عز الدين البغدادي
أمس دار نقاش اخوي في مجلس جمعنا عن الوطن والمذهب وأيهما يتقدم
على الآخر: الدين ام العقيدة؟ وتكرر نقاش هذا اليوم وأسئلة وردتني في ذكرى معركة
تحرير الفاو المجيدة في مثل هذا اليوم من سنة 1988.
وهذا الجدل كثيرا ما يثار لا سيما في الأوساط الشبابية الشيعية
بالذات، ورغم أن المسالة فيها جانب ديني عقدي وفقهي إلا أنها تثار عندنا في العراق
فقط أما في إيران فمثل هذا السؤال والإشكال لا يطرح، ولو طرحه فقيه أو متدين فسوف
يجعل نفسه موضع سخرية من جهة واستنكار من جهة أخرى.
والسبب يعود الى ان "المذهب" في إيران ارتبط منذ زمن
بعيد بمفهوم وواقع "الدولة" لا سيما منذ العهد الصفوي، أما في العراق
فان الرؤية الشيعية العلمائية ظلت تنظر الى الدولة بشكل وريبة ولهذا كانت فتاوى
عدم مالكية الدولة ومجهول المالك والمظلومية ولا شرعية الدولة قبل ظهور الإمام وما
إلى ذلك.
عموما، هناك أسئلة طرحت في النقاش منها: لو حدث خيار بين الدين
والوطن فأيهما تختار؟ لو افترضنا ان النبي (ص) قال لك اترك وطنك وهاجر منه هل
ستقدم حب الوطن والانتماء إليه أم سوف تهاجر؟ طبعا هذه الأسئلة غير منطقية لكونها
تحاول حرف القضية عن وجهتها. والحقيقة ان المسلم عندما يقع بين الوطن والدين فانه
سيختار الدين بلا شك، لكن لماذا افترض أساسا مثل هذا الفرض وأتصور نفسي مضطرا
لاحتيار احدهما؟ هل وقع فعلا مثل هذا الواقع بحيث اختار احدهما؟ والاهم ما هو
مفهوم الدين الذين أجد نفسي محتارا بينه وبين الوطن؟ هل هو رؤية الأحزاب الدينية أم
هو رأي الفقيه الذي هو في النهاية بشر يصيب ويخطئ؟ ثم لماذا افرض ان النبي (ص)
يخيرني بين الأمرين، هل النبي (ص) موجود فعلا ام ان من يخير هو الفقيه الإنسان
بمصالحه وانتمائه السياسي والقومي؟
جدل عقيم ظاهره منطقي وباطنة سفسطة سياسية تريد أن تبعد الإنسان عن
شعوره الوطني وانتمائه لأهله وأرضه، ولان الإنسان لا بد له من انتماء فانه سيقع
ضحية انتماء آخر قد يكون فيه مجرد آلة تستخدم دون أي فائدة له في دين ولا دنيا.
من يصر على وجود تعارض بين الانتماءين هو من يريد إسقاط الانتماء
للوطن لصالح الارتباط بجهات تتستر بالدين بينما مصالحها ضد مصلحة الوطن، والحقيقة
انك لست مضطرا بأي حال لان تكون بين هذين الخيارين، ولست مضطرا لاختيار احدهما،
فالدين والوطن انتماءان لا يتنافيان، بل ان الدين هو جزء من البنية الثقافية
والفكرية للوطن، لكني عندما يتعارض الوطن مع حزب يرفع شعار الدين او مع فقيه
يستعمل الدين كأداة وهو خاضع لرؤية سياسية قومية فلا خيار لنا الا ان نقدم مصلحة
الوطن.الوطن.
0 تعليقات