فريق "بيراميدز" على باقة من اللاعبين
بتعاقدات خيالية، وكانت النتيجة إضعاف باقي الفرق.
وحتى لا نقع في سلبيات هذه التجارب مرة أخرى ،لابد من وضع خطة إعلامية
مصرية تسهم في عودة الروح للفن المصري ،وتضمن له منظومة إنتاج مستمرة ، فليس من
المنطقي أن ننتج عشرة مسلسلات في رمضان، ونظل على الهامش طوال العام، بل يجب أن
نحافظ على ثروتنا الفنية الناعمة ، وأن تكون للإعلام المصري رؤية مستقبلية تحافظ
على هويتنا، وتمنع اختراقها، بل وتحميها من غزو الثقافات.
أقول ذلك لأن المنصات الرقمية باتت تشكل تهديدا حقيقيا على هويتنا
وعاداتنا وتقاليدنا ، ومنها منصة "نتفلكس" التي تستحوذ على اهتمامات
الشباب، حيث تبث أفكار الشذوذ سواء عند الرجال أو النساء، وتروج لشطحات النمط
الغربي في الحياة، وتحتاج لحائط صد قوي يمنع هذه الأفكار الهدامة ، بدلا من حالة
التقزم الإعلامي التي نعيشها، والتي لا تصلح أن تكون طبلة ولا مزمار.
0 تعليقات