علي الأصولي
لا تزيد اهتماماتي الأدبية العامة أكثر من الاطلاع العام للمنتج
الثقافي العربي أو العالمي المترجم. وعادة وبعد توفر منصات التواصل بمختلف
مسمياتها وعناوينها جنحت لقراءة المقالات التي تلخص بشكل أو بآخر الكتب الأدبية
العالمية والعربية مع أنها خارج اهتماماتي الدينية بطبيعة الحال ولكن الاطلاعات
أجد فيها أنسة استطيع ان اعبر عنها أشبه بالاستراحة وقراءة كتب الفقه والأصول
والفلسفة التخصصية ذات المجهودات الذهنية العالية،
ولذا تجد في متصفحي هذا بين فترة وأخرى أعرج على مقال ثقافي أدبي
أو الخص كتابا أجده أمامي أو أناقش فكرة لكاتب هنا أو هناك،
في هذا المقال قرأت للكاتب "سعداوي" نصا مزج فيه بين
الحقيقة والخيال حتى نوه في مقاله على أن جزء من المقطع خيال. وقبل الدخول لمضمون
هذا المقطع أود الإشارة أنه جرت عادة غير واحد من الكتاب العالميين بإيصال رسائلهم
الأدبية والفلسفية والسياسية والاجتماعية من خلال النصوص الروائية والمقالاتية
بصرف النظر عن أسباب هذا السلوك فهو بالتالي يشبه إلى حد كبير أي هذا السلوك
الصوفية ومرموزاتهم ورسائل إخوان الصفا،
كتب "سعداوي"
حين دخل هولاكو الى بغداد في (10) شُباط، فبراير (1258) وأباح
المدينة أمام جنوده ثلاثة أيام، أمر في اليوم الرابع أن يقام له مرتقى، ويجمعوا
الناس له حتى يخطب بهم،
احتشدت الساحة أمام القصر العبّاسي بالناس الذين سيقوا الى رؤية
هولاكو من دون رغبة منهم، وكان على وجوه بعضهم شحوب الموتى، فالخوف الشديد يرسم
أحياناً هذه العلامة التي يختصّ بها الموت. ظلّوا صامتين يسمعون لهولاكو، أو
بالأحرى لمترجمه علاء الدين الجويني، الذي كان ينقل بصوتٍ عالٍ ولغة عربية فصيحة
همسات القائد المتجهّم بلكنة شمال منغوليا المقطّعة بشكل حاد، وكأنها قفزات حصان
قصير القوائم ما بين مقاطع الحروف.
قال الجويني بلسانه ترجمةً لهمسات هولاكو، ولم يعرف لا هولاكو ولا
أيٍّ من السامعين من الجند والحرس، أو الجمهور المغطّى بغلالة قاتمة من الخوف
والغمّ، هل كان هذا كلام هولاكو أم شيئاً ألّفه الجويني في التو واللحظة:
ـ أعرف أنكم مستاؤون من القتل والدم، وأنكم تخافون، مثلما يحدث مع
أي مدينة غزوتها سابقاً، من ذلك المجهول الكامن بعد زوال سلطة قائمة.
أعرف أنكم تكرهون أن يتحرّك التاريخ بدوران هائل ومفاجئ من عجلاته
الكبيرة، وترغبون لو أن كلّ شيء يستمر على حاله، كما كان في اليوم السابق. حتى وإن
كنتم تتبرمون وتشكون من سوء الحال، وقد يتّهم أحدكم نفسه بأنه هو بذاته سيء الحظّ
لأنه ولد في هذا الزمان وهذا المكان، دوناً عن الآخرين، وقد لا ترغبون بنسبة الخطأ
والجريمة الى صاحبها؛ هذا الملك المتكرّش الكسول الذي يسمّي نفسه خليفة.
ها أنتم تقلّبون أعينكم في السماء التي تغطّيها قطع الغيوم، وبعض
ألسنة الدخان من الحرائق التي ما زالت تومض منذ ثلاثة أيام وتعمّ المكان بروائح ما
أحرقته من جذاذات عالمكم السابق. وقد ترون أن لله حكمة فيما فعل، وأن هذا فعل
الله، أو فعلٌ جرى بقضائه وقدره.
ولكني أصدقكم القول، فالله لا دخل له في هذه الحكاية. أو إن الله الذي
تؤمنون به يجري الأمور بمسبّباتها، وحين يتقابل جيشان، فإن الجيش الأقوى والأكثر
انضباطاً وولاءً هو الذي ينتصر. هذه هي مقادير الله، ولم يصنع هذا النصر على يدي
من أجل اختبار إيمانكم أو معاقبتكم. إن ما يحدث أو حدث لكم كان يحدث سابقاً وسيحدث
لاحقاً عند كثير من الشعوب.
أرغب منكم أن تعودوا الى أعمالكم ومعاشاتكم، وتنسوا لحظة النهاية
هذه، فهي نهاية مؤكدة، ولا تشغلوا أنفسكم بأنكم تستيطعون تغييرها. فهذا لن يخلّف
إلا المزيد من الدماء التي ما زلتم تتشمّمون روائحها حتى الآن.
إن الشيء الذي سينتصر عليّ ويزيلني عن وجه بغداد بصورة لا مراء
فيها ولا قدرة لي على مواجهتها، هذا الشيء سلّمت له رايتي وأذعنت له منذ أن خطت
أقدام فرسي خارج مضارب قبيلتي. إنه المنتصر الذي لن يقهره أحد انه الزمن.
فكّروا بأنكم حلفاء الزمن، وأنكم انتصرتم على هولاكو وجيشه، وأزلتم
كلّ صورة وأثر له من مدينتكم، ولكن ليس الآن، وفي هذا المشهد، وإنما هناك في
المستقبل.
عيشوا في هذا المستقبل، وتصالحوا مع لحظتكم هذه. أنا ذرة رمل في
رياح الزمن الهادرة. لا تجعلوني مشكلتكم اليوم، ما دام هناك من سيواجهها وينتصر
عليها غداً .. انتهى:
لو تأملنا وهذا المثال والمقال لوجدنا الدعوة الصريحة أو لا أقل
الظاهرة لفكرة الاعتزال والإرجاء على طريقة وسلموا تسليما لعموم الأحداث والكوارث
الطبيعية منها وغير الطبيعية، وبدل المضي قدما لمقاومة الضرر والإضرار والإصرار
على فكرة وضرورة التغيير النفسي والمجتمعي. بدل الإحباط والاستسلام للقدر الذي
صنعه اللاعبون الكبار أمثال هولاكو وغيره من الطواغيت والفراعنة وهذا لا يأتى
والتغيير لمجرد أمنيات الدراويش في زوايا التكايا الصوفية والفيبسوكية والاقتصار
على الدعوات والتحالف مع الزمن على طريقة هولاكو أو علاء الجويني أو احمد السعداوي
لا أعرف من صاحب هذه الفكرة بالضبط وهنا أنت مدعو للتأمل والتأمل الكثير ومآلات
التحالفات!
0 تعليقات