محمود جابر
هذا عنوان كتاب الدكتور طه حسين، والذى يقع في جزأين، تناول الجزء الأول
عصر عثمان بن عفان، باعتبار الفتنة بدأت في عصره، والثاني يبحث فى عصر علي بن أبي
طالب وبنيه.
ووفقا لعميد الأدب العربى فى الكتاب فقد قال: لا يُعدُّ وصف «الفتنة الكبرى»
ضربًا من التهويل، فقد كادت الفتنة التي بدأت في عهد الخليفة الراشد «عثمان» وامتدَّت
إلى خلافة «عليٍّ وبنيه» أن تعصف بالدولة الإسلامية،
هذا وقد سعى المؤلِّف إلى اتِّباع مذهب «الحياد التاريخيِّ» بين الفريقين،
والتجرُّد من كل هوًى أو مَيْلٍ؛ ساعيًا إلى إبراز الأسباب الحقيقية وراء الفتنة
التي أدَّت إلى مقتل عثمان، معتمدًا على تحليلاتٍ لواقع المجتمع الإسلاميِّ آنذاك.
وقبل أن يطرق طه حسين لأبواب عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان، عرض عصر من
سبقوه؛ أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، دون أن يتجاهل عصر النبوة والذي كان هو
الأساس الذي أقام عليه الشيخان أبو بكر وعمر طريقهما في حكم تلك الدولة الناشئة.
فطرح سؤالا هاما حول هوية نظام
الحكم في دولة الرسول ودولة خليفتيه أبي بكر وعمر، هل هو نظام ديني، بما يعني أنه
يتم تسيير أمور الناس بناء على أوامر إلهية، لا قِبل للناس برفضها، أم أنه نظام
ديمقراطي يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه، أم أنه شكل آخر تماما، وبعد طول بحث حول شكل
النظام الديني استبعد أن يكون النظام الذي جاء به الرسول هو نظام دولة دينية،
تعتمد على أوامر إلهية مباشرة غير قابلة للرفض، بل كان يعتمد على آراء صحابته في
كثير مما يعرض له، وكان يقبل بآرائهم التي خالفت آراءه في أمور عدة.
كما أنه نفى كونه نظاما ديمقراطيا قائم على إرادة المحكومين، فعلى الرغم من
التماس الواضح بين النظام الجديد والنظام الديمقراطي، إلا أنه لم يكن ديمقراطية
لأن الأمر لم يكن أمر رغبة شعبية في كليته. وتوصل في نهاية هذه النقطة إلى أن نظام
الحكم في الإسلام لم يكن دينيا أو ديمقراطيا أو غير ذلك، لكنه كان نظاما جديدا،
يضع مبادئ عامة ولا يضيق على أنصاره في السير وفق نظام جامد، بل كان ما جاء به
الإسلام نظاما جديدا لم يعرفه سابقوه، ولم يلتزم به أحد بعد انقضاء فترة محدودة من
وفاة النبي.
استطاع طه حسين أن يوضح بنية النظام الإسلامي من خلال تحديد البنية الاجتماعية،
وما أدى إليه من اختلاف معايير التفاضل بين الناس في المجتمع، فوجد أن النظام
الجديد قام على عدة عوامل من أهمها العنصر الديني، فعلى الرغم من نفيه كون نظام
الحكم أيام النبي وأيام خليفتيه كان نظاما دينيا، إلا أن ذلك لم ينف تأثر النظام
الجديد بالدين، فقد كان مفروضا على الحاكم الالتزام بما جاء به الدين الجديد من
ضرورة إقامة الحق وإقرار العدل بين الناس. ولم يقتصر دور هذا الدين على الالتزامات
المفروضة على الحاكم، بل أصبح جزءا من حياة الناس، شكّل ضمائرهم واعتبر مرجعيتهم
الأولى بديلا عن مرجعياتهم السابقة. إلا أن ثمة عنصرا آخر كان غاية في الأهمية ألا
وهو تشكل طبقة أرستقراطية جديدة، لكنها أرستقراطية من نوع لم يكن معروفاً من قبل،
أرستقراطية لا تقوم على ما قامت عليه سابقاتها من تمايز على أساس القوة أو الثروة
أو المكانة الاجتماعية، لكنها قامت على الاتصال بالنبي أيام حياته، ومدى الاستجابة
لأوامره في أوقات السلم والحرب على حد سواء. فقد نالت هذه الطبقة مكانة خاصة لدى
النبي، ومن ثم لدى كافة المسلمين من بعده، فكان لها دور شديد الأهمية بدءاً من وفاة
النبي، وتحول الحكم إلى الأقرب من رسول الله، فكان الحكم في المهاجرين والمشورة في
الأنصار، وقد كان هدف أبي بكر وعمر في البداية أن يكون الحكم في المهاجرين على
عمومهم، ولكن قريشاً طوعت الأمر لصالحها ورأت أن الحكم لا يكون إلا في قريش. وقد
حصر عمر بن الخطاب هذه الطبقة في المدينة، خوفاً عليها ومنها، خاف أن تخرج فتُفتن
بمكانتها بين المسلمين وتستغل هذه المكانة بما لا يتفق ومصلحة الناس، وخاف أن
يُفتن بها الناس وينزلونها فوق ما يجب، ولكن كان لعثمان مع هذه الطبقة شأن آخر وهذا
كان مدخلا كبيرا للفتنة .
غير أن وقفة طه حسين مع عمر بن الخطاب كانت وقفه تستحق التدقيق والنظر
والعرض .......
وللحديث بقيه
0 تعليقات