عز الدين البغدادي
أثارت الصفعة التي
تلقاها الرئيس الفرنسي ماكرون كثيرا من الجدل الإعلامي وعلى مواقع التواصل
الاجتماعي، وقارن كثير من الناس ما حصل هناك والإجراءات التي يمكن ان تتخذ ضد
الشخص الذي صفعه بواقع الحال في البلدان النامية وخصوصا العربية.
في سنة 1826 أرسل
محمد علي باشا بعثة الى فرنسا تضمنت أربعين طالبًا أرسلها على متن السفينة الحربية
الفرنسية لاترويت لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، واختير أزهري شاب عمره
24 عامًا ليكون مرافقا دينيا للبعثة يؤمهم في الصلاة ويرجعون إليه في أمور دينهم،
وهذا الشاب هو رفاعة بن رافع الطهطاوي. استمرت البعثة لمدة خمس سنوات، تعلم فيها
رفاعة الطهطاوي اللغة الفرنسية وترجم عددا من الكتب الى العربية، وعند رجوعه سنة 1832
ساهم بكتابات جعلته يعد احد اهم رواد ودعاة النهضة العربية. اشتغل بالترجمة في
مدرسة الطب، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية، وأفتتح سنة 1835
مدرسة الترجمة التي سميت بـ "مدرسة الألسن" وأنشأ أقساماً متخصِّصة
للترجمة (الرياضيات - الطبيعيات - الإنسانيات) وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة
الاقتصاد ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية. كما كتب كتبا كثيرة في التربية
والتاريخ، وكان من اهم الكتب التي كتبها كتابه "تلخيص الإبريز في تلخيص باريز"
أي باريس، وهو واحد من كتب الرحلات الهامة والمشوقة والتي تحدث فيها عن مشاهداته
لباريس وطباع اهلها وطريقة تفكيرهم وأمور أخرى كثيرة. ومن أجمل العبارات التي توقفت
عندها ما قاله وهو يصف دستور فرنسا وتأثيره على واقع حالهم، فقال عن الدستور: "الكتاب المذكور الذي فيه هذا القانون
يسمى الميثاق، وإن كان غالب ما فيه ليس بكتاب الله تعالى، ولا بسنة رسوله، لتعرف
كيف قد حكمت عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير المماليك وراحة العباد،
وكيف انقادت الحكام والرعايا لذلك، حتى عمُرَت بلادهم، وكثُرت معارفهم، وتراكم
غناهم، وارتاحت قلوبهم، فلا تسمع فيهم من يشكو ظلماً أبداً، والعدل أساس العمران".
العدل هو الذي يبني
الدول، وعليه يقوم العمران، وبه يبلغ الإنسان مناه ويحقق أهدافه، وبه يعرف حدود
حريته ومسؤوليته، الى الآن لم تتضح لدينا قضية الواجب والحق، بينما هناك أمم
عاشتها وتجاوزتها منذ زمن بعيد فلا تعجب ان تجد أمما متقدمة بسبب العدل، وأمم
تخلفت بسبب غياب القانون.
0 تعليقات