علي الأصولي
شهد الواقع الشيعي في العصور المتأخرة ظاهرة المرجعية الأسرية وكأن
المرجعية الشيعية في بعض البيوتات وجدت ونشأت على أسماء الأسرة وتلاقفها السلف عن
الخلف وكل جيل يحاول إعطاء الجيل الآخر وما يرثوه من أموال وإتباع ومشاريع وبهذا
تكون المرجعية رهن بعض البيوت ولا تخرج عنها بحال من الأحوال على طريقة الوراثة.
وراثة المرجعية بل وزاد في الطين بلة وفاة مرجع ورحيله تبقى طاعة مقلديه بيد
أصهاره أو أبنائه حتى لو لم يتبؤا أحدهم موقعا علميا مرموقا بعد الاتكال على الاسم
والإرث الأسري.
بيد أن الناس كثير منهم لهم اعتقاد لا مستند له إلا مزيجا من
العاطفة والسذاجة يعتقدون بأن العلم يتوارث كما يتوارث المال بين هذه الأسر . وهذا
ما لاحظناه عند جملة من هذه الأسر ذات الإرث في الزعامة المرجعية والروحية كأسرة
آل الشيرازي وأسرة آل الاحقاقي. بل اشتهرت عند قطاعات غير قليلة من الخلايجة على
ما نقل عبارة {لا نقلد إلا من آل الأحقاقي ولو خرج قط من آل الأحقاقي لقلدناه}.
اجل: هذا الغلو في الآلات ليس سببه الناس وعاطفتهم فحسب بل له
مناشىء أخرى مثل تثقيف الناس على اوحدية هذا العالم وفردانية ذاك وكأنما لا يأتي
الزمان بمثله مع زخم ليس بالقليل والقصص الكراماتية الصحيحة منها ومن جراب النورة
(من جيب الصفحة) في أحايين أخرى، فكان الغلو هو سيد الموقف في المشهد العام لهذه
الجماعة أو تلك لهذا الفرد أو لتلك الأسرة.
ذكر الكاتب اللبناني احمد أبو زيد في كتابه(السيرة والمسيرة ج٢)
قصة تصلح لأن تكون شاهدة ومحاولة السيد باقر الصدر والتصدي لظاهرة الانتساب الأسري
وترسيخ مفهوم الآل ومفاد القصة أن السيد باقر الصدر كان ينتقد الأسريّة والمرجعيّة
الأسريّة، حتّى أنّه عند تأسيس حسينيّة آل الصدر في الكاظميّة من قبل السيّد مهدي
السيّد علي السيّد حسن الصدر طُلب من السيّد الصدر المساهمة فيها وافتتاحها فقال:
إنّه مركزٌ حسيني جيّد، ولكن لا عيب فيها إلّا اسمها
فأجابه بعض آل الصدر: لماذا هذا الانتقاد لنا؟!
آخرون كثيرون لديهم مساجد
وحسينيّات بأسمائهم، هذه حسينيّة آل فلان وآل فلان فأجاب السيّد: هذه الحسينيّات
فيما مضى، يعني في فترة الركود كانت الحسينيّة تعني المبكى، حسينيّة آل فلان يعني
مبكى آل فلان.. أمّا الآن والأمّة تتّجه إلى مرجعيّتها، فالمساجد والحسينيّات يجب
أن تتحوّل إلى مراكز قياديّة، حسينيّة آل فلان تعني قيادة آل فلان وهذا لا يصحّ،
يجب أن تكون قيادة الإسلام قيادة المرجع انتهى:
وهذه القصة لها شبيه ومحاولة السيد باقر الصدر وكف من غلولاء هذه
الظاهرة إذ ذكر السيد الحائري في تقريرات (مباحث الأصول ج١) إذ قال:كان الأستاذ
(رحمه الله) يصلّي في حسينية الشوشترية صلاة الجماعة إمامًا. فاتفق ذات يوم أنَّه
غاب عن صلاة الجماعة لعذر له، فطلب جمع من المؤمنين من السيد محمد الصدر ابن
المرحوم السيد محمد صادق الصدر أن يؤم الناس في ذلك اليوم بدلًا عن الأستاذ،
فاستجاب السيد محمد الصدر لطلب المؤمنين (وهو حفيد عم الشهيد الصدر ومن تلامذته،
وكان معروفًا بالزهد والورع والتقوى) فصلى الناس خلفه جماعة ثم اطلع أستاذنا
الشهيد (رحمه الله) على ذلك، فبان عليه الأذى ومنع السيد محمد الصدر عن أن يتكرر
منه هذا العمل.
وكان السبب في ذلك رغم علمه بأنَّ حفيد عمه أهلٌ ومحلٌ لإمامة
الجماعة انه تعارف لدى قسم من أئمة الجماعة الاستعانة في غيابهم بنائب عنهم يختار
من أقربائهم أو أصحابهم لا لنكتةٍ موضوعية بل لأنه من أقربائه أو من أصحابه فقد
حمل ما وقع من صلاة حفيد العم في نظر الناس غير المطلعين على حقيقة الأمر على هذا
الحمل، بينما لا بد من كسر هذه العادة وحصر إمامة الجماعة في إطار موضوعي صحيح
وتحت مقياس دقيق تلحظ فيه مصالح الإسلام والمسلمين زائدًا على الشرائط الأولية
الفقهية لإمامة الجماعة، فلهذا منع حفيد العم عن هذا العمل رغم علمه بتواجد
الشرائط والمصالح فيه ما دام العمل قابلًا في نظر الناس للتفسير غير الصحيح. انتهى:
اجل: إن وجد عالم أو فقيه في الأسرة الفلانية - مشايخ أو السادة -
فهذا لا يعني أن أسرته أو أفراد منها لامست أطراف الثريا وحازت على مفاتيح الغيب.
بحال من الأحوال والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات