لا يزال اللاجئون الفارون إلى شرقي السودان
من إقليم تيغراي في إثيوبيا يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية والعيش حياة
كريمة في مواجهة “ما يرقى إلى استجابة غير كافية بشكل مُخزٍ لمحنتهم” على حد تعبير
أحد المسؤولين عن إيصال المساعدات إليهم.
ومن خلال تقرير ينبض بمعاناة اللاجئين، دق
جيسون ريزو، وهو منسق مشاريع في منظمة أطباء بلا حدود، ناقوس الخطر بخصوص الوضعية
الإنسانية للاجئين وسط ما وصفه بـ”لا مبالاة أحد”.
وكتب ريزو واصفا الوضع “أمامنا آلاف اللاجئين الذين فروا من منطقة
تيغراي الإثيوبية، وقد انتشر الناس فوق التضاريس السودانية القاسية ولا شيء فوقهم
سوى السماء”.
ثم تابع “بين فينة وأخرى، تندفع مجموعات
كبيرة من مئات الأشخاص بشكل محموم في اتجاه معين، على أمل الحصول على الطعام أو
الماء أو المأوى أو القليل من التعاطف البشري”.
يتدافع اللاجئون من أجل تحصيل لقمة عيش مما
توفره منظمات الإغاثة.
ويروي ريزو أن مهمته كانت صعبة وأنه كان “من
المستحيل أن تعرف من أين تبدأ، فجميع اللاجئين كانوا بحاجة إلى المساعدة”.
يقول إنه كمنسق لمشروع أطباء بلا حدود في
حمداييت (حيث يوجد اللاجئون) كانت مهمته شاقة فعليا، حيث كان عليه تقييم
الاحتياجات الطبية والإنسانية الملحة للاجئين وأهالي المناطق المعزولة من المجتمع
السوداني الذي يستضيفهم، والاستجابة لتلك الاحتياجات.
ومن خلال تقريره، نقل الكاتب قصصا مأساوية عن
أناس تعرضوا للقتل وآخرين للاعتقال أو التعدي أو الضرب أو الاغتصاب أو الإصابة
وتُركوا ليموتوا في الشوارع والمستشفيات.
قال بعضهم إنه حتى الذين تمكنوا من تفادي
أسوأ ما في النزاع كانوا لا يزالون عرضة لممارسات تمنعهم من التنقل بحريَّة أو
التحدث بلغتهم الأصلية.
يصف ريزو وضعهم في السودان بالقول: “بعد
الوصول إلى السودان، ساد نوع من الهدوء الهش والمتوتر في آن معا على اللاجئين في
هذه الأيام الأولى، كان هناك شعور مستمر بالصدمة والخسارة واليأس حيال الانفصال عن
الأسرة والمجتمع والوطن”.
في المقابل، يقول الكاتب ذاته، كان هناك أيضا
امتنان عميق للشعب السوداني الذي فتح منازله وقلبه لجيرانه من تيغراي.
الأطفال والعائلات في أمس الحاجة لتضامن
المجتمع الدولي يقول ريزو نقلا عن أحد قادة المجتمع المحلي في حمداييت: “لا توجد
عائلة سودانية واحدة لا تستضيف لاجئين في منزلها”.
ويضم طاقم أطباء بلا حدود أطباء وممرضين
وقابلات وصيادلة ولوجستيين ومثقِّفين صحيين ومترجمين وغيرهم، وهم من اللاجئين ومن
المجتمع السوداني على السواء.
عمل مضن
يلفت ريزو إلى أن العمل مع منظمة أطباء بلا
حدود كان بالنسبة للكثير من أفراد طاقمه من اللاجئين “يشكل إلهاءً مستَحَباً
يصرفهم عن مصادر قلقهم العديدة”.
يقول: “أحد موظفينا اللوجستيين لم ير زوجته
ولم يسمع خبراً عنها منذ أشهر، ولا يعلم ما إن كانت ميتة أو ما زالت حية في
تيغراي، وآخر فقد معظم مدخراته عندما تعرضت صيدليته الخاصة للنهب والتدمير”.
ثم تابع مؤكدا بأن آخرين أوقفوا دراستهم
الجامعية، وهم قلقون لمعرفة متى أو كيف سيستأنفون دراستهم “لكنهم جميعا عاكفون على
عملهم، بينما يتلقون كلمات الدعم والتعاطف من زملائهم السودانيين” وفق تعبيره.
ما زالت هناك احتياجات هائلة، وفق تقرير
ريزو، إذ يواصل اللاجئون الوصول إلى السودان من معبر حمداييت، حتى لو بأعداد أقل
من ذي قبل.
وقد سُحبت الموارد باتجاه المخيمات الدائمة،
ما ترك الناس في حمداييت بدون المواد الإغاثية اللازمة لتلبية احتياجاتهم.
فهناك نقص” إن لم يكن غياب لأشياء أساسية” مثل
فُرُش النوم والبطانيات والمأوى المستقل لكل أسرة والطعام الملائم المعتاد لدى
اللاجئين والمعلومات الأساسية التي تتيح للناس اتخاذ قرارات مستنيرة.
وينطبق الأمر ذاته على الخدمات الخاصة
والمناطق الآمنة لرعاية القاصرين غير المصحوبين، والمسنين والمعاقين والضعفاء.
ويشعر العديد من اللاجئين ألا أحد يهتم
بوضعهم (المجتمع الدولي)، على الرغم من مناشداتهم “وهو أمر يثير استياءهم” على حد
وصف التقرير.
حافلات متهالكة
يقول ريزو في تقريره إن ذلك الإحساس نابع من “غياب
الحس الطارئ في حمداييت مغلَّف للأسف في استراتيجية يشار إليها على أنها ’النموذج
التشغيلي سريع الاستجابة لحالات الطوارئ‘.
وبتأييد من المفوضية السامية للأمم المتحدة
لشؤون اللاجئين وشركائها والسلطات السودانية، فإن هذا النموذج يصنف حمداييت كموقع
لا ينبغي أن يتلقى فيه اللاجئون إغاثة شاملة لأنهم، من الناحية النظرية، لا يمكثون
أكثر من 72 ساعة قبل نقلهم إلى الداخل إلى مخيم دائم.
وينتقد ريزو هذا الوضع بالقول “في الواقع،
فكرة أن اللاجئين المنهكين والمصابين بصدمات نفسية يمكن أن يعبروا إلى السودان
ويركبوا حافلة متهالكة بسرعة إلى مخيمات داخلية، مقاربة غير واقعية وقد ظهرت
بالفعل مكامن الخلل فيها بوضوح خلال تدفقات اللاجئين السابقة، كما في بنغلاديش
مثلاً في عام 2017، وفي منطقة ليبين في إثيوبيا في عام 2011.
حافلات متهالئكة لنقل اللاجئين إلى شرق
السودان
وبدلا من البقاء لمدة 24-72 ساعة، تظل
الغالبية العظمى من اللاجئين في حمداييت لأسابيع أو شهور بدون تلقي جميع الخدمات
الأساسية والإغاثة التي يحتاجونها.
يقول ريزو في هذا الصدد إن اللاجئين الذين
يتمكنون من الهروب من الحرب في تيغراي يجدوا أمامهم سلسلة لا داعي لها من المعاناة
والإهمال المستمر عبر الحدود.
يقول: “بعد خمسة أشهر، ها أنا أترك السودان
قلقاً أكثر من أي وقت مضى بشأن ما ينتظر اللاجئين الفارين من تيغراي. قصصهم
ودموعهم وإصرارهم، يتبادر كل ذلك إلى ذهني وأنا أدرك أن محنتهم في شرق السودان لن
تدوم إلى الأبد.
وجيسون ريزو، منسق مشاريع يعمل مع أطباء بلا
حدود منذ عام 2017 وقد عمل في السودان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية
وليبيا وضمن بعثة أطباء بلا حدود للبحث والإنقاذ المعنية باللاجئين والمهاجرين فى البحر الابيض المتوسط.
0 تعليقات