آخر الأخبار

عن البهرة (2)

 



 

مالك الأشتر

 

 

يعتبر منصب «داعي الدعاة» من أهم المناصب الدينية في الدعوة الإسماعيلية فهو تحت الإمام مباشرة والمسئول عن إرسال الدعاة في مختلف البلدان ومن أشهر من كانوا في هذا المنصب الداعي أبو عبد الله الشيعي داعي دعاة عبيد الله المهدي الذي حمل على عاتقه تأسيس بذرة الدولة الفاطمية في المغرب العربي وفي خلال الدولة الفاطمية كان في الغالب يكون الوزير الأول هو داعي الدعاة مثل أمير الجيوش بدر الدين الجمالي. ولا يجب الخلط بين منصب قاضي القضاة وبين داعي الدعاة فكلاهما منصبين مختلفين.

 

بعد وفاة الآمر بأحكام الله تغير الوضع بدخول الأئمة في دور الستر، والجدير بالذكر أن مفهوم الستر عند المستعلية ليس كمفهوم الغيبة الذي نقصده حين نتحدث عن غيبة الإمام الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل المقصود هو استتار الإمام وغيبته ولكن تتم وفاته بشكل طبيعي ويتم تسليم الإمامة للإمام من بعده وهكذا في سلسال أئمة غير معروفين داخل الستر، ولن تتم معرفتهم إلا بعد انتهاء هذا الدور وظهور أول إمام معلن من السلالة.

 

والجدير بالذكر أيضا أن دور الستر هذا ليس جديدا في الدعوة الإسماعيلية بل إنه حدث بعد وفاة الإمام الصادق ودخول الإمام محمد المكتوم في ستره ولم يكن معروفا مطلقا من هم الأئمة من نسله حتى ظهر للعلن عبيد الله المهدي فعرفنا أسماء الأئمة المستورين من قبله.

 

بعد وفاة الآمر بأحكام الله دخل ولده الإمام الطيب في الستر من جديد وأرسل الآمر قبل وفاته رسالة مشهورة للملكة أروى الصليحية في اليمن لتكون بذلك هي أول نائب عن الإمام في الستر وتتولى مسئولية الحفاظ على الدعوة.

 

ومن هنا يظهر مصطلح جديد في الثقافة الإسماعيلية المستعلية وهو «الداعي المطلق» وهو عبارة عن داعي الدعاة ولكن لديه كل صلاحيات الإمام وينوب عنه في كل أموره كأنه الإمام نفسه. ودوره يكون إعداد الأمة وتجهيز الدعاة حتى تصل الدعوة للوضع الذي يسمح بانتهاء الستر كما حدث مع عبيد الله المهدي. ولا يجوز لأي داعي مطلق أن يموت دون إعلان اسم من يخلفه من بعده تماما كالإمامة.

 

ومن هنا بدأ انتشار الدعوة الإسماعيلية المستعلية من جديد واستمرت مركزيتها في اليمن حتى عام 1539 م حين تولى منصب الداعي المطلق أول داعية من أصل هندي وهو يوسف نجم الدين وانتقلت مركزية الدعوة إلى ولاية كوجرات الهندية وشهدت نشاطا فعالا وانتشارا واضحا بين مسلمي الهند ولأن أغلب المستعلية في الهند كانوا يشتغلون في التجارة عبر البحار بل وسيطروا على عدد كبير من الأنشطة التجارية خصوصا تجارة التوابل الخطيرة في ذلك الزمان أطلق عليهم لقب «بهرات» أو «البهرة» والذي يعني التجار باللغة الكوجراتية القديمة.

 

ظل المستعلية مرتبطين بشكل كبير بالشرق خصوصا بمصر واليمن وكان التجار يستغلون تجارتهم وأسفارهم لزيارة ما يخص التاريخ الاسماعيلي في هذه البلدان التي شهدت ميلاد الدولة الفاطمية وانتهائها ، والحقيقة أنهم مارسوا جهدا كبيرا في استقرار دعوتهم وانتشارها وتوفير القوة الاقتصادية لاستمرارها واستقلاليتها بعيدا عن التبعية لأي دولة وابتعدوا وفق إستراتيجية دعاتهم عن اي شأن سياسي أو مواجهة حتى مع  الاستعمار البريطاني رغم انهم يعتقدون بظلمه إلا ان إستراتيجيتهم حتى الآن هي بناء الدعوة وانتشارها وبناء القوة الاقتصادية.

 

وعلى العكس من الجناح الآخر الاسماعيلي «النزاري» الذي أشرنا إليه في المنشور السابق حافظ المستعلية على الظاهر الديني وتمسكوا بالعبادات والشعائر والصلوات الخمسة والزكاة والصدقات وظهروا بشكل واضح في كل العتبات المقدسة وكانوا أكثر وضوحا رغم دعوتهم الباطنية فنالوا احتراما لدى كثير من علماء المسلمين المنفتحين لدى الشيعة والسنة.

 

ولكن ..

حدث أول اختلاف وانقسام بين المستعلية سنة 1591 م بعد وفاة الداعي المطلق داود بن عجبشاه في كوجرات الهندية وتولى من بعده الدعوة داود برهان الدين بن قطب شاه ولكن اعترض دعاة اليمن وقالوا إن الوصية كانت لسليمان بن الحسن داعي اليمن واعتبروه هو الداعي المطلق، ومنذ هذه اللحظة انقسم البهرة إلى داودية و سليمانية.

 

والجدير بالذكر أن البهرة الذين ينتشرون اليوم في مصر ونراهم في المزارات في غالبيتهم العظمى من البهرة الداودية واتخذ الداعي المطلق لدى البهرة الداودية لقب سلطان في القرن الأخير والسلطان الحالي البهرة الداودية هو مفضل سيف الدين والذي زار مصر عدة مرات في السنوات الأخيرة.

 

أما السليمانية فاتخذ الداعي المطلق عندهم لقب «المنصوب» ومركزهم الرئيسي في مدينة نجران شمال اليمن ويعرفون في الأوساط المحلية باسم المكارم ولهم مركز رئيسي لدعوتهم أيضا في مدينة أحمد آباد الهندية.

 

حدث انشقاق ثالث صغير داخل البهرة الداودية سنة 1980 في الهند حيث اعتبر البعض أن الداعي المطلق الجديد هو ضياء الدين صاحب وأطلقوا على أنفسهم البهرة العلوية وهم عدد قليل جدا موجود في الهند فقط.

 

عن البهرة (1)

يتبع..

إرسال تعليق

0 تعليقات