عز الدين البغدادي
بعد أشهر قليلة من نزول الطبعة الأولى من كتابي "المهدي
المنتظر" اتصل بي الناشر وابلغني بأن هناك صحيفة تابعة لمركز الدراسات
المهدوية وهو المركز التابع لمكتب السيد السيستاني اسمها "صدى القائم"
اتصل شخص من قبلها وهو يعرب عن إعجابه الشديد بالكتاب وانه كتاب مميز وأعرب عن
رغبته بعقد حوار صحفي مع الكاتب… الأمر كان مستغربا لدي لان الكتاب كان نقديا
لدرجة انه نفى وجود آيات قرآنية تثبت المهدي، ونفي صحة كثير من الأدعية التي تتعلق
بالمهدي وأمور كثيرة أخرى.
عموما رغم ان الناشر اتصل بي وهو متحمس لذلك إلا أني وببساطة
اعتذرت منه، والسبب هو أنني لا أحب فكرة إثارة الكثير من الجدل في هذا الموضوع
الذي تضخم الاهتمام به كثيرا به لا سيما بعد صدور "الموسوعة المهدوية"
وكثر الجدل والنقاش فيه والادعاءات حوله وما الى ذلك، كما كثر جدا الحديث عن ضرورة
ربط المجتمع بالمهدي والدعاء للمهدي والتبشير بالمهدي وكل تلك الأمور أربكت الفهم
العام وجعلت القضية تقفز في أهميتها بشكل كبير.
ثم كرد فعل، ظهرت أفكار معاكسة تنفي القضية وتسخر منها، وتنظر إليها
كحالة متخلفة وما الى ذلك، ولأنها حركة انفعالية وليست معرفية فإنها لم تتجاوز
برأيي ومن الناحية المنهجية حالة "المراهقة الفكرية" لأنها غفلت عن أمرين
هامين:
أولا: إن القضية الهدوية هي قضية إيمانية، والدليل عليها هو دليل إيماني
اي النص، نحن نؤمن بالبعث والنشور رغم ان العلم الى الان لم يقدم لنا دليلا يثبت
ذلك. وأتمنى ان لا نكرر الاسطوانة المشروخة من ان البعث ثبت بالقرآن والمهدي أحاديث
لأن الحديث حجة متى ثبت فكيف بروايات صحيحة متواترة. ولما كان الموضوع إيمانيا
فالمسالة وهذه نقطة هامة جدا جدا لا تتعلق بصحة الاعتقاد في نفسه أو خطئه بل
بتوافر الأدلة الكافية للإيمان به، قرأت مرة كلاما نسب الى احد العلماء المعاصرين
المعروفين يقول فيه بأن الكذب قد يكون مباحا ومشروعا بل ومطلوبا لتحقيق مصلحة كبرى
وعليه قد لا يكون الغرض من النصوص التي وردت عن الجنة والنار اي واقعية بل جاءت
للترغيب والترهيب فحسب كدافع للعمل الأخلاقي.. لا اميل الى هذه التعبيرات أبدا
لكني أقول بان الإيمان وفق دليل منهجي كافٍ وأما إثبات واقعيته فلا يهمني كثيرا...
أؤمن بالنادي بحسب الدليل لكن إثبات المهدي كواقعة مادية أو كشخص موجود فعلا على
قيد الحياة هو أمر آخر لأني لم التق به ولا بمن التقى به على فرض إمكانية التأكد
من انه فعلا المهدي.
ثانيا: الإصلاح بصورة عامة لا بد ان يكون عمليا واقعيا، ومحاولة إلغاء
فكرة المهدوية من التراث الإسلامي عموما والشيعي خصوصا هو أمر غير ممكن، لان
القضية ليست طارئة ولا عرضية بل هي قضية عميقة متأصلة لا يمكن إزالتها ولا حذفها،
هي لم تأت مع الصفويين مثلا ككثير من الطقوس المبتدعة. لكن من الممكن إزالة الأوهام
والأكاذيب عنها وتركها في الإطار الإيماني وحسب. كما في قضية الخضر مثلا إن كان
موجودا فلا مشكلة وان كان ميتا فلا مشكلة، مع العلم ان قضية المهدي المنتظر فيها
نقاط ايجابية يمكن استثمارها دون الدخول في الجدل البيزنطي حيث يتناقش فيه طرفان
دون أن يقنع أحدهما الآخر، ودون أن يتنازل كلاهما عن وجهة نظره.
0 تعليقات