المجتهد العراقي
نبذة وقراءة مختصرة عن الكتاب والمؤلف
بدايةُ القول إن القراءة الموضوعية والمناقشة
العلمية للكتب والمصادر التاريخية الإسلامية ولكُلا الفريقين، وإثبات صحة أو عدم
صحة رواياتها، من قبل رجالات البحث والتحقيق، وأهل العلم والمعرفة والاختصاص، لا
تعني الإساءة للدين وللمذهب أو أنهُ ضربًا للمقدسات ورموزها كما يُصورها أو
يُفسرها البعض، بل إن هذا النوع والأسلوب من النقاش يؤدبنا ويُحرر عقولنا، ويجعلنا
أن نتأمل أو نتمعن أو ندقق بكل مايصدر أو يُقال، ويجعلنا كذلك أن نمتلك الجرأة
والشجاعة لكشف كل الحقائق دون مجاملة أو محسوبية، من خلال إعطاء السلطة والقرار
بيد العقل لا العاطفة وأتباع الهوى والأنانية، وهنا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
وليس لنا سلطة على الآخريـن أو إجبارهـم على الإيـمان بما نطرحـهُ أو ما نعتقد به..
كما وإننا هنا نريد أن نسلط الأضواء على أهم
وأشهر الكتب الشيعية (المعتبرة) والتي يعتمد عليها بعض الفقهاء ورجال العلم وخطباء
المنبر وغيرهم ألا وهو كتاب "مقتل الحسين (عليه السلام)" لمؤلفهِ أبي
مخنف الأزدي الكوفي، حيث يعدّ مقتل أبي مخنف من أقدم المقاتل التي وصلت إلينا، وما
جاء فيه قد ذكره الطبري في تاريخه أول الأمر، ثمّ تم نقل ما فيه إلى المصادر
اللاحقة، وأبو مخنف من أصحاب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كوفيٌّ من كبار
علماء التاريخ المتوفّى سنة 157 هجرية، كما وإن هذا الكتاب (مَقْتَلُ الْحُسَین)هو
أول مقتل يروي واقعة عاشوراء (الطف) دوّنه أبي مخنف بعد جيلين من حدوثها، ولأجل
شهرة مؤلفه فقد اشتهر الكتاب باسم (مقتل أبي مخنف)، ثم إن مقتل أبي مخنف كان
موجودا إلى حدود القرن الرابع الهجري كما يُنقل، لكنّه فيما بعد فُقِد أثره..!!
كسائر مؤلفات أبي مخنف، وهو كتاب موضوع وليس
مطابقا للنسخة الأصلية، ولذلك فقد حاول الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي في كتابهِ (وقعة
الطف لأبي مخنف)، أن يعطي حلّة وصياغة جديدة للمقتل الأصلي لأبي مخنف، عن طريق
تجميعه للأقوال الموجودة في تأريخ الطبري، وقد دوّنه في زمن كان الشهود الموثوق
بهم لنقل واقعة عاشوراء على قيد الحياة، كما ويظهر من الكتاب أنه لا يوجد دليل على
(تشيع أو امامية أبي مخنف) ، لكن من الواضح أنه كان من المحبين لأهل البيت (عليهم
السلام) كما يذكرهُ بعض الفقهاء في زماننا المعاصر حيث حاول جملة من المحققين أن
يعيدوا لنا صياغة مقتل أبي مخنف، عن طريـق تجميـع الأقـوال التي نـقلها الطبـري في
تـأريخه...
إلّا أنّه ممّا ينبغي أن يُشار إليه أنّ
علاقة أبي مخنف بالتشيّع (ربما) تكون علاقة علمية، وليست روحية، وإذا ما قيل إنّه (من
مؤرِّخي الشيعة) فقد يكون المقصود أنّه من المهتمّين بتاريخ الشيعة وجمع أخبارهم،
وليس بالضرورة أن يكون المقصود من هكذا عبارة أنّه كان شيعيًا بالمعنى الخاصّ
للتشيع، إلا أن كُتُب أبي مخنف ومصنفاتهِ قد أختفى أثرها و أُبيدت عن بكرة أبيها،
ولم يتبقَّ منها سوى ما نقلته الموسوعات التاريخيّة المتأخِّرة عن عصر أبي مخنف،
كموسوعة تاريخ الرسل والملوك للطبري (تـ 310ﻫ) التي نقلت عن أبي مخنف ما ينيف على (٥٠٠)
رواية في موضوعات مختلفة، حيث تحتلّ الروايات التي تتحدَّث عن عهد خلافة الإمام
علي (عليه السلام) المرتبة الأُولى، فقد بلغت (١٢٦) رواية، تعقبها (١١٨) رواية حول
حادثة كربلاء، و(١٢٤) رواية تناولت ثورة المختار، وقد حاول العديد من الباحثين
والمحققين إحياء تراث أبي مخنف من خلال استخراج مروياته من بطون المدوَّنات
التاريخية كمحاولة (حسن الغفاري)، و(محمد هادي اليوسفي الغروي) في إحيائهما كتاب
مقتل الحسين (عليه السلام) لأبي مخنف، حيث كتب الأول مقتل الحسين (عليه السلام) وكتب
الآخر وقعة الطفّ، وكلاهما متّخذان من تاريخ الطبري...
0 تعليقات