علي الأصولي
المقطوع به على المستوى النقلي والمستوى التاريخي أن الإمام علي بن
أبي طالب(ع) خريج مدرسة رسول الله(ص) الأدبية والأخلاقية، والمعلوم بأن النبي الأعظم
(ص) شهد له الله سبحانه وسمو أخلاقه بما لا نظير مثله،
ومن جملة الآداب التي أخذها أمير المؤمنين(ع) عن رسول الله(ص) الآداب
في الحروب،
دأب النبي(ص) وتوصيات كبار قادته عندما يبعثهم للحروب، دأب على
توصيتهم بجملة من الوصايا، أولها: تقوى الله ومنها عدم قتل الوليد - الطفل أو
الأطفال - والشيوخ والنساء وعدم الغل والغدر وعدم قطع الأشجار إلا في حالة الضرورة
وشدد على تأمين من يستجار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين وان أبى
فابلغوه مأمنه،
نعم: هذه هي السيرة في الحروب وإرسال الجيوش والسرايا ودونك
التاريخ،
وترجم الإمام(ع) هذه الوصايا على أرض الواقع بخير ترجمان ومثله خير
تمثيل، فهذا كتابه المعنون إلى زياد بن النظر يوصيه، أن لا تقاتلوا القوم حتى
يبدأؤكم .. إلى أن قال: فإن هزمتوهم - بعد القتال - فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا
على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل فإن وصلتم إلى رحال القوم - تجهيزاتهم
ومؤنهم وخيامهم - فلا تهتكوا الستر ولا تدخلوا دارا إلا بإذني ولا تأخذوا من أموالهم
إلا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا امرأة إلا بإذني وأن شتمن أعراضكم وتناولوا -
أي نالن وشتمن وسبن - أمرائكم وصلحائكم فإنهن ضعاف القوة والأنفس والعقول، كنا
نأمر بالكف عنهن وإنهن مشركات، وان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو
الحديد فيعير بها عقبه من بعده،
اجل: انعقدت سيرة ومسيرة الإمام وهذا المنهج في أدبيات حروبه وما
صاحبها وأخلاق الفرسان والنبلاء، فلا نجده قطع ماءا ولا روع المستضعفين، وركز على
خصومه الذين سلوا سيف البغي فقط وفقط،
لم يكن الإمام كقائد ميدان ببدعا عن أقرانه من القادة قديما وحديثا
واستخدام كل ما هو منتج وضروري لكسب المعركة والغلبة والانتصار ، فقد اتخذ المنهج
النبوي الناص كون الحرب خدعة،
ومن قصص الخدعة التي استثمرها الإمام ووظفها في حرب صفين حيث روى
عدي بن حاتم وكان مع علي(ع) في صفين فقال أمام أصحابه بصوت مرتفع - والله لاقتلن
معاوية - ثم قال بصوت منخفض - إن شاء الله - فسال عدي عن هذه الحالة فأخبره
الإمام(ع) بقول: أنا عند المؤمنين غير مكذوب فأردت أن أحرض أصحابي عليهم كي لا
يفشلوا .. الخ ..
خدعة الحرب ضرورة مرحلية خاصة فيما لو خيف من العدو أو تفاديا وإشاعاته
أو تشجيعا لرفع معنويات المقاتلين وغير ذلك على ما ثبت في الدراسات العسكرية
النفسية الحديثة،
ولذا اجمع فقهاء المسلمين سنتهم وشيعتهم وجواز الخدعة بالحرب فهذا
مسلم في صحيحة ذكر بأن عمر سمع جابر يقول: قال رسول الله(ص) الحرب خدعه، وفي -
المستدرك - للنوري الطبرسي عن علي(ع) قال: قال رسول الله(ص) لا يصلح الكذب إلا في
ثلاثة مواطن .. إلى أن قال: وكذب الإمام عدوه فإنما الحرب خدعة،
ومعنى الخدعة هو التضليل. تضليل العدو وإيهامهم ومن ثم مبالغتتهم
لضمان الانتصار وقد أقرت الأعراف والقوانين الدولية وهذه المادة في العصور
الحديثة، كما في مادة(24) من لائحة لاهاي، إذ نصت هذه المادة على - تعتبر الخدع
مشروعة الخدع الحربية واستخدام الوسائل اللازمة للحصول على معلومات عن العدو وعن
أراضيه - انتهى:
الآن تعالوا لقراءة ما نشره الخصم في سبيل تقزيم الأخلاق الحربية
للإمام علي بن أبي طالب(ع) بدعوى علي الواقعي لا علي المذهبي، إذ أن الأول -
الإمام الواقعي - كان يشحذ همم أصحابه بتوسط الخداع الديني، إذ قال: كان عليّ بن
أبي طالب يطبّق أقوال الرّسول وسيرته في الحروب أفضل تطبيق، وكان كثيراً ما يشحذ
همم جنوده ويحثّهم على القتال عن طريق الخديعة الدّينيّة بأوضح صورها؛ فكان حينما
يصل إلى الصّخرة يقول وأصحابه ينظرون: الله أكبر، صدق الله ورسوله... صخرة!!
وحينما يصل إلى دجلة يقول: الله أكبر، صدق الله ورسوله... دجلة!! فيحسب النّاس من
حوله أن شيئاً قد سمعه من الرّسول ورأى ما يطابقه ويثبّته هو ما دعاه لقول ما قال،
فتشتدّ عزيمتهم الإيمانيّة ويتصاعد المدّ، لكنّه يقول لمقرّبيه بعد ذلك حينما
يسألونه إن كان قد سمع شيئاً من الرّسول: أنّ الحرب خدعة، وأردت بذلك شحذ هممكم لا
غير!! انتهى موضع الشاهد:
اولا: أن قوله - الخداع الديني لها دلالات سلبية وإلقائها على
المتلقي فقد اختار هذا العنوان بعناية فائقة وبالتالي مارس الخصم خداع تضليلي بحجة
الإنصاف والموضوعية بعد خلع ونزع النظارات المذهبية!
إذ أن الخداع مشروعيته في ساحات الحروب والقتال وهو لا يكون إلا مع
الخصوم، وأما مع الأصدقاء والأنصار فلم يثبت كونه(ع) خدعهم بهذا المعنى. فحين كبر
الإمام(ع) عند الصخرة أو قريب نهر دجلة فهو يشحذ الهمم ليس إلا ولا موضوع للخدعة
التي أريد منها إرباك العدو والسيطرة النفسية عليه في سبيل الانتصار ،
وبالجملة: تكبير الإمام(ع) وتهليله ونحو ذلك من الفعاليات وأن قال
لأصحابه ومن سأله أنها خدعة إلا أنه لم ينف ما ربما قد سمع من النبي(ص) أمرا ما وتنبئته
المستقبلية،
وكيف كان: إن أصر الخصم وكون الإمام مارس الخدعة أمام جيشه وقادة
معسكره فهو قد بين بالدلالة غير المطابقية أن في صفوف جيشه ما يخاف على مقاتليه
منهم كالجواسيس والأعداء لا يعرفهم أحد فأراد الإمام بالتالي وهذه الفعاليات إيصال
رسائل لهذا الصنف من الناس في صفوف مقاتليه، ولذا علل الإمام هذه الأفعال لبعض
أصحابه لا لعامة جيشه فتأمل،
وأخيرا وليس آخرا من يعرض مثل هذه المسائل بعنوان إشكالات أدبية
بمعزل عن الأدبيات المحكمة التي ذكرتها أول المقال فهو ماكر مخادع كذاب اشر والى
الله تصير الأمور ..
0 تعليقات