الغالبية الساحقة من الإعلانات التي تغمر فواصل ومفاصل ومتخللات المواد
التليفزيونية ولاسيما الأعمال الدرامية ..
ذلك السيل العارم للإعلانات التي تقدم عروض الفيلات والكومباودات والوحدات
العقارية السكنية المنتجعية المحاطة بملاعب الجولف أو تلك التي تحتضن أو تحتضنها
حمامات السباحة والحدائق الوارفة ، والمتنزهات مع تصوير نمط الحياة الفوق مترفة
داخل أركان هذه الوحدات كأحلام للبيع ..
هذه الإعلانات تصيب الإنسان البسيط القاطن في الأحشاء القديمة للمدن أو علي
أطراف الريف أو قلبه بنوع من الاغتراب المرير ، والهزيمة الاجتماعية الساحقة التي
تجعله ساخطاً حانقاً علي هذا المجتمع الذي لايجد فيه سوي الطحن والانسحاق والتهميش
الذاتي ..
هذا الإنسان الذي يمكن أن يكون شاباً أو شابة وجد أو وجدت عملاً بالكاد
لايوفر إمكانية إيجار شقة مكونة من حجرة وصالة ومطبخ وحمام وباب ينغلق بالستر علي
من بالداخل علي أطراف أي قرية أو علي أي هامش سكني ..
تخيلوا ردة فعل شاب عاطل لم يفلح في الإمساك بذيل مستقبله بعد ، أو ردة فعل
أبناء أسرة يتكومون بالكاد في شقة مكونة من حجرة أو حجرتين وصالة ..
ماالذي ستمسك به مخيلتهم ومخيلة أجيال علي تلك الأوضاع في عشرات السنوات
عندما يشاهدون ماتقدمه الإعلانات عن نماذج مباني وحدائق وملاعب الصفوة الموثرة وعن
نماذج الدعة والترف الذي تعيش فيه مقابل ماتشعر به الأغلبية من صعوبة الحصول علي
المسكن الملائم ؟
وأين ستذهب تلك الجيوش المتعاقبة من الأجيال المنهزمة إجتماعياً والتي تأتي
مثل هذه المظاهر لتنكل بمشاعرهم المحبطة وتسخر من هزائمهم اليومية علي هذا النحو
المستفز ؟
هل هناك مايقدم العون والمدد لظواهر انغماس الأجيال في الفساد والإنحطاط
والبلطجة أوالتطرف الديني والإرهاب أكثر من هذا ؟
ألم أقل لكم
أن مشكلة التطرف الديني والإرهاب وانحطاط الأذواق والأخلاق ليست محض مشكلة
ثقافية يمكن الاقتصار علي النصائح والمواعظ ومقالات التنوير الليبرالي لعلاجها؟
ألايعبر مانري ونشاهد ليل نهار هذه الأيام عن سلوك وثقافة شرائح هيمنت
اقتصادياً وطبقياً واجتماعياً للدرجة التي أصبحت تمارس فيها ثقافة الاستعلاء
والنزق الإستهلاكي الغير منضبط أو مسئول تجاه مجتمع أو وطن؟
باختصار
ألسنا إذن أمام شريحة إجتماعية تخرج لسانها الطبقي الإستعلائي البغيض لأوسع
شرائح المجتمع المحددة الدخول والموارد المالية؟
شريحة طبقية تصنع الانحطاط الوطني العام وتعمق الجروح الذاتية للملايين عبر
مايقترب من إتمام الأربعة عقود زمنية ، ثم تخرج بين حين والآخر لتتأفف من التطرف
الديني والعشوائية الأخلاقية وخلافه من ظواهر تدل علي عمق أزمة مجتمع تهيمن هي
عليه اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً ، وتعمق من أزماته وتفاقم من ظواهر
الفساد العام والإنحطاط والسلبية والتطرف ..
_____
حمدى عبد العزيز
24 إبريل 2021
0 تعليقات