عز الدين البغدادي
اعتقد أن وصف "سيء" أو "حسن" لسلوك ما هو أفضل
طريقة للتهرب من فهمه فهما علميا، وتقديم رؤية لإصلاحه إن كان سيئا أو تعزيزه إن
كان حسنا.
هناك من يحاول دائما أن ينتقد الشخصية العراقية، أن يبين أنها
متناقضة سيئة سلبية ومن يطرح هذا الرأي هو عادة ممن يبرر عادة قضية الاحتلال، أو
يرى لا جدوى الإصلاح، وهو من يبرز جوانب سيئة. لم أجد أحدا ممن انتقد تمزق المجتمع
العراقي حول قضية الاحتلال قدم رؤية تحليلية عن سبب الظاهرة، ولم أجد أحدا فيمن
تهجم على الناس الذين قاوموا بسرقة المال العراق قدم رؤية عن الأسباب الاجتماعية
الحقيقية لهذا السلوك. الكل يأخذ دور الواعظ الذي ينتقد ويندد دون أن يقدم رؤية
للفهم فضلا عن الحل، وهو أسلوب سهل لكنه غير نافع.
كل الأمم العظيمة تعرضت إلى نكسات وهزائم ومرت بحالات من التمزق
والهبوط الأخلاقي الاجتماعي، انظر الى فرنسا، ايطاليا، ألمانيا، اليابان، الصين، إيران،
تجد أنها مرت بهزائم مهينة تبعتها ظروف اقتصادية قاسية وتمزق اجتماعي. إلا أن عظمة
الأمة تظهر في قابيلتها للنهوض مرة أخرى، وفي تحويل الهزيمة إلى مشروع نهضة.
ما تعرض له البلد من هزيمة واحتلال سنة 2003 لم يكن أمرا غريبا
بسبب الفارق الهائل في موازين القوى وبسبب السياسات الغبية والمدمرة من النظام
السابق.
المهم ان عناصر القوة موجودة في العراق، اعتبره مجتمعا عظيما ذلك
المجتمع الذي تجاوز الفتنة الطائفية السنية الشيعية وتركها خلف ظهرها، رغم ان
المخطط كان اكبر بكثير مما حصل وكان المطلوب هو تجزئة العراق فعليا ورسميا.
عتب احد الأصدقاء وانتقد ما قلته عن العراق وأنه قلب الأمة، وقال
بان هذا كلامي إنشائي عن مجتمع فاشل ممزق يفتقر للوعي، تصور لو انك تحدثت مع طالب
وقلت له: أنت فاشل أنت كسلان لا يرجى منك خير وما إلى ذلك، كيف سيكون تأثير هذا
الكلام عليه، ليس بالضرورة ان يكون المتكلم شخصا لا يحسن الكلام، فربما يكون يقصد
فعلا تحطيم هذا الطالب وهنا يكون الأمر أكثر خطورة.. في كلام للشخصية العراقية
المعروفة إياد جمال الدين قال بان الخميني أثناء الثورة لم يترك اسما أو صفة من أسماء
الله الحسنى وصفاته إلا وصف بها الشعب الإيراني: أنت شعب عظيم، جبار، قوي، مقتدر….
وما الى ذلك. لكن عندما نصف نحن أهل العراق بوصف يستحقونه يقال بان هذا خروج عن
الموضوعية رغم ان العراقي مبدع ومنتج ويملك عقلية قوية ومتميزة.
اعتقد ان العقبة الوحيدة بيننا وبين النهضة هي عقبة الوعي، فلا
زالت مشكلة الهوية غير واضحة عند كثيرين، لا زال هناك ارتباك في المفاهيم حول
العلمانية، الدين، الدولة، رغم اني اعتقد أننا تجازنا كثيرا من تفاصيل هذه العقية
لا سيما بعد سقوط النزعات المذهبية والتقسيمية واتضاح فشلها وكذب قادتها، اعتقد ان
ما يحتاج إليه العراق ليتم الخطوة الى الضفة الأخرى هو وجود قائد يملك وعيا أولا
وقوة حضور ثانيا.
ولهذا ورغم اعتزازي بتشرين وانتمائي لها ورغم انني كنت ولا زلت
اعتقد بأنها مرحلة كبيرة وخطوة جريئة إلا أني كنت اعتقد مبكرا بأنها لن تقفز بنا
الى الجانب الآخر وذلك لغياب القائد من جهة ولأن الوعي لا زال مرتبكا. لكن مع ذلك
اليأس والحياة لا يجتمعان، وعندي إيمان بان يدي الله تعالى تحوكان لنا شيئا أفضل
لا سيما وان الموجودين في السلطة لا يملكون مشروعا قابلا للاستمرار، فلم نسمع عن
لص او قاطع طريق بقي الى آخر عمره يمارس جرائمه، ولم نسمع عن مخادع بقي يكذب على
الناس وهم يصدقونه، مشروع السلطة بطبيعته لا يملك قابلية البقاء.
بأي حال من يريد ان يعمل على نهضة بلد او امة، فعليه ان يبحث عن
نقاط القوة وينميها، وأن يقلل من حضور نقاط الضعف.
لست مفرطا بالتفاؤل، ولا اريد ان أساهم في تضخيم الذات العراقية،
لكني ارفض النقد بأسلوب "جلد الذات" واعتقد انه ليس نقدا معرفيا، بل هو
تعبير عن تشاؤم مفرط وغياب الرؤية النقدية.
0 تعليقات