آخر الأخبار

سد النهضة وهل تحكم الحماقة التاريخ؟

 

 


خالد مندور

 

هل إثيوبيا مستعدة للعواقب المحتملة لسلوكها؟

 

 وهل تحكم الرشادة والعقل سلوكها السياسي؟

 

 وكيف تتصرف هكذا؟

 

فهل هي مستندة على دعم دولي خفى أو معلن؟

 

وهل يوفر مثل هذا الدعم غير المعلن بعض الدول العربية؟

 

 أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات، إجابات تحتاج الى التروي والانطلاق من الوقائع الحقيقية على الأرض، إجابات لا يجب ان تستند على الانحياز الايدولوجي أو الفكري التي يمثل أحد أهم عوائق التقدير السياسي السليم فكثيرا ما تحكم الحماقة التاريخ.

 

فالتاريخ مليء بحماقات الدول والقادة، ولعلنا نحتاج إلى التذكير ببعض الحماقات الكبرى من التاريخ الإنساني القريب.

 

فلقد تواطئت الدول الغربية الكبرى مع خرق ألمانيا الهتلرية للاتفاقات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى بتقييد إعادة تسليح ألمانيا أمله أن تستخدم هذه القوى الجديدة فى مواجهة قوة الاتحاد السوفيتي الصاعدة، ثم تواطأت مع احتلال ألمانيا لتشيكوسلوفاكيا بمعاهدة هتلر تشامبرلين المخزية وكانت النتيجة هى الهجوم الألماني على الغرب أولا.

 

وأخطأت القيادة الفرنسية السياسية والعسكرية فى تبنى الأساليب العسكرية العائدة إلى الحرب العالمية الأولى والى الاعتماد على افتراض احترام ألمانيا للقواعد القانونية الدولية فيما يتعلق بحياد بلجيكا، فسقطت باريس خلال أربع عشرة يوما من الهجوم الألماني الذى تم عبر بلجيكا برغم التفوق الفرنسي في نوعية الأسلحة وبرغم تحذير المفكرين العسكريين الفرنسيين الذين لم يسمع لهم احد.

 

وأخطأت الولايات المتحدة في حرب فيتنام حين اعتقدت أن التفوق العسكري الساحق كفيل بحسم الحرب لصالحها متجاهلة لحقائق التوازنات الفعلية فى ارض المعركة وكم من قدراتها العسكرية تستطيع إدخالها ميدان القتال، وتجاهلت احتمالات المقاومة الشعبية الفيتنامية، وقبل وفوق هذا تجاهلت موقف الشعب الأمريكي نفسه من هذه الحرب، الأمر الذي أدى في النهاية الى خروج آخر مسؤول امريكى من فيتنام من فوق سطح السفارة الأمريكية المحاصرة بسايجون.

 

وأخطأت إسرائيل، في حرب 73، أخطاء إستراتيجية كبرى بسوء تقدير قوة الجيش المصري وباحتمائها خلف خط بارليف وسوء تقديرها بأنها تستطيع احتواء هجوم الجيش المصري وتحطيمه خلال أيام معدودة معتمدة على التفوق الجوي، فسقط خط بارليف خلال ست ساعات وتعرض الطيران والمدرعات الإسرائيلية لخسائر فادحة فذهبت جولدا مائير، باكية، إلى الولايات المتحدة تطلب العون.

 

ولذلك فلا يجب الانطلاق من افتراض رشادة القيادة الإثيوبية والبحث عن عناصر هذه الرشادة في تحالفات خفية شرقية وغربية وعربية لا تقف على أقدام راسخة من الحقائق على الأرض، والكثير منها يتناقض مع مجرد التفكير المنطقي السياسي السليم إذا نظرنا الى الصراعات الجارية الآن داخل منطقتنا والتحالفات السياسية الفعلية المتحققة، فيبدو الأمر أن نظرية المؤامرة قد امتدت من الحقل الرياضي إلى كافة المجالات فأعاقت حسن التقدير السياسي.

فمن المؤكد أن القيادة الإثيوبية تتحكم بها الديماغوجية الشعبوية ولا تدرك عمق التهديد الوجودي لسد النهضة لكل من مصر والسودان ولا تدرك القدرات العسكرية لكلا منهما وتقع في سوء تقدير بالغ للتوازنات الدولية واحتمالات لجوء خصومها لكل الوسائل الممكنة لتلافى التأثيرات السلبية لكل من سد النهضة وطرق أدارته.

 

فأثيوبيا لا تحتاج للمياه، فحجم الأمطار السنوية المتساقطة عليها يتجاوز عشرة أضعاف كل موارد النيلين الأبيض والأزرق وبرغم ذلك فهي تلاجج حول اتفاقيتي 1902 بينها وبريطانيا واتفاقية 1959 بين مصر والسودان، بحيث أصبح الأمر مثيرا للسخرية.

 

ومن المؤكد أن إثيوبيا تحتاج للكهرباء، فكل ما تنتجه هو 4500 ميجاوات فى بلد يبلغ تعداده 110 مليون نسمة وكلها من مصادر مائية من العديد من الأنهار التي تنبع منها، أي أن ما تنتجه يبلغ جزء من خمسة عشرة مما تنتجه مصر الآن، وحتى أن قدرة توليد سد النهضة مساوية لقدرة محطة الفحم المصرية الجاري إنشائها الآن بمصر بمنطقة البحر الأحمر.

 

كما لا يوجد بأثيوبيا شبكة مركزية لتوزيع الكهرباء، وان كانت قد بدأت في إنشائها بمساعدة صينية وتحتاج لسنوات طويلة.

 

أن هذه الأوضاع تؤكد خرافة قدرة إثيوبيا على تصدير الفائض من الكهرباء الذي لن يصبح فائضا خلال سنوات قليلة، ولعل مثال السد العالي المصري تقدم لنا مثالا باهرا لهذا الأمر، فالسد كان يمثل ما مقداره 25% من قدرة التوليد الكلية المصرية عند إتمامه وأصبح الآن يمثل اقل من 4% فقط لأغير، بدون اعتبار المحطات الكبرى الحالية تحت الإنشاء مثل محطة التوليد الخاصة بقدرة 2300 ميجاوات بالأقصر ومحطة الفحم بقدرة 6000 ميجاوات بالبحر الأحمر ومحطة التخزين بقدرة 2400 ميجاوات بالعين السخنة.

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات