محمود جابر
ما أوضحه الدكتور طه حسين من سيرة عمربن الخطاب لا تتفق مع ما أشيع
من وصيته فى اختيار الستة وقد كتبنا ذلك فى كتابنا( الشيعة البذور والجذور) وأوضحنا
ان عمر قتل نتيجة مؤامرة وانقلاب داخل البيت القرشي لأنه كان أكثر ميلا لعلى !!
وهذا نص ما كتبنا ...
عمربن الخطاب والانقلاب المنهجي :
والثابت من التاريخ أنّ علياً والناس قد بايعوا أبا بكر بعد أن
رحلت فاطمة حبيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد ساس أبو بكر الناس وفقاً
لاتفاق السقيفة، فلمّا دنا أجله جعل الأمر بعده في عمر بن الخطاب ليفري بالأمّة
فرياً عبقرياً، حتّى طعنه أبو لؤلؤة، فأوصى بالأمر بعده للستة الذين قبض رسول الله
وهو راض عنهم ، كما يقال !
وهناك أكثر من نقطة ممّا يجعل المؤرّخ الموضوعي أن يشكك في حدث
الاغتيال والوصية .
أوّلاً : عنصر الوقت . أعتقد أنّه لم يكن متوفّراً
أمام الخليفة ليشكّل مثل هذا المجلس .
وثانياً: رأي الخليفة فى بعض
الستة الذين انتدبهم لهذه المهمة لم يكن رأياً إيجابياً .
وثالثاً : تركيبة المجلس بحد
ذاتها تورث الشك .
ورابعاً : الدور البارز
المفتعل لعبد الرحمن بن عوف وكأنّه هو الذي يوجّه كل حركة المجلس .
وبدا منذ اللحظة الأولى يخطط لإبعاد علي ومجي شخصية يستطيع من
خلالها السيطرة على الوضع أو أن يمارس نفوذاً فى ظل الخليفة القادم ، ويدعو في ذلك
الآخرين باستثناء سعد بن أبي وقاص الذي تنازل لعلي، وبالتالي ممّا يعزز هذا الشك
أنّ الذين أيّدوا عثماناً تقاضوا الثمن بعد ذلك ، أولئك الذين كان الخليفة عمر بن
الخطاب يفرض عليهم نظاماً صارماً وهو الإقامة شبه الجبرية في المدينة حتّى لا
يستغلّوا وجودهم في مواقع قيادية لتأسيس نفوذ في المناطق المفتوحة حديثاً ، وفجأة
أصبح هؤلاء يملكون مزارعاً وضياعاً وأموالاً طائلة إلى غير ذلك٠
فأعتقد أنّ اغتيال عمر بن الخطاب كان مؤامرة من قِبَل فئة من الناس
، خصوصاً الفئة الطارئة على الإسلام ، والتي يمكن أن نتّهمها دون صعوبة أنّها
ضالعة في اغتيال عمر بن الخطاب٠
وليس مصادفة أن يتمّ اغتيال شخصية على مستوى الخليفة عمر بن الخطاب
، وأن يبرر الاغتيال بذرائع ساذجة، وأعتقد أنّ ذلك مجرد تبرير رسمي لهذا الاغتيال
ليس أكثر .
وهناك ملف آخر يتعلّق بقيام ابنه عبيد الله بقتل متّهمين ، وأعتقد
أنّهم ممن قتلوا أبيه، والجملة التي تفوّه بها مهدداً ـ لأقتلنّ أناساً ممن شارك في دم أبي ـ شاهدٌ
على ذلك .
وبموت أبي لؤلؤة ذهب سرّه معه .
هذا الموت الذى قال فيه عبيدالله بن عمر بن الخطاب لاقتتلن أناس ممن
شارك فى دم أبى، فقام بقتل جفينة والهرمزان، وكان على بن ابى طالب يطالب بالقصاص
والتحقيق فى القضية لكشف خيوطها، ولكن عثمان وفريق قريش أراد طمس معالم الجريمة
فتم دفع دية القتيل من مال عثمان وطويت الصفحة.
ولما كان الغرض مرض، فعمر الشخصية الأكثر كراهية في العقل الشيعي
الإمامي التقليدي، بسبب ما نُسِب إليه من عداء لعلي بن أبي طالب وكراهية لآل
البيت، وبدلا من التحقيق العلمى والتاريخى فى مقتله، نجد أن بعضًا من المصادر
الشيعية المتأخرة حاولت أن تجد علاقة تبعية بين أبو لؤلؤة فيروز النهاوندي، قاتل
عمر المعروف بأبي لؤلؤة المجوسي من جهة، وعلي بن أبي طالب من جهة أخرى!!
من ذلك ما ورد في كتابي «رياض العلماء وحياض الفضلاء» لعبد الله
أفندي، و«مصائب النواصب» لنور الله التستري، عند التعريف بأبي لؤلؤة، بوصفه «أبو
لؤلؤة فيروز الملقب ببابا شجاع الدين النهاوندي الأصل والمولد ثم المدني». إضافة
إلى ذلك، وصفته تلك المصادر بأنه «من أكابر المسلمين والمجاهدين، بل من خُلَّص
أتباع أمير المؤمنين عليه السلام».
وفى المقابل فإن المؤرخ السنى نفى أي شبهة لضلوع علي بن أبي طالب
في حادثة اغتيال عمر بن الخطاب، إذ يذكر ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276 من
الهجرة، في كتابه «الإمامة والسياسة»، أنه عندما أصيب عمر ودخل عليه علي، قال عمر:
«يا علي، أَعن ملأ منكم ورِضى كان هذا؟ فقال علي: ما كان عن ملأٍ منا ولا رضى،
ولوددنا أن الله زاد من أعمارنا في عمرك».
وما يجعلنا ننتصر لنظرية أن مقتل عمر كان انقلاب منهجيا، هو ما
ترتب على مقتله (حادثة الشورى)، فقد نتج عنها أمور خطيرة أثرت في شكل السلطة
الإسلامية وبنيتها في ما بعد. ومن الملاحظات المهمة على تلك الحادثة:
الأول : كانت الشورى بمثابة امتداد تاريخي لنتائج اجتماع السقيفة،
فالرجال الستة الذين أدخلوا في الشورى كانوا من قريش، ولم يكن أي منهم من الأنصار،
بل اقتصر دور الأنصار على مراقبة العملية الانتخابية وتنفيذ شروطها فقط.
الثاني: أن وجود الأنصار فى الشورى وجود مراقب، ولم نلمح لهم أي غضب من أي
طرف فيهم بعكس ما جرى فى السقيفة، وكأن الروايات مجتمعة تقول أن الأنصار أقروا بحق
قريش فى الخلافة دون غيرهم !!
الثالث: قبائل العرب التى رفضت أبو بكر بعد بيعة السقيفة والذي سموا بـ (
المرتدين) لم تظهر لها وجود أو تمرد بعد موت عمر بن الخطاب أو بعد بيعة عثمان !!
الرابع: امتعاض على من منهج الشورى
فقد أظهرت معظم المصادر التاريخية أظهرت امتعاض علي بن أبي طالب
وغضبه من الترتيبات التي جرت بها عملية الشورى من المؤكد أن علي بن أبي
طالب شارك في الشورى، وحاول الوصول إلى منصب الخلافة وفق الضوابط التي أقرها عمر
بن الخطاب قبيل وفاته، لكن الروايات الواردة في المصادر السنية والشيعية تدل على
أن قبول علي بالمشاركة لم يكن باقتناع كامل أو رضا تام.
وفقًا لما يذكره ابن مسكويه في «تجارب الأمم» والطبري في تاريخه،
كان علي بن أبي طالب يعرف أن الشروط التي وضعت لاختيار الخليفة الجديد تصب في غير
مصلحته. يظهر ذلك في نقاشه مع عمه العباس بن عبد المطلب، فقد ورد أن علي بعدما عرف
بأمر الشورى قابل عمه فقال له:
«عَدَلَتْ [الخلافة] عنا. فقال العباس: وما علمك؟ قال: قرن بي
عثمان، وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضى رجلان رجلًا، ورجلان رجلًا، فكونوا مع
الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر
عثمان لا يختلفون، فيوليها عبد الرحمن عثمان، أو يوليها عثمان عبد الرحمن، فلو كان
الآخران معي لم ينفعاني».
أي إن عليًّا عبَّر عن استيائه من شروط الشورى لأنه رآها تفضي لا
محالة إلى تولِّي واحد من بني أمية، لأن قانون الشورى قال في حالة تعادل الأصوات
أن تُحسَم الشورى لصالح جانب عبد الرحمن بن عوف، وعلي رأى أن سعد بن أبي وقاص سيقف
إلى جانب عبد الرحمن بحكم النسب، وسيدعم خلافة عثمان لأنه صهره. هكذا كان علي من
البداية ممتعضًا من الشورى.
الحاصل ان على أدرك منذ البداية أن قواعد الشورى هى أشبه بالمؤامرة
ضده. فقد ورد أنه قال لعبد الرحمن بن عوف بعد أن اختار عثمان بن عفان لشغل منصب
الخلافة: «ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما
تصفون. والله ما ولَّيت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم في شأن»، وذلك
حسب ما يذكر الطبري في تاريخه، وابن الأثير في «الكامل»، وابن أبي الحديد في شرحه
لنهج البلاغة.
0 تعليقات