بقلم : عمرو صابح
يتشابه الرئيس الباكستانى الراحل محمد ضياء الحق مع الرئيس الراحل
محمد أنور السادات فى العديد من الأمور بداية من الخلفية العسكرية ، واتباع سياسات
تقوم على دعم تيارات الإسلام السياسي، والتحالف مع الأمريكيين وتنفيذ مصالحهم
الإقليمية ، والعلاقة الوطيدة بالنظام السعودي ، و شن حرب شرسة ضد التيار اليساري
، وصولاً للبدلة العسكرية برتبة الفيلد مارشال والوشاح ، حتى النظارة التى كان
يضعها الرئيس محمد ضياء الحق تشبه نظارة الرئيس السادات ، كما كانت نهاية الرجلين
مأساوية ومخضبة بالدماء.
السادات عمل على تفكيك تركة سلفه جمال عبد الناصر ومشروعه الوطنى
عبر اغتيال شخصيته وتبديد منجزاته ومخالفة خطه السياسي والاقتصادي، وضياء الحق قاد
انقلابا دمويا ضد الزعيم الوطنى ذو الفقار على بوتو فى 5 يوليو 1977 ثم قام بإعدام
بوتو فى 4 أبريل 1979.
لعب السادات وضياء الحق دوراً محورياً فى دعم المقاتلين الأفغان ضد
الاحتلال السوفيتى لأفغانستان.
لم تساعد الظروف الرئيس السادات على استكمال مشروعه لأسلمة مصر
وفقاً للكتالوج الأمريكي السعودي ، فبعد توقيع السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل
واندلاع الثورة الإيرانية فى عام 1979 وما تبعها من سقوط عرش شاه إيران ، ازدادت
مطامع الإسلاميين فى مصر ، فلم يعودوا مكترثين باستمرار تحالفهم مع نظام السادات ،
بل بدأوا التفكير فى إزاحة السادات عن عرشه عبر ثورة إسلامية فى مصر على نمط ما
قام به الملالي فى إيران ضد الشاه ، فتصاعدت صراعاتهم مع نظام السادات حتى انتهت
باغتيال الرئيس السادات فى 6 أكتوبر 1981 على يد تنظيم إسلامي مسلح.
فى باكستان ساعدت الظروف ضياء الحق على أسلمة الحياة السياسية
والاقتصادية والتعليمية والقانونية في باكستان حيث أجرى ضياء الحق تغييرات في النظام
التشريعي ،وتم إنشاء محاكم شرعية للنظر في القضايا بموجب الشريعة الإسلامية ، فتم
تطبيق بعض الحدود في قضايا السرقة والقتل والزنا كالجلد والرجم ،كما تم حظر شرب
وبيع الخمر من المسلمين في باكستان وعلى عقوبة السجن من ستة أشهر أو غرامة واعتبر
سب الصحابة والدين من الجرائم التي يعاقب عليها القانون.
وفرض ضياء الحق إلزاميا على الموظفين المدنيين تأدية الصلاة خمس
مرات في اليوم وقد تضمنت التقارير السرية عن موظفي الحكومة قسما يتم فيه تسجيل
نقاط لتأدية الصلاة بشكل دائم والمعرفة الجيدة للإسلام ، كما غير ضياء الحق النظام
التعليمي فجرت مراجعة للكتب المدرسية لضمان نقاءها الأيديولوجي وتم حذف النظريات
العلمية و إزالة الكتب المخالفة للتعاليم الإسلامية من المناهج ومكتبات الجامعات.
كان قرار ضياء الحق بدخول الجيش الباكستاني كداعم للمقاتلين فى
أفغانستان ضد السوفيت بالتنسيق مع الأمريكيين وبدعم من السعودية له تأثير بارز في
تغلغل أفكار الإسلام السياسي داخل جيش باكستان الذي احتك ضباطه بهؤلاء المقاتلين
الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لدعم إخوانهم في تلك المناطق ، كما
رحب ضياء الحق خلال فترة حكمه بزيارات قادة تنظيم الإخوان المسلمين لباكستان كما
فتح لهم المجال لنشر أفكارهم فى المجتمع الباكستاني.
يعتبر ضياء الحق واحد من رعاة أسامه بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة
فلولا الدعم الباكستانى والأمريكى لأسامه بن لادن خلال حرب أفغانستان لما انهزم
السوفيت ، كانت هزيمة السوفيت وسيطرة المقاتلين العرب والأفغان على أفغانستان هى
الخطوة الأولى لتأسيس تنظيم القاعدة.
يرى الكثير من المحللين السياسيين أن ضياء الحق كان مجبراً على
تبنى الإسلام السياسي المتشدد لحكم باكستان ، فقد نشأت دولة باكستان بعد انفصال
مسلمي الهند في دولة مستقلة لهم ، فالدين هو سبب قيامها وأساس وحدتها ، و لكن قادة
باكستان بعد الاستقلال حكموها بمنهج علماني وخلال حكمهم حدث انفصال أهل البنغال
وتأسيس دولة بنجلاديش ، كما جرت العديد من النزعات العرقية بين البنجاب و السند و
البلوش و الباشتون رغم انهم جميعاً من المسلمين ، وجاءت الهزيمة المذلة لباكستان
فى حربها ضد الهند فى عام 1971 لكى تضع البلاد فى مأزق حرج لذا فقد كان انقلاب
ضياء الحق فى عام 1977 ومشروعه لأسلمة باكستان هو الحل من وجهة نظره لبناء وتوحيد
الدولة فى إطار ديني جامع لكل الأعراق فى باكستان.
اهتم محمد ضياء الحق اهتماماً بالغاً بالبرنامج النووي الباكستاني
والذى بدأ قبل حكمه ، وسعى جاهداً لتحقيق توازن القوى النووي بين باكستان والهند
جارتها المعادية ، بينما لم يهتم الرئيس السادات بالمشروع النووي المصري الذى بدأ
فى عهد جمال عبد الناصر وشهد تعاوناً ملحوظاً بين مصر والهند فى مرحلة ما قبل 1967
ثم بين مصر والصين فى مرحلة ما بعد 1967 ، ولم يأبه السادات بما كان مثاراً خلال
عهده من إمتلاك إسرائيل للقنبلة الذرية ، وخلال عهده سافر معظم علماء الذرة
المصريين إلى الخارج ، ولكن السادات سعى للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية
بعد حرب 1973 من أجل إنشاء 8 محطات نووية تغطى احتياجات مصر المستقبلية من الطاقة
ولكن المشروع لم يكتمل ، وفى عام 1980 رفض السادات التوقيع على معاهدة حظر انتشار
الأسلحة النووية.
في ستينيات القرن العشرين، إثر ظهور مؤشرات على اقتراب الهند من
امتلاك سلاح نووي، قال الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو:
"إذا صنعت الهند القنبلة، فستأكل باكستان العشب وأوراق الشجر،
بل ستجوع، لكننا سنحصل على واحدة تكون ملكنا".
وبعد هزيمة باكستان عسكرياً أمام الهند عام 1971، وانفصال شرق
باكستان واستقلاله، باسم دولة بنجلاديش، أصبح البرنامج النووى الباكستاني ضروروة قصوى
خاصة بعد إجراء الهند لأول اختبار نووي فى عام 1974.
في أغسطس 1974، وجّه العالم النووى الباكستاني عبد القدير خان-
الذى كان يعيش ويعمل فى هولندا- رسالة إلى ذو الفقار علي بوتو، يشرح فيها خططه
لإنتاج السلاح النووي.
أبدى بوتو اهتماماً بالغاً وطلب من السفارة الباكستانية في هولندا
الاتصال بعبد القديرخان ومطالبته بالعودة لباكستان على الفور من أجل البدء فى
مشروع إنتاج السلاح النووي الباكستاني.
في خريف عام 1974 كان عبد القدير خان ينسخ سراً تصاميم لأجهزة
الطرد المركزي، ويجمع قائمة بالشركات التي يمكن أن تزوّد باكستان بالتكنولوجيا
اللازمة لإنتاج يورانيوم مرتفع التخصيب ،ولم تمضِ سنوات قليلة حتى بدأت عمليات
تجميع الوقود الضروري للأسلحة النووية، من يورانيوم وبلوتونيوم مخصّب.
استمر المشروع النووي الباكستاني بعد إعدام ذو الفقار على بوتو.
كان ضياء الحق قلقاً من سعي الهند إلى امتلاك قنبلة نووية قبل
باكستان لذا فقد اهتم بتسريع وتيرة المشروع النووى الباكستانى مستغلاً احتياج
الأمريكيين له فى حربهم ضد السوفيت فى أفغانستان.
في عام 1987 قال ضياء الحق : ان بلاده قريبة جدا من صنع سلاح نووي .
وفى عام 1988 قرر ضياء الحق البدء فى تخصيب اليورانيوم من أجل
إنتاج أول قنبلة نووية باكستانية ، ولكن لسوء حظه كانت الهزيمة بالجيش السوفيتى قد
حلت فى أفغانستان وأصبح إعلانها مجرد مسألة وقت ، وبهذا انتفت حاجة الأمريكيين
لدعم ضياء الحق ونظام حكمه ، طلب الأمريكيون من ضياء الحق إيقاف برنامجه النووي
ولكنه رفض ، وخوفاً من أن يتم اغتياله ، قرر ضياء الحق اصطحاب السفير الأمريكي
بباكستان أرنولد رافيل فى كل جولاته .
فى يوم 17 أغسطس 1988 استقل ضياء الحق والسفير الأمريكي بباكستان
ومجموعة من قادة الجيش الباكستانى طائرة عسكرية من أجل معاينة شحنة دبابات أمريكية
، أرسلها البنتاجون للجيش الباكستانى ، وما إن أقلعت الطائرة، حتى سقطت محترقة
بعدما انفجرت قنبلة مزروعة بداخلها ومات كل ركابها محترقين.
كان الجنرال محمد ضياء الحق من عشاق فاكهة المانجو وقبيل اقلاعه
بالطائرة سلمه دبلوماسي أمريكي صندوق يحتوى على ثمار المانجو التى تم وضع القنبلة
بها.
كان ضياء الحق يظن أن وجود السفير الأمريكي بصحبته سيمنع اغتياله ،
ولكن الحكومة الأمريكية كعادتها فى التعامل مع من خدموها بعد انتهاء حاجتها لهم ،
لم تكن لتأبه بوجود سفيرها مع ضياء الحق لو أن هذا سيعوق عملية التخلص من الجنرال
الذى انتهت صلاحيته وخدماته للأمريكيين.
فى 17 مايو 1998 بدأت الهند اختبار لست قنابل نووية استمر لمدة 3
أيام ، وردت باكستان فوراً باختبارات مماثلة، فجرت خلالها خمس قنابل نووية في يوم
واحد ، وسادسة بعد 3 أيام، لتدخل الدولتان رسمياً إلى النادي النووي ، وليبقى
توازن القوة قائماً بين الجارين اللدودين.
-------
- المراجع:
- "باكستان :الدولة والمجتمع والإسلام": نوبار هوفسبيان
، مؤسسة الأبحاث العربية.
- "جبهة باكستان .. الصراع مع الإسلام المسلح" : تأليف
:زاهد حسين ، ترجمة مروان سعد الدين ، الدار العربية للعلوم.
- "ضياء الحق... مسيرة مختلف عليها" : حسن الرشيدي.
- الموساد واغتيال المشد : عادل حمودة.
- مذكرات سامي شرف.
0 تعليقات