فرقد الحسيني القزويني
رواية أخرى
ذكر ابن العبري أن النعمان لما بلغته رسالة القائد ماكنوس /للذهاب
معه لافتتاح الكنيسة/ لم يذهب إليه وإنما أرسل إليه بعض الشبان وأمره أن يتظاهر له
بأنه هو النعمان. فلما وصل الشاب إلى القائد سأله: أأنت النعمان؟ فقال له: نعم
جئتك بحسب أمرك فقال القائد لمن معه: أقبضوا على عدو الملك وقيدوه بالحديد. ولما
تبين للقائد أنه لم يكن النعمان هَمَّ بقتله ثم أمر بإخراجه فعاد إلى أهله. وقتل
ماكنوس بعد ذلك بأمر قصير.
يقول/ ابن العبري أن النعمان ذهب بعد ذلك إلى موريقيوس واعتذر إليه
وبين له أنه إنما حارب مع الفرس ليتمكن بذلك من إنقاذ والده من الأسر.
سؤال من هو موريقيوس؟الجواب/فلافيوس موريكيوس تيبيريوس أغسطس أو
موريكيوس كان إمبراطورًا بيزنطيًا حكم من ٥٨٢ م إلى ٦٠٢م. حارب موريكيوس كجنرال
بارز بنجاح ضد الإمبراطورية الساسانية. وبعد أن أصبح إمبراطورًا قاد الحروب ضد
بلاد فارس الساسانية وحققت جيوشه النصر. وفي عهده توسعت الحدود الشرقية
للإمبراطورية في جنوب القوقاز بشكل كبير ولأول مرة منذ ما يقرب من قرنين من الزمان
لم يعد الرومان ملزمين بدفع آلاف الجنيهات الذهبية للفرس سنويا مقابل السلام كان
عهده مضطربا بسبب الصعوبات المالية والحروب المستمرة تقريبا.
في عام ٦٠٢م قام الجنرال فوقاس الذي لم يكن راضيا عن سياسات
موريكيوس بإعدام موريكيوس وأبنائه الستة واعتلاء العرش الروماني. كان هذا الحدث
بمثابة كارثة للإمبراطورية الرومانية أدت إلى اندلاع حرب مدتها ستة وعشرون عامًا
مع بلاد فارس الساسانية. حيث تركت الحرب الإمبراطوريتين شبه مدمرتين تقريبا.
طلب موريقيوس من النعمان أن يدخل في المذهب الخلقيدوني. فأجابه أن
جميع القبائل العربية /طياية/ هي على المذهب الحنيف الأرثدوكس وأنه إذا بدل مذهبه
لا يأمن على نفسه من القتل ولما قفل راجعًا قبض عليه ونفي.
لقد تصدع بناء الغساسنة وتفكك وانقسم الأمراء على أنفسهم وذلك
حوالي سنة ٥٨٣ م .
يشير ميخائيل السوري وابن العبري إلى أنهم انقسموا بعد القبض على
النعمان إلى خمس عشرة فرقة تركت بعضها ديارها فهاجرت إلى العراق وتشتت الباقون ولم
يبق لهم شأن يذكر. ولم يشر المؤرخون السريان أو البيزنطيون إلى ملك الغساسنة بعد
هذا الحادث..
وقد أعقب هذا التصدع اضطراب في الأمن وفوضى بين القبائل التي أخذت
تتنافس بينها للحصول على الرئاسة والسيادة .
يقول صاحب المفصل/ خمد اسم رؤساء غسان في الموارد اليونانية
والسريانية منذ قبض على النعمان فعدنا لا نجد في تلك الموارد شيئًا يذكر عنهم وفي
سكوت هذه الموارد عن إيراد أخبارهم دليل على زوال شوكتهم وهيبتهم وعدم اهتمام
الروم بأمرهم حيث ضعف أمرهم بسبب تفرق كلمتهم وتنازعهم بينهم. أما الموارد
الإسلامية فإنها بقيت تذكر أسماء رجال منهم زعمت أنهم ملكوا وحكموا بل زعمت أن
بعضهم حكموا دمشق وبقيت تذكر أسماءهم إلى أيام الفتح الإسلامي ومن هذه الموارد
تأريخ حمزة الأصفهاني الذي استمر يذكر أسماء من ملك من آل غسان حتى انتهى بآخرهم
وهو جبلة بن الأيهم. وفي هذه الأسماء تكرار وزيادات وأنا لا أستطيع أن أوافق حمزة
على العدد المذكور وأخالفه في مدد حكمهم.وفي ترتيبهم على النحو المدون في تأريخه.
فالذين ذكرهم على أنهم ملوك لم يكن مجال حكمهم كبيرًا واسعًا وهم لم يكونوا في
الواقع إلا سادات بيوت أو سادات عشائر منشقة تمسكت باللقب القديم الموروث: لقب
ملك. وقد كان بعضهم يعاصر بعضا ويدعي الرئاسة لنفسه وذلك بسبب تخاصمهم ولهذا كثرت
أسماؤهم في قائمة حمزة. وقد انحسر مد حكمهم وانكمش فاقتصر على البوادي ولا يتعارض
ذلك بالطبع مع ورود أخبار بسكناهم في قصورهم عند أطراف المدن ومشارف القرى فإن
سادات القبائل في هذا اليوم أيضا يحكمون القبائل ويعيشون في قصور في المدن وهم لا
يحكمون المدن بالطبع.
.....................
أقول/ وهذا الحال ينطبق على ملوك الحيرة حيث أرى أن آخر ملوكها هو
المنذر بن المنذر بن النعمان صاحب يوم حليمة.
....................
أريد أن ارجع بكم إلى الحيرة/ والى زمن الملك امرؤ القيس بن عمرو
بن عدي بن نصر.
يقول صاحب المفصل/ امرؤ القيس عاصر جملة من ملوك الفرس هم: سابور
بن أردشير وهرمز بن سابور وبهرام بن هرمز وبهرام بن بهرام وبهرام بن بهرام بن
بهرام ونرسى بن بهرام بن بهرام وهرمز بن نرسى وسابور ذو الاكتاف على رواية تجدها
مدونة في تأريخ حمزة. وجعل مدة ملكه مئة واربع عشرة سنة وهي مدة تتفق مع ما ذكره
الطبري حكاية على لسان ابن الكلبي.غير اننا اذا ما قابلنا بين ما ذكره الطبري
حكاية على لسان ابن الكلبى في عدد ملوك الفرس الذين حكم امرؤ القيس في ايامهم وفي
مدة حكمه في عهد كل ملك من هؤلاء الملوك. وبين ما ذكره حمزة نجد اختلافا في العدد
واختلافا في المدة مما يدل على إن حمزة نقل من مورد آخر يختلف عن مورد الطبري.
وإذا كانت مدة حكم امرؤ القيس على نحو ما ذكره ابن الكلبي وغير ابن
الكلبي من رواة فكم تكون مدة حياة هذا الملك؟؟؟ إنهم لم يعيّنوا هذه المدة ولكنها
مدة تزيد بالطبع على هذه السنين في نظر أصحاب تلك الروايات ولم لا تطول؟ وقد ساروا
على خطة إطالة أعمار الملوك الأولين فملك يتجاوز حكمه مئة عام بسنين أمر لا بأس به
في نظر هؤلاء الرواة ؟؟ التفاتة رائعة.
غير أننا نلاحظ أنهم بخلوا على الملوك المتأخرين فلم يمنحوهم هذه
النعمة نعمة إطالة مدة الحكم أو مدة العمر فجعلوا لهم مددا مقبولة في الغالب
معقولة.
ولو عاش هؤلاء المتأخرون في زمن بعيد عن اولئك الرواة بعيد عن أيام
تدوين أخبار ملوك الحيرة لما حرمهم الإخباريون كرمهم هذا ولأعطوهم ولا شك ما أعطوه
من سبقهم من الملوك جملا من السنين.
...................
أقول/ وهذا ما ركزت عليه في تأملات في الملحمة الحسينية عندما
ذكرنا أعمار أهل البيت الذين شاركوا مع الحسين عليه السلام وفيها خرجنا بنتيجة أنهم
أصاحب أعمار أطول مما ذكروا وخصوصا مسلم بن عقيل والعباس بن علي عليهما السلام.
........................
يظن بعض الباحثين إن امرؤ القيس الذي ورد اسمه مدونا في نص
النمارة. هو ملك الحيرة. وكذلك خبر تأريخ وفاته في سنة ٣٢٨ م المقابلة لسنة ٢٢٣من
تقويم بصرى التقويم المعمول به في تلك الجهات التي قبر فيها امرؤ القيس.
ويظهر من نص النمارة إن امرأ القيس صاحب القبر كان رجلا محاربا
وقائدا كبيرا أخضع قبيلتي أسد ونزار وهزم مذحجا وأخضع معدا ووزع بنيه في القبائل
وبلغت فتوحاته أسوار نجران ويظهر انه لم يتمكن منها وانه فرض سلطانه على القبائل
الساكنة في البادية فاعترفت بسيادته عليها. ولهذا لقب في النص بلقب ملك العرب كلهم
الذي نال التاج وختمت الكتابة بجملة /فلم يبلغ ملك مبلغه/ وهي جملة تعبر عن اتساع
ملكه وامتداده مسافات شاسعة ويظهر من ورود كلمة التبع أي /التاج/ في هذا النص إن
هذه الكلمة كانت معروفة عند العرب الشماليين في ذلك الحين أي في القرن الرابع
للميلاد وانها وردت بالمعنى المفهوم منها في الزمن الحاضر أي ما يوضع على الرأس
تعبيرا عن الملك والحكم.
ويظهر من دفن امرىء القيس في موضع النمارة من بلاد الشام أن امرأ
القيس كان في بلاد الشام حينما نزل به أجله. ويرى بعض الباحثين أنه كان قد جاء إلى
بلاد الشام لأنه كان من حزب الملك الساساني بهرام الثالث ومن مؤيديه فلما وقع
الخلاف بين الفرس على العرش وانتصر نرسي الذي حكم من ٢٩٣ م الى ٣٠٣ م خرج امرؤ
القيس من العراق وقصد بلاد الشام فأقام هناك. ومال إلى الروم فأيدوه وأقروه على
عرب بلاد الشام فيكون قد عمل للفرس وللروم معا.
ونقش النمارة عبارة عن شاهد قبر يقول عند ترجمته إلى اللغة العربية
/هذا قبر امرىء القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي نال التاج. وملك الأسدين ونزارا
وملوكهم وهزم مذحجا بقوته وقاد. الظفر إلى أسوار نجران مدينة شمر. وملك معدا
واستعمل أبناءه على القبائل. ووكلهم لدى الفرس والروم فلم يبلغ ملك مبلغه في
القوة. هلك سنة ٢٢٣ حسب تقويم بصرى الذي يقابل سنة ٣٢٨م يوم ٧ بكسلول. اي كانون
الاول ليسعد الذي ولده.
يقول الدكتور جواد علي/قد استعمل المستشرقون من عبارة ذو أسر التاج
أي/ الذي نال التاج/على أن صاحب هذا التاج هو من الملوك الذين كان لهم اتصال
بالفرس وان المقصود به ملك من ملوك الحيرة لوجود صلة له بالامبراطورية الفارسية.
ودعواهم في ذلك إن هذه الجملة وكلمة /تج تاج / هما من الاصطلاحات المستعملة عند
الفرس وعند من خالطهم من الملوك فلا بد أن يكون حاملها من الملوك المحالفين لهم.
وكلمة /تاج/ من الألفاظ المعربة عن الفارسية من أصل /تاك/. ولما كان هذا ملكا
عربيا فهو اذن امرؤ القيس ملك الحيرة.
وكان من عمال سابور بن أردشير وهرمز بن سابور وبهرام ابن سابور على
فرج العرب من ربيعة ومضر وسائر مَن ببادية العراق والحجاز والجزيرة.
......
روى الطبري وابن خلدون وغيرهما ما ذكرناه اعلاه نقلا عن ابن الكلبي
والذي يتفق بوجه عام مع ما جاء في نص النمارة من أمر ملك وفتوح امرئ القيس.
اقول من هذا نفهم أن ملك المناذرة اقدم من الغساسنة وسطوتهم وملكهم
أوسع والجدير بالذكر أن بعض الأخبار تقول إن اول من تنصر على المذهب التوحيدي هو
امرؤ القيس / واحتمل ان هذا الملك العظيم كان من الداعمين للقديس اريوس .
0 تعليقات