آخر الأخبار

فرنسا "الجمهورية العاهرة"!!

 


 

نصر القفاص

 

 

يحدثك "رجال المال" الذين ينتحلون صفة "رجال الأعمال" عما يسمونه بالاستثمار.. وهو فى حقيقته "إستحمار" بمعنى الكلمة.. وهؤلاء يمثلون مخالب قط مسعور إسمه "الاستعمار"!! إياك أن تعتقد أننى صاحب هذه الرؤية.. لا تندهش إذا قلت لك أنها رؤية "كينز" أحد أهم رجال الاقتصاد فى القرن العشرين.. هو بريطانى الجنسية.. أمريكى الهوى.. يكرهه "مصاصو دماء الشعوب" ويحترمه الذين يعتنقون الرأسمالية الصناعية.. لذلك قالوا عنه أنه حاول تجديد الرأسمالية قبل أن تنتحر ويتم دفنها!!

 

أدرك "كينز" أن "رجال المال" خطر على أى مجتمع.. كشف آلاعيبهم التى يتهربون بها من الضرائب, بتكوين شركات أجنبية قابضة.. أنظر حولك ستجد أن "رجال المال" يمارسون هذا السلوك المنحط!! لذلك يتفق علماء الاقتصاد على أن "الاستثمار" الحقيقى يكون فى الصناعة والزراعة, باعتبارهما قادران على إنتاج مجتمع أكثر ثراء.. وغير ذلك فهو ليس "استثمار" لكنه "استحمار"!! وبناء على تلك الرؤية قال "كينز" بوضوح: "إن الرأسمالية المتفسخة سواء كانت دولية أو فردية, لا تحقق نجاحا.. لأنها نظام لا يتسم بالذكاء ولا الجمال أو العدل والفضيلة.. كما أنه لا يحقق سوى ما يجعلك تكرهه وتحتقره"!!

 

هكذا فهمت واقتبست من كتاب "مافيا إخفاء الأموال المنهوبة" للمؤلف "نيكولاس شاكسون" وترجمته للعربية المبدعة د."فاطمة نصر" وتم نشر الكتاب خلال فترة "حمى 25 يناير" ويسميها الدستور "ثورة"!! والحقيقة أننى ما إن بدأت فى قراءة الكتاب, حتى طار النوم من عينى.. فقد عشت الإثارة والفهم والفزع, فى الوقت نفسه.. إستعنت بالصديق "إيهاب سمرة" لفهم بعض ما خفى عنى.. أضاف إلى فزعى حالة وجوم مذهلة.. عدت للكتاب أملا فى أن تشغلنى القراءة والبحث عن المعرفة.. أعترف أننى فشلت تماما.

 

كنت قد قرأت كتاب "الاغتيال الاقتصادى" لمؤلف أطلق على نفسه "قرصان اقتصادى" واسمه "جون باركنز" وتهربت من رجاء الصديق "محمد بدير" بأن أحاول عرضه وتبسيطه للقراء, لعل قومى يدركون ما يدور حولنا من مؤسسات دولية ذات أسماء براقة.. مخيفة.. مثل "البنك الدولى" و"صندوق النقد الدولى" لكننى كنت أتمهل خوفا على من يقرأ.. وخوفا على نفسى.. فأما من يقرأ فسيصاب بحالة فزع.. أما نفسى فقد تتعرض للسفهاء والجهلة, الذين لا يكفون عن الطبل والزمر فى الأفراح والمآتم!! ولأن الكتابين يسهل فهمهما, عكس طبيعة كتب الاقتصاد.. وعكس أساليب رجال الاقتصاد, الذين يطلقون على أنفسهم خبراء.. ويطلق عليهم "كينز" لفظ "حواه"!!

 

أهم ما يحدثنا به هذا الكتاب وذاك.. هو أننا سلمنا أنفسنا لأخطر دوامة يمكن أن يدخلها مجتمع.. تلك الدوامة من مظاهرها فرض الضرائب إلى حد الجلد للفقراء والطبقة التى تتجه بسرعة نحو الفقر, وكان اسمها "الطبقة الوسطى" ويزداد غنى الأثرياء بصورة "فاحشة" كما نشاهد ونتابع مذهولين.. ومن يقرأ سيكتشف أن التسول باسم الفقراء, يمثل أهم مظاهر المجتمع الذى يتحكم فيه "رجال المال" بممارسة "الاستحمار" ويخدعوننا بالقول أنه "استثمار"!!

 

فى كتاب "الاغتيال الاقتصادى" ستقرأ تجربة واحد من أكبر وأهم خبراء "البنك الدولى" وهو يشرح اقتران القروض بالفساد.. ويقدم نماذج لرؤساء مرتشين وفسدة بالاسم والتفاصيل.. وكذلك تعرف من كتاب "مافيا إخفاء الأموال المنهوبة" والذى سرد حكاية دولة "الجابون" ورئيسها "عمر بونجو" الذى حكم من عام 1967 حتى عام 2009 وكانت عواصم الغرب كلها تدعمه وتحميه لأنه مكنهم من رقبة وثروات بلاده.. لدرجة أن أحد الصحفيين الفرنسيين وصف حالة "الجابون" بقوله: "لقد رحل الفرنسيون من الباب الأمامى, وتسللوا عائدين من الباب الخلفى عن طريق رئيس ورجال مال"!! وذلك جعل صحفية فرنسية أخرى تصف بلادها بأنها "الجمهورية العاهرة"!! وقالت ذلك تعليقا على أن "ساركوزى" بعد أن أصبح رئيسا لفرنسا عام 2007 إختار أن يكون أول اتصال هاتفى له مع الرئيس "عمر بونجو" وأعربت عن دهشتها بأن رئيس بلادها لم يتصل بالرئيس الأمريكى أو المستشارة الالمانية أو رئيس الوزراء البريطانى.. ولعلنا نعلم مصير "ساركوزى" حاليا.. ولمن لا يعلم فهو يتنقل بين المحاكم وتصدر ضده أحكام واحد بعد الآخر!!

 

فى مجتمع يمسك فيه برقبة الإعلام "رجال الإعلان" لن تجد مناقشة لتلك القضايا.. لا توجد جريدة تقدر على عرض كتب ذات قيمة.. لن تشاهد مسلسل أو فيلم يتناول فساد "رجال المال" كما كنا نشاهد من قبل, مثل "إنتبهوا أيها السادة" الذى قدم لنا "زبال" أصبح "رجل مال".. أو"أهل القمة" و"سواق الأتوبيس".. وهى أفلام حاولت تبصير الناس بخطورة ما يحدث حولهم.. وقد حدث ووصلنا إلى ما وصلنا إليه بسيطرة "الإقطاع العقارى" على كل الأوضاع.. أصبح هؤلاء الإقطاعيين يمرحون نهبا, بحجة أنهم يقدمون فرص العمل للشباب.. والحقيقة أنهم يمصون دماءهم ودماء أهلهم, ويدمرون بلدهم بهذا "الاستثمار الوقح"!! الذى يزين طريقه "رجال الإعلان" باكتمال سيطرتهم على التليفزيون والصحافة والإذاعة - إلا قليلا - وسيطرتهم على الثقافة ومفاتيح الإبداع - دراما وسينما - ونحمد الله أنهم عميان عن الكتاب, فتوفر لأمثالى ما يفيد ويمتع ويفزع فى الوقت نفسه!

 

فى مجتمع يمسك فيه "رجال المال" برقبة السياسة ويحكمون السيطرة على البرلمان, لا تنتظر أن ترى نائبا بوزن "أبو العز الحريرى" أو المستشار "ممتاز نصار" أو الدكتور "محمود القاضى" ولا يمكن أن يظهر حتى "توفيق زغلول" أو "فكرى الجزار" ولن أحدثك عن "سيد مرعى" أو "مكرم عبيد" وغيرهم.. سترى نوابا يبحثون عن فتات ما يحصل عليه "رجال المال" وستجدهم متمرسين فى ممارسة الضوضاء وتجويد النفاق مع إبداع "الهزل" على أنه "معارضة" بدليل أن كل هؤلاء كان على رؤسهم الطير, وهم يسمعون "وزير قطاع الأعمال" يقول أمامهم عن مصانع الحديد والصلب, أنها "لا تساوى عشرة صاغ"!! لكنهم للحقيقة أبدعوا فى تنفيذ "فيلم مقاولات ردىء" ضد "وزير الدولة للإعلام" الذى احتفلوا بأنهم "شرشحوه" وفرضوا عليه تقديم استقالته.. نحن أمام مجلس شيوخ يضبط إيقاعه "رجل مال غامض" ومجلس نواب أصبح وكيله من يزعم أنه "رجل أعمال"!!

 

كان ذلك هو "الهامش" أما "التفاصيل" فقد تكون فى سلسلة حلقات أعرض فيها الكتابين واحدا بعد الآخر.. راجيا ألا تتهمونى بأننى أثير فزعكم من الحاضر والمستقبل!!

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات