عثمان ميرغني
بعد أن ارتفعت درجة
حرارة التوتر بين السودان وإثيوبيا إلى
مستوى ينذر بالمواجهة العسكرية الشاملة ظهرت خلف الغيوم أحاديث عن مبادرة أو ربما
وساطة إماراتية بين الطرفين.
لم يصدر رسمياً من
الجانب الإماراتي تعليقاً على هذه الأخبار ، ولا من الطرف الإثيوبي، ومع ذلك
ارتفعت حمى تناوله سياسياً هنا في السودان
وللغرابة بصورة تضع الإمارات وكأنها تمارس عملية تقسيم للأرض والسيادة على ثلاثة
أجزاء بين الطرفين والوسيط.
هذا الأمر لا يحتاج
إلى بطل ليدرك أن التناول الإخباري والأجندة السياسية حولت الأمر برمته إلى مشروع إدانة سياسية للإمارات تم تسويقها مع سبق
الإصرار والترصد عمداً أو جهلاً .. للدرجة التي
صدر تصريح من رئيس مجلس السيادة في لقائه التنويري مع قيادات الجيش أمس
الأول قال فيه (لا استثمار في الفشقة قبل ترسيم العلامات الحدودية!! ) في محاولة
لتهدئه الشعور الشعبي المهيج بفعل فاعل حول مؤامرة إماراتية - مفترضة- لتوزيع
الفشقة.
في تقديري هذا
التصريح يبدو غريباً إلى أقصى مدى.. للأسباب التالية:
أولاً: الحدود لا تحتاج إلى ترسيم؛ فهي مرسمة على
الأرض وعلى الورق بالإحداثيات الدقيقة التي لا نسمح بالتلاعب بالعلامات الحدودية..
والخلاف الحقيقي بين الطرفين ليس حول الترسيم بل لأن مجموعات إثيوبية بعينها تتخطى
العلامات الحدودية عمداً وعنفاً وتنتزع مشروعات و أراضي المزارعين السودانيين
وتمارس الاستيطان القسري.. وهذه المجموعات الإثيوبية لو بنى السودان حائطاً مثل
حائط الرئيس الأمريكي السابق ترمب مع المكسيك فستقفز فوق الحائط لتسرق الأرض
السودانية.. فالقضية ليست خلافاً حول ترسيم بل واقع يفرضه منتهكون إثيوبيون وتغض البصر عنه حكومتهم..
ثانياً: يجدر طرح سؤال حتمي؛ أيهما يحرس الأرض ليس
في الفشقة وحدها بل كل السودان، العلامات الحدودية أم استثمار واستغلال الأرض.
إذا كان هناك اتفاق
على استثمار الأرض فإن أول ما يفعله أي
مستثمر هو "التعاقد" مع الجهة السيادية صاحبة الأرض ، السودان.. فهل
هناك أكثر تثبيتاً للسيادة واعترافاً بها من ذلك؟
ثالثاً: السيد رئيس مجلس السيادة قال أن السودان واسع يمكن للإمارات أن تستثمر في أي
مكان آخر (ليس به مشاكل) على حد قوله.. حسناً إذا أخذنا بالتخوفات من الاستثمار
في أرض حدودية خشية التعدي على السيادة؛
ألم يكن ممكناً اشتراط منطقة عازلة Buffer Zone بين المشروع الاستثماري والحدود فلنقل بضعة كيلومترات يوزع هذا
الشريط العازل لمزارعين سودانيين فقط مع إلزام الاستثمار بتوفير مقومات الزراعة
لهم في هذا الشريط الحدوي العازل للمزارعين السودانيين..
تناول هذه القضية
بهذا الشكل فيه مخاطر على مصالح السودان
لكونه يضرب العلاقات الثنائية مع الإمارات وهي دولة مؤثرة إقليمياً ودولياً وتعتبر واحدة من أكثر الدول التي ساهمت في تعضيد الاستقرار السياسي بالسودان
خاصة في الفترة العصيبة بعد انتصار الثورة.. اقتصادياً وسياسياً.. وفي السياسة
الخارجية فإن العلاقات الثنائية في المحيط الإقليمي تؤثر على العلاقات الدولية
أيضاً.. فعلاقة السودان مع الإمارات ممتدة بعمق منذ تأسيس الاتحاد قبل نصف قرن.
من الحكمة أن لا
تتمدد اللعبة السياسية والأجندة الحزبية المحلية
لتضرب علاقات السودان الخارجية خصماً على مصالح البلاد
0 تعليقات