نصر القفاص
روشتة "صندوق
النقد" أصبح معلوما بالضرورة, أنها تقتل المريض.. ولعلى إذا قلت ذلك على أنه
اجتهاد شخصي, سينفجر فى وجهى "غلمان رجال المال" ولا مانع من غضب "رجال
سلطة" من تجار هذه البضاعة الفاسدة!!
إتركنى وشأنى.. وقل لى
رأيك فى رؤية واحد من أهم خبراء الاقتصاد الأمريكان.. إنه "آرثر شليزنجر"
الذى عمل طوال فترة حكم "جون كينيدى" كواحد من فريقه الرئاسى, ومبعوثه
الخاص فى المهام الصعبة..
فقد شرح الرجل
الحكاية بمنتهى البساطة, وانتهى إلى رأى شديد القسوة.. فهو أوضح أن "صندوق
النقد" يقدم القروض للدول الأعضاء فى "البنك الدولى" بشرط أن تلتزم
الدولة التى تحصل على القرض ببرامج الصندوق.. بعدها تذهب إلى "نادى باريس"
لإعادة جدولة الديون القديمة.. لتدخل هذه الدولة أو تلك فى الدائرة الجهنمية, وتسلم
إرادتها كاملة إلى الولايات المتحدة الأمريكية..
وأوضح "شليزنجر"
أنه لو كان "صندوق النقد" موجودا فى القرن التاسع عشر, وقت أن كانت
أمريكا نامية لما خرجت من نفق الفقر.. وذكر بالنص: "لو قدر لأمريكا أن تأخذ
بمعايير صندوق النقد, فإن مشوار نمونا كان سيصبح أطول بكثير.. وفى مواعظنا الآن
للدول النامية, بأن تأخذ بتلك المعايير.. فإننا نصبح فى موقع الداعرة, بعد أن حققت
من الدعارة أموالا تسمح لها بالتقاعد المريح.. أصبحت تعظ الآخرين بالتزام الفضيلة"!!
الحكاية كتبها "محمود
عوض" فى مقال عنوانه "دول وبنوك وسياسات" ونشرته جريدة "الحياة"
وظنى أنه تضمنه كتاب "دنيا محمود عوض" الصادر عن "أخبار اليوم"
قبل شهرين.. كان يمكن أن يكون مقال "محمود عوض" ناقوس خطر يدق وينبه "مبارك"
ورجاله الذين يمارسون "الإصلاح الاقتصادي".. لكن "مبارك" ورجاله
لم يتورطوا فى فعل القراءة.. ومن تورط منهم نال تقدير البنك والصندوق, وأخذوه
خبيرا عندهم.. أما الذين انتهت فترة خدمتهم عندهم, فلهم مكانهم فى بلادهم.. وإن
كنا نتحدث عن مصر, لن تجد صعوبة فى أن تجد من خدموا البنك والصندوق, وهم يجلسون
على مقاعد أخطر مواقع المسئولية!!
لا أحب لك أن تريح
نفسك بأنني مع أو ضد "مبارك" لأن هذا ليس صحيحا.. فقد ذهب "مبارك"
كما ذهب "عبد الناصر" وبقى منهما ما نذكره سلبا وإيجابا.. المهم أن نذكر
عن علم وفهم وبمعلومات, وليس ترديد اسطوانة المخابرات الأمريكية التى تنفق مليارات
لتزوير وتشويه التاريخ.. خاصة وأن الذين يمارسون هذه المهنة يكسبون أموالا كبيرة, دون
اكتراث بتدمير وعى أمة أو هدم مجتمع.. فنحن جميعا نعلم مكان "يوسف بطرس غالى"
و"محمود محيى الدين" و"حازم الببلاوى" و"غادة والى"
خارج مصر.. ونعرف مكان "فخرى الفقى" النائب المعين ورئيس لجنة الخطة
والموازنة ومجلس النواب الحالي.. أى أننى لا أفعل أكثر من الإشارة إلى الحقائق
التى يتم طمسها, وسط غبار قنابل دخان لا يتوقف إطلاقها على "عبد الناصر"
الذى فهم وتحدى البنك والصندوق.. وتلك عند أمريكا جريمة تعاقب من يرتكبها حيا
وميتا!!
أزيدك معلومات قد
تدهشك أو تفجر غضبك.. فقد حكم الولايات المتحدة الأمريكية رئيس فى نهايات القرن
التاسع عشر.. اسمه "وليام ماكينلى" أمر فى عام 1898 قواته المسلحة بغزو
واحتلال "الفلبين" وكان معروفا عن هذا الرئيس أن لا يحب القراءة, ويتجنب
المثقفين قدر ما يستطيع.. فكانت لغته "ركيكة" وتعبيره عن أفكاره يفتقر
للمنطق.. لكنه يتكلم ويقول للشعب الأمريكى ما فى رأسه.. لذلك قرر أن يطلع الشعب
على السبب الذى دعاه لاحتلال الفلبين.. فقال: "نحن لم نذهب للفلبين لاحتلالها..
كل المسألة أن السيد المسيح زارنى فى المنام, وطلب منى أن نتصرف كأمريكيين ونذهب
إلى الفلبين لكى نجعل شعبها يتمتع بالحضارة".. واستمرت الفلبين تحت الاحتلال الأمريكي
48 عاما.. وحقك أن تسأل.. لماذا الفلبين وهى دولة غير بترولية؟! لكن الإجابة
ستأخذك إلى منطقة بعيدة عن موضوعنا.
بعد عشرات السنوات.. ذهبت
القوات الأمريكية إلى "فيتنام" لكى تجعل شعبها يتمتع بالحضارة.. ورغم أن
المنهج واحد, فقد تم تغيير العناوين فقط.. فكان احتلال "أفغانستان" للحرب
على الإرهاب.. ثم احتلال "العراق" لجعلها ديمقراطية, وتخليصها من أسلحة
الدمار الشامل.. وفشلت المحاولات مع "فنزويلا" بسيناريو هوليودى ردئ.. وبقيت
الولايات المتحدة تواجه "أهل الشر" بطرق متعددة ومختلفة.. فما تحاوله مع
"كوريا الشمالية" يختلف عما تنفذه فى مواجهة "الصين" وطبعا
هناك سيناريو مختلف من أجل "روسيا" وآخر خصيصا "لإيران".. وكل
هؤلاء لا يتعاملون مع البنك ولا الصندوق.. وكل هؤلاء إذا وجدت دولة منهم فائدة من "الأوف
شور" فهى تذهب إليه وتتعامل معه بطريقتها ووفق منهجها.
الخطير أن نظام "أوف
شور" تحول إلى منهج يتم تطويره بين حين وآخر!
المنهج الجديد يتم
عرضه على الدول.. من يقبله يتمتع بالرضا الأمريكي "السامى" الذى يملأ
فراغا نتج عن انتهاء زمن "المندوب السامى"!! وللمنهج الجديد رجال تم
طبخهم على نار هادئة.. ذلك يكشفه ويوضحه "جون بركنز" فى كتابه "الاغتيال
الاقتصادي للأمم" فيحكى أنه فوجئ باحتمال ذهابه للحرب فى فيتنام.. لكنه كان
دائم القراءة للفهم.. تغير إحساسه من الحماسة للمشاركة فى هذه الحرب.. إلى الفتور
ومراجعة الذات بعد أن نشر الإعلام تفاصيل الجرائم التى ترتكبها بلاده هناك.. ثم
يأخذك إلى ما أنقذه من المشاركة فى هذا الوحل.. فيقول: "أنقذنى أحد أقارب
زوجتى عندما أبلغنى أن هناك وظيفة شاغرة فى وكالة الأمن القومى تؤهل من يشغلها إلى
تأجيل الخدمة العسكرية.. تقدمت للاختبارات التى كان ضمنها العرض على جهاز كشف
الكذب.. قررت أن أقول الحقيقة.. اعترفت بأننى سبق أن كذبت وشرحت الأسباب التى
دعتنى لذلك فى كل واقعة.. تحدثت عن واقعى ونشأتى الفقيرة, وأحلامى بأن أكون ثريا..
تصورت أن هذه الأشياء ستعوق قبولى فى الوظيفة.. بعد سنوات أدركت أن ما كنت أعتقده
سلبيات ويمكن أن تحرمنى من الوظيفة, هى إيجابيات تؤهلنى لها من وجهة نظر وكالة
الأمن القومى الأمريكى"!!
لست مسئولا عن أنك
تقرأ متحفزا ورافضا للحقيقة.. فالكاتب أمريكى.. الوقائع حدثت فى أمريكا.. لا تحاول
أن تربط بين ما قد تسمع عنه أوتراه.. وإذا ربطت فذلك متروك لك.. لكنه المنهج
الأمريكى الذى أخذنا به, لحظة اختيار الذهاب إلى "الانفتاح" الذى سلمنا
للإصلاح!! ثم قررنا الالتزام بتطوير المنهج باكتمال رؤيتهم لمجتمع "الأوف شور"!!
نعود إلى "جون
بركنز" الذى يقول: "تم قبولى للوظيفة وبدأت التمرين على أعمال الجاسوسية..
أخذتنى تجربتى إلى قبول التجنيد فى فيالق السلام – مجموعات من الشباب تمارس الخدمة
العامة خارج أمريكا – وهى تسمح بتأجيل دخول الجيش.. ذهبت إلى منطقة غابات الأمازون..
تركتنى وكالة الأمن القومى مع تمنيات لى بالتوفيق.. لم أفهم السر حتى وجدتنى أتحول
من عميل بوكالة الأمن القومى, إلى قرصان اقتصادي وهى وظيفة تخدم مصالح
الإمبراطورية الأمريكية.. تم إلحاقي بشركة مين التى تعمل مباشرة مع البنك الدولى..
وأوضحوا لى أن العمل يتطلب السفر إلى أماكن بعيدة مثل الإكوادور واندونيسيا وإيران
ومصر, لإعداد تقويم للنمو الاقتصادي"!!
لاحظ أن "جون
بركنز" الذى حدثوه عن احتمال قيامه بعمل – مهمة – فى مصر, تسلم عمله فى مطلع
السبعينات.. ولم يذكر فى مذكراته أنه جاء إلى مصر, لكنه قدم تفاصيل تجربته مع – وفى
– المملكة العربية السعودية.. لأن المملكة تم تقديمها على مصر فى الأولويات لأنها
البقرة التى أصبحت جاهزة – وفق تعبيرهم – لكى يتم حلبها بعد ارتفاع أسعار البترول
بانتهاء حرب 1973.. ويكشف المؤلف أن عائلة زوجته شجعته على قبول الوظيفة, ثم يقول:
"تصورت نفسي كعميل سرى خطير يذهب إلى بلاد غريبة, ويتمدد بجانب أحواض السباحة
بالفنادق الفخمة.. تحيطني نساء جميلات يرتدين البكينى وبأيديهن كئوس المارتينى.. ومع
أن هذا كان خيالا, فقد اكتشفت بعد ذلك أنه كان يحوى شيئا من الواقع.. وانطلقت"!!
حين أعرض ما قرأت.. لا
ألتفت إلى الذين يحلمون بفرصة نالها "جون بركنز" بأن يمارسوا الانتهازية
والنفاق والاستعداد لممارسة أى شىء.. وكل شىء.. لكى يحققوا الثراء ويستمتعوا
بالفاتنات وكئوس "المارتينى"!! ولا الذين حققوا أكثر مما كانوا يحلمون
به, وأصبح لديهم الاستعداد لمحاكاة "الكلاب المسعورة" إذا اقترب منهم من
يحاول أن يكشف الأدوار التى يلعبونها ينهشونه.. فهؤلاء لا يشبعون من الثروة
والنفوذ والمناصب, لأنهم عاشوا فى رحاب "أباطرة المال" وينالون مباركة
ورعاية نافذين فى السلطة.. المهم أن يحافظوا على مكانهم "كغلمان" لتكتشف
أن "المماليك" عادوا فى زى زمن جديد!!
تلك الصورة.. الحقائق
نفسها.. كتبها فى وقت واحد "نيكولاس شاكسون" و"جون بركنز" حين
أرادوا فضح عالم "الأوف شور" وكذلك "الاغتيال الاقتصادى للأمم"..
لكن "محمود عوض" سبقهم وشرح كل شىء فى سلسلة مقالات كتب قليل منها على
صفحات "أخبار اليوم" ومعظمها على صفحات جريدة "الحياة" دون أن
تلفت الأنظار.. لأن أمريكا تقدمت جدا فى علم "دفن الحقيقة" ببرامج
للتعتيم عليها!! وإذا رأيت أن هذا لغز, قد تكشف الحلقات القادمة أسرار هذا العلم..
فما يحدث حولك ليس بتلك السذاجة فى القراءة, وذلك أوضحه "جون بركنز" فى
كتابه تفصيلا.. وإذا خفت على عقلك من الفهم والمعرفة, فهذا حقك وأمضى إلى حال
سبيلك.. فقط نرجوك أن تتركنا نستمتع ونشقى بالقراءة والمعرفة..
يتبع
0 تعليقات