علي الأصولي
لم تنتهى الكنيسة ولم ينقلب عليها جماهيرها المؤمنة إلا بعد أن
صدمتهم الكنيسة وعدم الإجابة على الأسئلة المقلقة التي طرحها فلاسفة التنوير في أوربا.
ومن هنا جاء الانقلاب الفكري بعد تعزيز ثقة الجمهور بالفلاسفة وتقديم نظريات حديثة
للنص ضمن إطار الفكر التاؤيلي ومدرسة أو نظرية {الهرمنطيقيا} ومنها {تأريخانية
النص} .
وبهذا التقدم الفكري على الكنيسة حاول بعض العرب وأمثالهم
الإيرانيين واستنساخ التجربة واخذ تلك الاطاريح بسافلها وعاليها ومحاولة إعادة
صياغتها وما يلائم الهدف المنشود عندهم.
إلا أن اكبر عقبة في عقيدتي واجهت هذا المد العاتي هي عقبة علم
الأصول الشيعي الإمامي المعاصر الذي له هيمنة وسلطة وفلسفة وعمق ودقة لم نشهد لها
مثيل في تاريخ الأفكار الإنسانية. وإلا لو بقينا وحاولنا مواجهة هذا المد بأدوات إخبارية
- مع الاحترام لرموز الاتجاه الإخباري - فضلا عن الحركات الفكرية التي ظهرت في
الساحة على شكل مجاميع صغيرة. لما شهدنا إلا والشارع الإسلامي الشيعي ما بين
اليمين واليسار .
لا يقال فلسفة وعلم كلام وعرفان ونحو ذلك كفيلة برد هذه الأطروحات
الأوربية.
فإنه يقال: نعم للفلسفة دور وللكلام المعاصر دور لا يقل عن الفلسفة
ولكن هذه المواد العلمية الفكرية استهلكت في علم الأصول ولا يوجد فيها تطور ملحوظ
منذ عصر عظماء الفلسفة والكلام.
فأصبحت هذه العلوم وأبحاثها
محترقة ولا يمكن لها الصمود في وجه المواجات الفكرية الوافدة بأدواتها الحديثة
والمعاصرة إلا بسلاح فكري متقدم ولا سلاح أقوى وأعلى من الأصول المعاصرة واخص بها
أصول المعلم الشهيد الصدر الأول وتلميذه الثاني في جملة من إبداعاته.
وعودة على ذي بدء، حقيقة إعادة قراءة النص بالصيغة المقترحة ونظرية {التأريخانية}
ترجع بالأصل من موقف النظرية وأصحابها من ظاهرة الوحي وتفسير معناه الذي اقترب
بشكل كبير ونظريات المتصوفة حيث كشوفاتهم ومكاشفاتهم وخلجاتهم وأحاديثهم النفسية
ورغباتهم وتطلعاتهم وأمنياتهم وبالتالي أهدافهم ومستواهم النفسي والفكري.
فقد تم قياس الإيحاءات الصوفية على مبلغ النص القرآني وهو النبي(ص)
وبما أن النبي(ص) محكوم بعوامل للغوية وجغرافية وأحداث عاصرها جاء النص وظهر بشكل
قوالب لفظية لمعالجة الأحداث والوقائع وبالتالي هذا الفهم يفضي بشكل مباشر إلى
بشرية النص وان كان النبي(ص) مثل كحلقة وقناة موصلة ما بين الناس والغيب.
بعبارة أخرى: للنبي(ص) فهم وهذا الفهم خاضع لمقتضى بشريته وله لغته
وهي لغة متداولة على لسان قومه وثقافاتهم وبيئتهم وبالتالي مبلغ النص محكوم بشرائط
موضوعية أو يمكن له الفكاك عنها بحال من الأحوال. والنتيجة لا نص مقدس ولا نص فوق
التاريخ بعد ملاحظة المبادئ واللوازم وبالنهاية لابد من التعامل وهذا النص كما هو
غيره من النصوص الأدبية والإنسانية من نقد ورد وتصحيح وهكذا.
في قبال هذه الفكرة أو هذا الرأي والاطروحة في قبالها اتجاه يرفض
قراءة الخريطة بهذا الشكل حيث النظرة القاصرة وإعطاء النتائج الجاهزة على طريقة
المصادرات.
اتجاه يؤمن بنصية القرآن الشمولي ويؤمن بوجوده برتبة سابقة في لوحه
المحفوظ وبالتالي له منشأ إلهي مقدس وأن ترجم معاني هذا المقدس بشكل قوالب للفظية
لغرض التواصل مع الناس. بالتالي لا بد من فهم بأن الكلام فعل وصفة المتكلم لا
الكلام نفس المتكلم وهذا ما لم بلاحظ في النظرية {التأريخانية} حيث لم تفرق بين
النص اللفظي ومنشأ هذا النص. إذ أنهم حسبوه للمبلغ بمعزل عن جهته السماوية التي
نعبر عنها بالحق تعالى وهو الله. ولذا قلت أعلاه المشكلة الأساسية هي بتفسير ظاهرة
الوحي.
إذن القرآن الكريم نزل من حقيقة متعالية وهذه الحقيقة قد صاغها الله عز وجل بقوالب
لفظية على قلب النبي الأكرم(ص) وما كانت وظيفة النبي(ص) إلا قناة موصلة بين جهة
الله وجهة الناس بتبليغ آيات ربه. وهذه الآيات اطلاقية شمولية وإلا لا معنى وخطاب
(يا أيها الناس) أو (يا أيها الذين آمنوا) أن أريد بها خطاب الموجودين فقط وفقط
بمعزل عن المعدومين أو الذين لم يوجدوا بعد في غير زمن النزول. قالوا { العبرة أو
الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص المورد والسبب} بالتالي محاولة فرض سياج على الآيات
القرآنية وخطاب القرآن يحتاج إلى دليل يأخذ بالأعناق وهذا ما يفتقر إليه اتجاه
{التأريخانية} إذ أن غاية ما قدوموه هي مقاربات ومقارنات قرائن.
وما يهمنا هو البحث عن معنى النص ومن ثم البحث في إمكانية شموله
وعبوره للأزمنة بمعزل عن إثبات طبيعة وماهية الوحي وتفسيره لأن خلافنا مع الاتجاه
الوافد مبنائي وما يزيد من الإشكالية هو أن ظاهرة الوحي غيبية لا تخضع للبرهنة
التجريبية ولا مناص إلا والتعبد والنقولات.
نعم: هناك إمكانية ومساحة ومناقشة النص بعد فهم معناه كما ذكرنا
أعلاه.
النص: له حالات: أولها: النص الواضح الذي ليس له إلا معنى واحد.
ثانيها: الظاهر وهو ما يحتمل معنيين احدهما راجح جدا والأخر مرجوح
ومحتمل. فالكفة أن رجحت أحد المعنيين فهو لكونه ظاهرا في معناه.
ثالثا: المجمل وهو ما لا يمكن ترجيح أحد معانيه على الآخر .
ورابعها: المؤول وهو وان كان متساوي المعنيين لكن احدهما أرجح لا
بملاك القرب والظاهر بل لملاك آخر فيه أو حيثية وان بدأ بعيدا عن ظاهره.
وأصحاب هذا الاتجاه جعلوا النص بصرف النظر عن حالاته الأربعة بسلة
واحدة وهذا خطأ منهجي يؤثر على النتائج بطبيعة الحال والنتيجة تتبع اخس المقدمتين
كما يقولون.
وحجة أصحاب النظرية{التأريخانية} هو النظر النص بمعناه الدلالي
الملحوظ في حدثه وسببه ونزوله وظرفه وسياقه. بصرف النظر عن طبيعة النص وآلياته
وحالاته. إلا أن هذه النظرة غير علمية بلحاظ أننا نتعامل مع نظرية لها مآلات
تتغييرية وثقافة الشعوب المسلمة ولا يمكن المجازفة والقراءة السطحية والخروج
بنتائج منقوصة في مثل هذه الحالات.
المهم، النص المبحوث عنه هو النص القرآني الذي سبق وجوده اللفظي
بوجوده المعنوي(وإنه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم) وتعبيرات مختلفة ذكرت هذا
المعنى - اللوح المحفوظ - أو - كتاب مكنون - وغير ذلك مما يدل على اسبقية المعنى
على اللفظ .
0 تعليقات