الدكور جواد كاظم نصر الله
لقد تناول الباحثون قديماً وحديثاً دراسة السيرة النبوية من أوجه
متعددة، لما لها من معطيات على مختلف الأصعدة، ومع ذلك ما زال الكثير من جوانب هذه
السيرة العطرة بحاجة لمزيد من الدراسة والتحليل، ومن بين تلك الجوانب؛ ما تناقلته الروايات
عن نشأة النبي (ص) في ديار بني سعد التي استغرقت السنوات (4ـ6) الأولى من عمره
الشريف.
لكن لماذا تربى النبي (ص) في ديار بني سعد؟
وكيف قضى تلك السنوات هناك؟
ما الأحداث الهامة التي وقعت له (ص) في تلك الديار؟
مالذي أكتسبه من وجوده في
تلك الديار؟
متى عاد (ص) لمكة؟
وما هي أسباب عودته؟.
ذكرت بعض الروايات
التاريخية إن النبي (ص) تربى في ديار بني سعد لغرض إرضاعه، فبعد ولادته الشريفة
يتيم الأب، تكفل جده عبد المطلب برعايته، وبعد أن أرضعته أمه لمدة محدودة لا
تتجاوز (7) أو (9) أيام، أو سبعة أشهر، نجده قد أرضع من قبل امرأتين الأولى من
مكة، والأخرى من بني سعد.
إلا أن الروايات لم توضح السبب الذي دعا أم النبي آمنة بنت وهب
لعدم الاستمرار في إرضاع وليدها الوحيد، إذ اقتصرت على المدة المذكورة أعلاه!
فلقد تولت إرضاع النبي (ص)
بعد أمه امرأة تدعى ثويبة لأيام قلائل، إلا إن الروايات
لم تبين السبب الذي من أجله أرضعته بدل أمه؟
وكيف تم اختيارها مرضعة؟
ثم من هي هذه المرضعة؟
اكتفى ابن قتيبة بالقول أنها امرأة من مكة، فيما أشار آخرون أنها
مولاة لأبي لهب بن عبد المطلب عم النبي (ص)، وكان قد ولد لها ولد أسمه مسروح،
وبلبن هذا الولد أرضعت ثويبة كلاً من الحمزة بن عبد المطلب، والنبي محمد (ص)، وأبا
سلمة بن عبد الأسد، وجعفر بن أبي طالب.
لكن ما المكانة الاجتماعية لثويبة؟ هي مولاة لأبي لهب!
إلا انه لم يتضح هل هذا الولاء يعود إليها أم لأبيها أم لزوجها؟
وهل هو ولاء عبودية أم ولاء حلف؟ فضلا عن ذلك هي مجهولة الأب
والقبيلة؟ ولا يعرف من هو زوجها الذي ولدت له مسروح؟
ومسروح هذا أيضا مجهول الحال والمصير؟
إذ اكتفى ابن حجر في ترجمته بالقول: " مسروح ولد ثويبة التي
أرضعت النبي (ص). ثم كيف تسنى لثويبة إرضاع أولئك الأربعة وهم متباينون في
أعمارهم!
فالحمزة أكبر من النبي (ص) بأربع سنين، والنبي أكبر من جعفر بعشرين
سنة!
ولم يتسن معرفة متى ولد
أبو سلمة والظاهر انه اصغر من النبي (ص) لان الرواية تشير إن ثويبة أرضعته بعد
النبي (ص)؟ ثم لماذا انفردت ثويبة بإرضاع رجالات بني هاشم؟
هل تميزت بخصوصية ما؟
إن الغموض يكتنف سيرة ثويبة!
فما هو موقفها من الدعوة الإسلامية، فهل أسلمت؟
هل هاجرت إلى المدينة؟ فهذا موضع خلاف بين المؤرخين؟
يشير ابن سعد وابن الأثير إنها كانت تأتي النبي (ص) في مكة قبل
الهجرة فيكرمها وتكرمها خديجة، وهي مملوكة لأبي لهب، ثم أن خديجة طلبت من أبي لهب
أن يبيعها إياها لتعتقها فأبى، لكنه اعتقها بعد الهجرة، فكان النبي (ص) يبعث إليها
بالصلة، إلى أن بلغه خبر وفاتها منصرفه من خيبر، فسأل عن ابنها مسروح، فقيل له أنه
توفي قبلها، فسأل هل لها من قرابة؟ فقيل لم يبق لها أحد.
إذن يتضح مما ذكر أعلاه أنها لم تسلم ولم تهاجر. وهذا ما ذهب إليه
ابن الجوزي بقوله: ( ولا نعلم أحدا ذكر أنها أسلمت غير ما حكى أبو نعيم الأصفهاني
إن بعض العلماء قال: قد اختلف في إسلامها)، وقال المحب الطبري: (( لم أظفر بذكر
ثويبة وابنها ولعلهما لم يسلما)، أما القرطبي فقال: ( لم يقل أحد بها ولا هي أسلمت
على المشهور)، في حين قال ابن حجر: " أختلف في إسلامها، وقال أبو نعيم: لا
أعلم أحدا أثبت إسلامها".
وأضاف: وفي باب إرضاع النبي (ص) من طبقات ابن سعد ما يدل على أنها
لم تسلم". إن معرفة إن من بين رواة الروايات التي تحدثت عن ثويبة هو الراوي
القاسم بن العباس اللهبي، وهو من أحفاد أبي لهب سيفسر لنا الكثير مما ورد أعلاه !
وبعد ثويبة انتقلت رضاعة النبي (ص) إلى امرأة من بني سعد تسمى
حليمة السعدية، التي أشارت الروايات أنها أرضعته سنتين، وبقي في ديار بني سعد لعدة
سنوات، إلا إن الروايات قد تباينت في بيان كيفية أخذها للنبي (ص): وأشهرها إن
حليمة قدمت مكة مع النسوة لالتماس الرضائع .
وللحديث بقيه
0 تعليقات