عز الدين البغدادي
على إنّ من أخطر مشاكل العبادة كتب العبادات التي صارت تنتشر بين
الناس حتى لا يخلو منها بيت، وكلّها تستند على ما يُسمّى بقاعدة التسامح. ويمكن
القول بأنّ "كتب العبادات" هي من أهم أسباب الانحراف في فهم العبادة
سواء من حيث البدع أو من حيث سوء فهم دور العبادة بتحريفها وتحييدها بسلب تأثيرِها
هي تلك الكُتب التي صارت من موارد التسابق، فكلّ يريد أن يضمّ كتابُه أكبر عدد من
الصلوات والأدعية والأذكار دون أن يتنبّه إلى أضرارها. والغريب أنّ أحدّ أهم هذه
الكتب التي اشتهرت سابقا كتاب "مفتاح الجنان" (غير مفاتيح الجنان للشيخ عباس
القمي) ورغم شهرته فان مؤلفه مجهول، قال آغا بزرك الطهراني: "مفتاح
الجنان" في الأدعية والأعمال المتعلقة بالأيام والشهور والزيارات وبعض
الأوراد والختومات. وقد طُبِع مراراً عديدة، ولا يعرف جامعه إلا أنه أورد فيه بعض
ما لم يظهر مستنده بل بعض ما ليس له مستند قطعا.
إنّ مثل هذه المؤلفات حظيت بثقةِ الناس دون أن تستحقّ ذلك، حيث
إنّها تضمّ الغثَّ والسمين فهي لا تترك خبراً إلا روتهُ مستندةً في كل ذلك إلى
قاعدة التسامح.
إنّ كتب العبادات تمثل بحقٍّ ودون تردّد هزيمةً لفكرة العبادة،
فتلك الكتب التي أرادت أن تعظّم دور العبادة ودورها؛ ما قامت به هو أنّها هزّت
وشوهت العبادة من خلال عدد من الأضرار التي أوجدتها حيث هزّت فكرة العبادة
وشوّهتها وحرفتها عن رسالتِها، ومن أهمّ تلك النتائج:
• تغليب الشكل: حيث أصبحت العبادة تؤدى دون فهم لمضمونها ودون أن
تدفع الفرد نحو تحقيق الفوائد التي يفترض أنّها تؤديها. لقد أصبح العابد يقوم
بالعبادة دون أن تنهى عن المنكر، ودون أن تدفع نحو رفض الظلم أو التعاطف مع
المظلوم، فيمكن للفرد أن يتعبّد دون أن يضطر أو دون أن يجد ما يدعو إلى أن يصطدم
بالواقع.
• التهاون في جوانب العبادات الأخرى: فهناك عبادات تفقدُ أثرها بل
ووجودها كالتفكّر وحسن الظنّ بالله، بل والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
لأن الفرد يعتقد أنّه قام بما يجب عليه من خلال كثرة العبادات التي أدّاها. وهناك
عباداتٌ كالجهاد صارت بسبب عدم إعمالها تُفهم بكل منحرفٍ بعيدٍ عن فهم مقاصد
الشارع.
• إهمال الجوانب الاجتماعية والتأكيد على الجانب الشخصي: فالشخص
يمكن أن يكون عابداً بأن يصلّي ويصوم، ويمكن أن يعتكف ويمكن أن يحجّ، دون أن يُعني
أو يلزمَ بالتدخّل في شؤون المجتمع، أو يشعرَ بمعاناة الناسِ.
• ابتداع عبادات جديدة: بسبب العمل بقاعدة التسامح، مع ما ينتج عن
البدع من ضرر بالفرد والمجتمع.
• استهلاك الوقت: حيث غدتْ العبادات المشروعة والمبتدعة منها الشغل
الشاغل الّذي لا يُبقي من الوقت ما يكفي للجهاد أو النظر في مشاكل أو قضايا الناس.
بل إنّك تجد أن بعضها يضّم من العبادات أكثر مما يحتمل ظرف العبادة. فإذا أردت أن
تقوم بالعبادات التي تذكر في ليلة القدر مثلا فإنّك رُبّما تحتاج إلى أسبوعين
لتكملها.
• إنّها تؤسس للكسل والجهل، أما الكسل فلأنّها تزرع وهما في نفس
الإنسان بأنّه ليس عليه إلا أن يدعو بهذا الدعاء وسيتحقّق له ما يريد، وحتى لو لم
يتحقق فسيقول لك: لعلّ مصلحتك في أن لا يتحقّق لك، وأما الجهل فلأن الإنسان سوف
يفقد القدرة على التمييز ولا يعرف كيف يصل إلى الأشياء بأسبابها، فكلّ شيء منوط
بهذه أدعية.
• إنّها تؤسّس وتثبّت الغيبيّات، فما دام الإيمان بالغيب من
الإيمان، فيمكن التصديق بأي شيء يذكر أو يقال لأن الإيمان بالغيب واجب، فلا يجوز
ردّه لاسيّما وأن هذه الكتب شحنت بعدد كبير من القصص التي تتحدث عن كرامات ومعاجز،
لأنّ هذه الأكاذيب هي الطريق الوحيد لإثبات تلك الدعاوى.
• ضعف العمل: حيث أقيمت العبادة محلّ العمل واكتفي بشكلياتها عن
اتخاذ الأسباب، فأصبحت قراءةُ القرآن بديلاً عن العمل بما فيه من آيات الجهاد
والتفكر في خلق الله. وصار الناس يلتمسون الرّزق والشفاء والنصر ، بل بأدعية خاصّة
لا بأسبابها المشروعة، وبما اخترعوا من تمائم ورقى وزيارات وما الى ذلك.
0 تعليقات