آخر الأخبار

نحو قراءة واعية : بين تديّن علي وتديّن ابن ملجم

 


 

عز الدين البغدادي

 

سأقف الآن بين رجلين كلاهما متدين، لكن كل واحد منهما فهم الدين ومارس التدين بشكل مختلف: أولهما علي بن أبي طالب إمام الأمة ووالد سيدي شباب أهل الجنة، والثاني رجل قارئ للقرآن كثير الصلاة لكنه وصف بأنه أشقى أهل النار.

 

الفرق الأهم هو أن عليا كان يمثل تدين القيم، هو الإمام الذي أسس أكثر من أي ممن سبقه أو خلفه لأخلاقيات السياسة، فهو الذي أطلق مقولة: "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق" انه علي الذي تولى الخلافة فقال: يا أهل الكوفة، إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي، ورحلي وغلامي فلان فأنا خائن" كيف لا وهو الذي حذر من خيانة أمانة الأمة فقال: "وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة" وهو الذي ساوى بين الناس في العطاء بين اخته وجارية وعندما رأى في وجهه امتعاضا صرخ فيها: يا امة الله اني لم أجد في كتاب الله لبني إسماعيل في هذا الفئ فضلا على بني إسحاق" وهو الذي قال وقلبه يحترق أسى وكأنه ينظر الى حالنا فيقول: "ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا".

 

أما الثاني فقد كان يمثل التدين الظاهري القشري كالصلاة والصوم وقراءة القرآن، وهو الذي كان يرفع شعارا إسلاميا رنانا يقول: "لا حكم إلا لله" لكنه كان شر أهل النار كما في الحديث.

 

لا يقتصر الأمر على ذلك لنستغل الفرصة لننظر بتمعن أكثر، فنظرية الإمامة كما طرحها علي في كلامه وخطبه وهو يتحدث عن شرائط الإمام وحقوق الأمة والشورى ومشاركة الإمامة في السياسة وبناء شخصية الإنسان وأهمية العدل لم تعد تثير اهتمامنا فقد زحفنا كثيرا كثيرا لنصل الى نظرية جديدة في الإمامة تشيع بيننا الآن تؤكد على الغلو في الأئمة والقصص الخرافية عن المعاجز الأسطورية والحديث عن المقامات دون فهم لوظيفة الإمامة ومنزلتها، صار الإمام حالة خارقة غريبة فهو إنسان بغير ظل يولد مختونا يتكلم كل لغات العالم ويعرف كل شيء في الكون وله ارادة تكوينية مطلقة فضلا عن فكرة الطاعة الطلقة رغم انه يسجن ويقتل ويسم فلا يفعل شيئا، انها رؤية ترفض تحريك العقل وتؤدي الى غلبة الفقه على قيم الدين وهو ما يدعونا لنفكر ونعي ان الإمامة عند علي بن ابي طلب تختلف كثيرا عما نفهمها نحن.

 

وحقيقة فان واقع الإمامة عند علي (ع) واقول واقعها (لوجود خلاف في النظرية السياسية) لم يكن يبتعد كثيرا عن واقعها عند العصر الراشدي باستثناء بعض السنين من خلافة عثمان بن عفان، فرغم وجود خلافات سياسية الا ان العهد الراشدي بمجمله كان عصرا واحدا، وهو عصر امتزجت فيه القيم الأخلاقية بالإدارة العملية الصحيحة.

 

دروس كثيرة جدا نستطيع ان نفهمها ان نعيها من الحديث، وهي أمور اكبر وأكثر أهمية من الحدث التاريخي نفسه. نحن بحاجة الى ان نفكر خارج الأفكار المألوفة الجاهزة التي وجدنا عليها آباءنا، لنعرف ان الغلاة ابعد عن علي وان معظم صحابة النبي (ص) كانوا يمثلون مع علي خطا واحدا وان اختلفت التفاصيل هنا وهناك.

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات