نصر القفاص
مضطر إلى التنويه بأن كل ما سيرد شرحه أو توضيحه, لا علاقة له بما
يحدث فى مصر.. وإذا كان كل ما سأعرضه هو حقائق ووقائع, فأرجوك اعتبرها للتسلية لكل
من كانت لديه رغبة فى الاستمتاع بوقته!!
يروى "نيكولاس شاكسون" قصة زيارة قام بها إلى
"الجابون" بحثا عن أحد خيوط كتابه "مافيا إخفاء الأموال
المنهوبة" فيقول: "خلال لقاء لى مع وزير النفط.. ضرب الرجل كفه بمودة
على كتفى.. وعرض على امتلاك بئر نفط.. ثم استدرك.. هذه الأشياء لكبار القوم -
المهمين - فقط"!! ويعترف المؤلف بأن مهمته فى "الجابون" فشلت, لأن
فهم الحقيقة وتفاصيلها.. هناك.. فى باريس!!
الحكاية عنوانها "عمر بونجو" رئيس "الجابون"
التى حصلت على استقلالها من الاستعمار الفرنسى عام 1960.. ركزت "باريس"
بحثتها عن رئيس لهذه البلاد الغنية بالنفط, ووجدت ضالتها فى شاب عمره 32 سنة
فدعمته وساندته حتى استولى على السلطة عام 1967.. واستمر حاكما لمدة 40 عاما حتى
عام 2009.. كانت "فرنسا" هى ضامن استمراره واستقراره فى السلطة.. وهنا
يقول صحفى فرنسى: "خرجت فرنسا من الباب, وعادت من الشباك الذى هو عمر
بونجو"!! فقد منح الرئيس الجابونى إمتيازات مذهلة وحصرية للشركات الفرنسية
لكى تسيطر على صناعة النفط والتعدين.. وجعل بلاده بوابة تخرج منها "الأموال
القذرة" إلى بنوك "سويسرا" و"لوكسمبورج" لتتكسب نخب
فرنسية ورجال مال عشرات الملايين من الدولارات.. وحين أصبح "فرانسوا
ميتران" رئيسا لفرنسا حاول تصحيح هذه الأوضاع, لأنه اكتشف علاقة "بوابات
الأموال القذرة" بأحزاب اليمين.. أراد باعتباره اشتراكى قلب الطاولة.. إكتشف
أن "جاك شيراك" و"شارل باسكو" زعيما اليمين سيحولان الملف إلى
معركة تكون خسائرها فادحة.. إضطر إلى ما يسمى "بالموائمة" وقبل الشراكة
فى "الأموال القذرة" القادمة من "الجابون" خاصة وأن مناجم
النفط والتعدين, تمكنهم من دفع رشاوى فى "فنزويلا" و"المانيا"
و"جيرسى" وهنا يجب أن أرجوك.. ضع خطوطا تحت اسم "جيرسى" هذه,
و"تايوان".. وهذه الأموال قالوا عنها, أنه يتم استخدامها فى تزييت عجلات
الدبلوماسية السياسية والتجارية الفرنسية!!
مازال مؤلف كتاب "مافيا إخفاء الأموال المنهوبة" يروى
حكاياته المسلية.. فيقول: "تزامنت رحلتى إلى الجابون فى نهاية عام 1997, مع
وقائع مهمة حدثت فى باريس.. كانت بطلتها كريستين ووفيير وهى عارضة أزياء ملابس
داخلية نسائية سابقا.. تمت محاكمتها بتهمة التدليس, لتقاضيها ستة ملايين دولار
مقابل قيامها بإقناع رولان دوماس وزير الخارجية فى حكم ميتران.. بأن يسهل بيع
زوارق صواريخ من طراز تومسون لتايوان.. وكان معروفا عنه رفض هذه الصفقة.. ولكى
تنفذ مهمتها إشترت له زوج أحذية - بوت - من أشهر المتاجر الفرنسية المعروف عنها
تقديمها مصنوعات جلدية يدوية.. لدرجة أن صاحب المحل يعرض غسل أحذية عملائه
بالشمبانيا كل عام!! ورفضت كريستين البوح أو تقديم اعترافات تكشف عشيقها - نسميه
تأدبا عندنا صديقها - فصدر ضدها حكما بالسجن لمدة خمسة أشهر ونصف.. كان يشغلها فى
السجن أن أحدا لم يسأل عنها أو فيها.. حتى رولان دوماس نفسه!! وخرجت بعد سجنها
لتعيش فى صمت لمدة عام.. ثم فاجأت الرأى العام بكتاب عنوانه الجمهورية العاهرة
ليحقق أفضل مبيعات فى فرنسا!! وتحت العنوان نفسه كتب أكثر من صحفى وصحفية مقالات,
تناولوا فيها ما تضمنه الكتاب".
مع نشر كتاب "الجمهورية العاهرة" ظهر الحديث عن
"أوف شور"!
عرفنا فى مصر بعضا من الحكايات الغامضة.. معلومات مبتورة.. عن
"أوف شور" بعد ما حدث فى "25 يناير 2011" التى يسميها الدستور
عندنا "ثورة" وارتبطت معرفتنا بحكاية "أوف شور" وقت أن كنا
نبحث عن "أموال مصر المنهوبة" والتى غادرت البلاد إلى ما يسميه خبراء
الاقتصاد "الملاذات الآمنة"!!
قلة قليلة تعرف أو تفهم حكاية "أوف شور" ومثلهم قد يعرف
ويفهم معنى "الملاذات الآمنة" وكل من يعرف الحكاية والمعنى.. ستجدهم
يحدثونك عنها بكلام يضاعف من حالة الغموض.. وبعضهم يملك حرفية المرور عليها, بما
يجعلك لا تحاول الفهم.. هؤلاء هم الذين لا يكفون عن الحديث عن
"الاستثمار" باعتباره بوابة "على بابا" التى لو قلنا لها
"إفتح يا سمسم" سنجد الذهب والياقوت والمرجان.. وقد نجد السمن والعسل..
فهذا "الاستثمار" الذى يحدثك عنه خبراء الاقتصاد, هو نفسه "الاستحمار"
بالمعنى الحقيقى للكلمة!! لأن "الاستثمار" يفرض عليك أن تفهم "أوف
شور" وكذلك "الملاذات الآمنة" وإذا فهمت ستستلقى على قفاك من
الضحك!!
عالم "أوف شور" يصنع مليارديرا فى سنوات قليلة.. يمكن أن
تكون مليارديرا فى هذا العالم خلال شهور - أيضا -!! ويجب أن تصدق حقيقة تحتمل
مناقشة, لكنها لا تحتمل نفيا أو تكذيبا.. وهى أن "أوف شور" يصنع
"مصاصى دماء الشعوب" ويقدمهم لك يرتدون أخر الثياب!! يركبون أحدث السيارات..
يحيطون أنفسهم بالفاتنات ولا مانع من الداعرات!! لدرجة أن أحدهم واسمه "برنى
كورنفيلد" حقق ثراء فاحشا, وقال عن نفسه: "إمتلكت قصورا.. إشتريت
يخوتا.. صادقت نجمات هوليوود وداعراتها.. وأقمت حفلات مسرفة.. وكنت أعيش وسط عشر
فتيات فى وقت واحد"!! وكل هذا حدث تحت شعار "هل تود مخلصا أن تصبح
ثريا؟!" وهذا العنوان نفسه الذى حمله كتاب صدر فى أوروبا تناول تفاصيل هذا
"التهتك الاستثمارى"!
لنا أن نعرف عن "أوف شور" أنه نظام عرفه العالم قبل
خمسمائة عام.. لكنه فى المائة عام الأخيرة, رفع القناع عن وجهه.. ثم أصبحت الدولة
العظمى - الولايات المتحدة - ترعاه, وتقاسمها رعايته "بريطانيا"
و"فرنسا" و"الصين" وهذا جعله يستعرض مفاتنه عاريا!! ولك أن
تحفظ بعض أهم الجزر التى تحتضن "أوف شور" وهى جزر
"الكايمان".. دعك من أنك لم تسمع عنها من قبل.. لكن كل ملياردير على وجه
الأرض يعرفها.. وعدد لا بأس به من كبار المليونيرات يعرفونها.. كما يعرفون
"جيرسى" تلك التى دعوتك أن تضع تحت اسمها خطوطا.. وكذلك جزر
"البهاما" وهناك "ملاذات آمنة" أخرى.
عفوا.. إذا تحدثنا عن "أوف شور" ستحضر "ملاذات
آمنة" فورا!!
ضمن "الملاذات الآمنة" ستجد "هونج كونج" ولا
مانع من ذكر "موريشيوس" فى إفريقيا.. ولا تندهش إذا قلت لك أن
"الصومال" حاولت!! ولم لا.. إذا كانت ولاية "ديلاور" فى
الولايات المتحدة حملت الراية, بعد أن رفعتها "لندن"!!
وقبل أن يصيبك الدوار أو الملل.. أو أن تسألنى.. عايز تقول إيه؟!
هنا سأنصحك بالانصراف عن القراءة.. فالقادم مذهل ومثير.. فهذا عالم
ستكتشف خلاله سر أولئك الذين يحدثونك عن أن مزايا النمو الاقتصادى لم تصل إلى
الشعب.. كنا نسمع قبل "25 يناير" التى يسميها الدستور "ثورة"
من "يوسف بطرس غالى" و"رشيد محمد رشيد" أن "ثمار التنمية
لم تهبط إلى أسفل"!! يقصدون لم يستفد منها الشعب.. ومازالت ثمار التنمية لم
تهبط لأسفل!! وسمعنا فى "زمن مبارك" عن "بيع الديون" وعادت
الجملة ذاتها تتردد على آذاننا مرة أخرى.. وكل الذين يقولون هذا الكلام يؤمنون
بقانون يقول: "إذا لم تستطع كسب المال.. بإمكانك اقتراضه"!! والذين
يدقون "ناقوس الخطر" من "عفريت أوف شور" يقولون: "أوف
شور ليس مكان.. ليس فكرة أو أسلوب عمل.. وليس سلاح لصناعة المال.. إنه سباق إلى
القاع, حيث يتم تفكيك اللوائح والقوانين والديمقراطية بعد الحط من شأنها, وإضعافها
يوما بعد الآخر.. كل هذا لتحقيق ما يطلقون عليه التحرير الاقتصادي.. وعندنا اسم
الدلع له الإصلاح الاقتصادي"!!
بدأت الحكاية من "الجابون" وكانت سببا فى أن ينشغل
العالم بما يحدث فى عالم "أوف شور" الذى يقوم على السرية والتكتم..
وكلما انفجرت فضيحة دولية, نجده مع "الملاذات الآمنة" أمامنا.. يقول
"ديفيد سبنسر" وهو محامى أمريكى: "التكتم على الفساد فى إفريقيا
ترعاه الولايات المتحدة بعروض سرية - أوف شور - وحوافز ضريبية لاجتذاب الأموال
التى أصبحت تتدفق عليها كالفيضان!! وأذكر أننى تحدثت فى هذا الأمر مرة خلال مناسبة
للأمم المتحدة.. بعدها وجدت أحد كبار المسئولين فى أمريكا يقترب منى, ويقول لى أن
تناولك لهذا الملف وإلقاء الضوء عليه يجعل منك خائنا لوطنك"!!
"أوف شور" هو عالم يربط بين السلطة و"مصاصى دماء
الشعوب"!!
إياك أن تعتقد أن هذا سبا أو قذفا.. لا يجب أن تتصور أننى أتناول
أمرا سريا.. ففى عواصم الدنيا التى تنهب الدول النامية, يجرى تناول الموضوع علانية..
إتفاقا أو اختلافا.. لا يكفون عن إزالة أسرار خطيرة, وفضائح مدوية.. لدرجة أن
زعماء العالم أعلنوا عامى 2008 و2009.. أعوام شجب "الملاذات الآمنة"
وطالبوا بضرورة تقويض نظام "أوف شور".. لكن ما حدث بعد ذلك, أن هذا
النظام لقى - ومازال - الرعاية الكاملة التى تجعله يتمتع بموفور الصحة و العافية!!
نسيت أن أقول لك أن "الملاذات الآمنة" تعنى التهرب من
الضرائب.. تعنى إخفاء مصدر ثروتك.. تغسل لك أموالك القذرة.. لا يهم إن كسبتها من
نهب دولة أو تجارة فى مخدرات.. لا يعنيهم أن تتاجر فى البشر أو تدمر شعوبا, ثم
تتصدق عليهم!! المهم أن تأتى بأموالك "أوف شور" إلى الولايات المتحدة
وبريطانيا وفرنسا والصين وهولندا وسنغافورة.. كل ذلك يحدث برعاية "البنك
الدولى" و"صندوق النقد الدولى" اللذان يساعدان الدول الفقيرة
والنامية على الإصلاح الاقتصادى بعد نهب ثرواتها!
من هنا نبدأ حكاية "أوف شور" وأتمنى أن تكون "قصة
مسلية"!!..
يتبع
0 تعليقات