د. محمد إبراهيم بسيوني
الفطر الأسود المميت الذي بدأ ينتشر بين مرضى فيروس كورونا في الهند، غير
معد وغير ضار في معظم الأحيان، غير أنه يسبب التهابات خطيرة لمن يعانون من ضعف
الجهاز المناعي.
أغلب المصابين بالفطر في الهند هم
من المصابين أو المتعافين من كورونا، ممن ضعفت مناعتهم جراء الفيروس أو يعانون من
أمراض كامنة مثل مرض السكري، فيما يعد انتشار مرض السكري في الهند من بين أعلى
المعدلات في العالم. الفطر الأسود يأتي من العفن في البيئات الرطبة مثل التربة أو
السماد، ويمكن أن يهاجم الجهاز التنفسي. ويؤثر الفطر عادة على الجيوب الأنفية أو
الرئتين بعد أن يستنشق الشخص الجراثيم الفطرية في الهواء، كما يمكن للأعراض أن
تشمل تورم الوجه والحمى وقرحة الجلد والآفات السوداء في الفم. يبدأ في الظهور على
الجلد في الجيوب الأنفية خلف الجبهة والأنف وعظام الخد وبين العينين والأسنان، قبل
أن ينتشر إلى العينين والرئتين ويمكن أن يصل حتى الدماغ، ويؤدي ذلك إلى سواد أو
تغير اللون على الأنف، وعدم وضوح الرؤية أو ضعفها، وألم في الصدر، وصعوبات في
التنفس وسعال الدم، والعديد من الأدوية المستخدمة لمحاربة فيروس كورونا تثبط جهاز
المناعة في الجسم الذي يحارب عادة العدوى الفطرية، ويؤدي هذا المرض إلى وفاة أكثر
من 50 في المائة من المصابين به في غضون أيام.
شهدت الفترة الماضية العديد من المقالات المخيفة التي تحذر من حدوث عدوي
فطرية شرسة في مرضي الكورونا. المقالات بدأت علي استحياء في الموجة الأولي في
الهند في ديسمبر الماضي ولم تلق اهتمام شديد.
مع صعود الموجة الثانية للوباء خاصة في الهند - التي شهدت معدلات عدوي
كورونا مهولة - تصاعدت معدلات عدوي الفطر الأسود وتناولتها مقالات إعلامية عديدة
داخل وخارج الهند. وهنا يجب أن أؤكد أننا شهدنا نفس الموجة الشرسة من الفطر مع
الموجة الثانية التي مازالت مستمرة في مصر. ربما يشهد بذلك ما تنامى إلي علمنا
مؤخرا من وسائل الإعلام أن وفاة الفنان الراحل سمير غانم كانت بسبب هذا الفطر
أثناء علاجه من الكورونا.
بعض المعلومات الهامة عن الفطر: هو عدوي انتهازية، بمعني أنه يصيب المرضي
الذين يعانون من نقص شديد في المناعة. العدوي تبدأ في الأنف والجيوب الأنفية
وتنتشر بسرعة شديدة في خلال أيام (أحيانا ساعات) إلي محجر العين وأحيانا إلي المخ
والأوعية الدماغية. الفطر يخترق الأوعية الدموية ويسدها مما يؤدي إلي موت (تعفن) الأنسجة
المصابة (لذلك التسمية بالفطر الأسود).
العدوي تصيب مرضي نقص المناعة مثل مرضي السكري الغير منتظم والأورام
والمرضي الذين يتعاطون مثبطات مناعة مثل الكورتيزون وخلافه, ولكننا كنا نراها في
هذا القطاع من المرضي بشكل نادر جدا قبل زمن الكورونا ولذلك لم يسمع عنه المرضي -ولم
يبدر لأذهان كثير من الأطباء. علاقة الفطر بالكورونا غير مفهومة بدقة فهي تصيب بعض
المرضي أثناء الكورونا وبعضهم بعد التعافي من المرض والخروج من المستشفي. وجودها
في الهند ومصر ربما يكون له علاقة باستعمال مرضي الكورونا الزائد للكورتيزون بدون
اشراف طبي. وفي الحالات الطفيفة والمتوسطة الأمر الغير متبع في الأوساط الدولية
الذين يقصرون استعماله علي الحالات الشديدة.
*التوصية الأولي*
عدم استخدام الكورتيزون في مرضي الكورونا الا بإشراف طبي في المستشفيات
وللمرضي التي تعاني من أعراض شديدة فقط.
الأعراض التي تصيب مريض الفطر الأسود هي ألم شديد في جانب الوجه أو الرأس (صداع)
يشبه الأم الجيوب الأنفية غير مستجيب للمسكنات مع أو بدون أعراض في العين مثل ضعف الإبصار
أو ألم خلف العين أو ازدواجية الرؤية أو جحوظ العين أو سقوط الجفن, وفي الحالات
المتأخرة تدهور في درجة الوعي.
التشخيص معتمد علي الشك والتشخيص المبكر يؤثر كثيرا علي نتائج العلاج لذلك
شك الطبيب مهم وللأسف هذه الحالات لندرتها تعدي الكثير وتكتشف متأخرة. بقية
التشخيص تعتمد علي الأشعات: مقطعية علي الوجه والجيوب الأنفية مع أو بدون رنين أو
صبغة للأوردة علي حسب احتياج الحالة.
*التوصية الثانية*
إذا كنت مريض كورونا أو تعافيت مؤخرا وتعاني من سكري غير منتظم أو تعاطيت
أدوية مثبطة للمناعة مثل الكورتيزون أو الكيماوي وظهرت عليك الأعراض السابقة، عليك
بسرعة التوجه لاستقبال الطوارئ.
إذا كنت طبيب تتعامل مع أحد المرضي السابق ذكرهم برجاء عدم أخذ الأعراض
باستهوان وطلب الأشعة المقطعية لاستبعاد العدوي بالفطر والمتابعة علي فترات قريبة.
علاج مرضي الفطر الأسود يحتاج إشراف مجموعة تخصصات: الأنف وأذن والرمد
والتجميل والأشعة والأعصاب, ولذلك يكون في المستشفيات التخصصية وليس المراكز
والعيادات. العلاج يتمثل في مضاد للفطريات بالوريد مع جراحة لإزالة الأنسجة الميتة
من الوجه ومحجر العين (وأحيانا للأسف إزالة العين بتكون الحل الوحيد) مع رفع مناعة
المريض. المريض عادة يحتاج لدخول رعاية مركزة. نسب الوفاة عالية تصل إلي نصف
الحالات.
*التوصية الثالثة* تحويل حالات الفطر الأسود عند التشخيص لمراكز تخصصية
لأخذ فرصة العلاج القصوي لإنقاذ الحياة ثم إنقاذ الأنسجة المتبقية وربنا يحفظ
الجميع.
0 تعليقات