آخر الأخبار

المرأة بين الاختلاط والنقاب قراءة بين منهجين (1)




 

محمود جابر

 

هناك نظرتان تحكمان منهج النظر إلى الإنسان الأول : يرى الإنسان مخلوقات مفطورا على الطاعة والتقوى والخير ومعرفة الله تعالى وهذا هو منهج الإسلام.

 

 والمنهج الآخر: يرى الإنسان ابنا للخطيئة وعبدا لها ... وإذا كان الإنسان صاحب خطيئة أولى فإن الذي دفع الإنسان الأول – آدم – إلى الخطيئة هي زوجه - حواء – وعليه فقد اعتبروا حواء/ الزوجة / المرأة (شرا مطلقا)، هذا المفهوم – المنهج – تسرب إلى العقول عبر انتقالات مسيولوجية اختلط فيها المفاهيم الدينية بالأساطير المجتمعية مما جعلها أطروحة شبه مكتملة، ولما كان الإسلام الحلقة الأخيرة فى حلقات التشريع الإلهي ، ودخل فى الإسلام أقوام عدة من أهل الكتاب فقد تسرب هذا المنهج لدى العديد من كتب الإسلام ومعارفه، وريما أصبح فى أوقات كثيرة هو المنهج السائد.

 

بيد أننا نرى هنا تناقض معرفي فى منهج بعض الفرق الإسلامية حيث أنهم فى الأصل يعتمدون منهج (الفطرة ) وإذا استمر فى الأطروحة هذه خلطها بالأطروحة المعاكسة وهى أطروحة الخطيئة الأولى .

 

وعليه فقد حكم المنهج الثاني اغلب صور الحياة ، على اعتبار أن البشرية مازالت تعيش مراحلها الأولى ولم تصل بعد حدا مرضيا من التحضر – وخاصة مجتمعاتنا الشرقية-، لهذا فإننا نجد الخطاب والمعايش تضع الرجل فى مقدمة كل شيء والمرأة تابعة له أو منفصلة عن الأحداث أو فى الغالب مهمشة تهميش كامل، فيحظر على المرأة أن تدخل إلى بيت الصلاة أو تكون أحد أركان العمل الديني، ويتضح هذا بشكل أكثر وضوحا فى مسلك الشريعتين السابقتين – اليهودية والمسيحية – فالمرأة فيهما لن ولم تكن يوما واحد من الكهنة أو الحاخامات أو القساوسة ، هذا بعكس الإسلام الذي مكن المرأة من أن تجلس لتعلم الناس الدين وتفتيهم وتحدثهم ، ورغم هذا فإننا نجد خلطا مفضوحا بين المنهجين حتى الذي لا يستطيعون أن يعترضوا على أن ترتقي المرأة سلم الارتقاء الديني .

 

ولعل السبب فى منشأ ذلك الخلط أن الكثير من المفسرين المسلمين كانوا يرجعون إلى الكتب السماوية القديمة ليستكملوا معلومات لم تفصل فى القرآن الكريم، أو ليفهموا آيات استغلق عليهم فهمها مستندين إلى قوله تعالى (آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) العنكبوت:46، وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم - رواه البخاري- كما نسب للرسول - صلى الله عليه وآله - أنه قال: بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج وهو ما شجع المفسرون على الاغتراف من العهد القديم والعهد الجديد بلا حساب.

 

ومن المفسرين الذين اشتهروا بتفشي الروايات من الإسرائيليات فى تفاسيرهم كعب الأحبار وهو تابعي كان يهوديا قبل أن يدخل الإسلام فى عهد عمر، وعاش أثناء خلافة عثمان ويتهمه المؤرخون بكثرة النقل عن أهل الكتاب، وبأنه المصدر الأصلي لأكثر الروايات الإسرائيلية التي فى كتب التفسير، وقد نقلها عنه الكثير من التابعين ومنهم أيضا وهب بن منبه، وابن جريج، وابن إسحاق، وقتادة، وسعيد بن جبير وغيرهم.. وأغلب كتب التفسير، كتفسير ابن جرير الطبري والثعلبي وغيرهما انتقدوا من التابعين والدارسين بأنهم يروون الإسرائيليات، ولا ينقدونها.

 

وقد نبه ابن كثير إلى العديد من الإسرائيليات والموضوعات المنبثة فى التفسير وعقب عليها بأنها دخيلة على الرواية الإسلامية، وقد تأثر به كثير من المفسرين، ورغم أنه كان شديد للانتقاد للروايات الإسرائيلية بيد انه لم يسلم تفسيره منها.

وقد حاول ابن خلدون فى مقدمته أن يحلل أسباب نقل المفسرين هذه الإسرائيليات فقال: والسبب هو أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية فى أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى، وأهل الكتاب الذين بين العرب يومئذ أهل بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما يعرفه العامة من أهل الكتاب .

ويقول: وهكذا انفتح باب الإسرائيليات على مصراعيه أمام المسلمين، لينفتح به باب للشر لم ينغلق، ولن ينغلق ما دام فى هذه الدنيا مسلم تغيب عن وعيه تلك الحقائق التي قدمناها، ويقول: دخلت شعوب فى الإسلام ورأت مناسبة بين الدين الجديد، وبعض ما فى دينهم، فذهبوا يفسرون الإسلام ويفهمونه على أساس تلك الموروثات المهجورة.

 

أي أن الإسرائيليات ليست وحدها المسئولة عن تلك الفتاوى المتناقضة مع روح الإسلام ونصوصه الثابتة، بل الموروثات عن حضارات ما قبل الإسلام أيضا .

 

وقد تحققت نبوءة ابن خلدون وها هم مسلمو القرن الخامس عشر الهجري يعانون من ذلك العبء الذي ألقاه على كواهلهم المفسرون القدامى.

 

وتتناثر فى التوراة عبارات عديدة ترى المرأة شرا لا مثيل له وأنها أصل الخطيئة وأن الله أنزل العقاب الصارم الأبدي عليها؛ لأنها هي التي أقنعت آدم بقطف الثمرة المحرمة وهى وحدها السبب فى معاناة البشرية وطردها من الجنة، كما ورد فى الكتاب المقدس بسفر التكوين .

 

ونأتي لبعض الوصايا والأوامر الخاصة بالنساء فى العهدين القديم والجديد يقول:"لتصمت نساؤكم فى الكنائس لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس أيضاً، ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن فى البيت لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم فى كنيسة " كورنثوس 14: 35.

 

... "ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون فى سكوت، لأن آدم جبل أولاً ثم حواء، وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت فى التعدي" 1 تيموثاوس 2 : 14.

 

..."أيها النساء أخضعن لرجالكن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح، كذلك النساء لرجالهن فى كل شيء" افسس 5 : 22.

 

...." ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل.. لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل. احكموا فى أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلى إلى الله وهى غير مغطاة" 1 كورنثوس 3: 11.

 

..." أن آلام الوضع ليست إلا عقابا أنزله الله على المرأة" سفر التكوين (!!)

 

ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين: "ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت."

وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من نفس السفر :"فأُخبرَت ثامار وقيل لها هوذا حموكِ صاعدٌ إلى تمنة ليجز غنمه. فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت".

 

وفي الإصحاح الرابع من نشيد الإنشاد:

"ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلةٌ عيناك حمامتان من تحت نَقابَكِ. .... خَدٌّكِ كفِلْقةِ رُمانةٍ تحتَ نَقابِكِ "

 

..."ثم أنها بعد أن تتمم أيام تطهرها من ولادة ابن أو ابنة عليها أن تجلب إلى الكاهن خروفا عمره سنة وحمامة شابة لتتطهر من الخطيئة، وإذا كانت غير قادرة فعليها أن تجلب له حمامتين أو يمامتين واحدة للمحرقة والأخرى ذبيحة خطيئة يقدمها الكاهن للرب تكفيراً عن خطيئتها وعندئذ تصبح نظيفة" سفر اللاويين الفصل 12: 1-8.

بالحمل ثم الوضع نتج عن فعل الخطيئة حتى لو داخل الزواج !!

 

وفي الإصحاح الثالث من سفر إشعياءَ: " ينزعُ السيدُ في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب".

 

وهذا قليل من كثير من الآيات والإصحاحات والأسفار والأعمال والرسائل التي وردت فى طول الكتاب المقدس وعرضه تتحدث عن المرأة ووضعها فى التشريع التى ترى زواج المرأة وتمتعها بزوجها استمرارا للخطيئة ولعل هذا ما جعل الحياة الزوجية عند كثير من المسيحيين تعانى من مشاكل عديدة عالجها الصديق الروائى روبير الفارس هو وزوجته مارى رمسيس فى كتابها (الاقباط والجنس).

 


والكتاب يناقش المسكوت عنه والممنوع الكلام حوله، وينزعان بكل جراءة وشجاعة كل الأوهام والحجج لمواجهة أساس المشاكل التى تواجه الأسر المسيحية، حيث يمثل الجنس 90% من أصل المشاكل فى البيوت المسيحية، بسبب انتشار ثقافة تحقر الجنس دينيا، فالرهبنة والتبتل وفقا للمفهوم المسيحى أفضل من الزواج، وربما كسر روبير ومارى هذه المساحة لاول مرة فى حياة الأسر المسيحية.

 

ولما كانت المعرفة الإسلامية لها ركيزتان الأولى هي القرآن والثانية هي الحديث ، ومن هذين الطريقين دخل إلى المعرفة الإسلامية مالم يكن منها فأما القرآن فانه محفوظ فى نصه وإنما دخل الخلط عن طريق التفسير أو خلط التأويل بقصص وروايات أهل الكتاب ونسبوها إلى قول النبي والصحابة زورا وبهتانا ، ومن أدلة هذا الزور وذلك البهتان أنك ترى روايتين لرجل واحد متناقضتان بعضهما البعض ولا يصح أن تنسبا إليه جميعا .

 

وهذا القول يخص أحد منابع المعرفة الإسلامية والمنبع الأخر وهو الحديث الشريف ( السنة النبوية)، والذي كثر فيه الوضع هو الآخر ، ومما حمل الوضاعون على الوضع أمور أهمها الخصومة السياسية ، وتلمح أحاديث كثيرة لا تكاد تشك وأنت تقرؤها أنها وضعت لتأييد الأمويين أو العباسيين أو الحط منهم ، كما وضعت الأحاديث فى تفضيل بعض القبائل العربية على بعض ، وكذلك فى الخلافات الكلامية ، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى الوضع مغالاة الناس إذ ذاك فى أنهم لا يقبلون من العلم إلا على ما اتصل بالكتاب والسنة اتصالا وثيقا ، وما عدا ذلك فليس له قيمة كبيرة ، فأحكام الحلال والحرام إذا كانت مؤسسة على مجرد "الاجتهاد" لم تكن لها قيمة ما لم أسس على سند شرعيا حقيقا، فكثير من بعض ه1ه الفتاوى والحكم المؤسسة للنيل من المرأة كانت من أصل هندي أو يوناني أو فارسي ، أو من شروح التوراة أو الإنجيل، ثم تم صياغتها وصبغها بصبغة دينية حتى يتقبلها الناس ، فوجدوا الحديث هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه ، فدخلوا منه على الناس ، ولم يتقوا الله فيما صنعوا ، فكان من ذلك أن ترى فى الحديث الحكم الفقهي المصنوع، والحكمة الهندية ، والفلسفة الزردشتية ، والموعظة الإسرائيلية أو والمسيحية...

 

وللحديث بقية .....

 

المرأة بين الاختلاط والنقاب قراءة بين منهجين (2)

إرسال تعليق

0 تعليقات