عز الدين البغدادي
جابر بن حيان
كيميائي عربي معروف، يعتبر أبو علم الكيمياء، بل سميت الكيمياء "صنعة جابر"
بسبب ارتباط اسمه بها وبسبب ما قدمه فيها.
وقد ذكر عنه أنه تتلمذ على يد حربي الحميري ثم تأثر بعد ذلك بالإمام جعفر
الصادق وآرائه وتتلمذ على يديه ودرس بعض العلوم الدينية كما درس على يديه الكيمياء
وأشار جابر كثيرا إلى الإمام جعفر (ع) في كتبه وكان يلقبه بسيدي جعفر. وقيل بأنه
دخل بعد ذلك مدخل الصوفيين ومال إلى الصوفية ولقب بالصوفي. كان جابر صديقا مقربا
من البرامكة وعندما اغتاظ هارون الرشيد من البرامكة بطش بهم وفر جابر وعاش متسترا
في مدن كثيرة وأكثر ما عاشه في الكوفة وفى نهاية حياته عاد إلى طوس حيث مات ودفن هناك
عن عمر يناهز التسعين عاما.
لكن هناك من شكك في
وجود هذا الشخص بل نفى ان يكون له وجود. لا سيما وأن النجاشي والطوسي لم يترجما له
في فهرسيهما! الا ان هذا ربما يرجع لكون الرجل ليس ممن يكتب في الحديث أو الفقه او
نحو ذلك فلذلك لم يذكراه.
كما ان ابن تيمية له
تشكيك بوجود الرجل أو اعتبار قوله فقال: وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة
عند الكيماوية؛ فمجهول لا يعرف، وليس له ذكر بين أهل العلم والدين.
وقال عنه ساحر من كبار السحرة اشتغل بالكيمياء والسيمياء
والسحر والطلسمات. والسبب هو ان الكيمياء كان ينظر إليه كثير من الناس على أنه من
العلوم الغريبة، وبأي حال فإن ابن تيمية قاس منهج الرجل على المنهج السائد عند أهل
الحديث، فاستغرب من عدم ذكره بين أهل العلوم الدينية.
وعموما فقد صرح ابن
خلكان (ت:608هـ) بأنه تتلمذ على يد الإمام الصادق ع فقال: كان تلميذه أبو موسى
جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي قد ألف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر
الصادق وهي خمسمائة رسالة.
كما ذكر ابن النديم في الفهرست أن جماعة ينكرون
وجود جابر بن حيان، ويعتقدون إن هذه
المصنفات صنفها الناس ونحلوه إياها، الا ان ابن النديم لم يرض ذلك وقال في رده: والرجل
له حقيقة وأمره أظهر وأشهر ، وتصنيفاته أعظم وأكثر . ولهذا الرجل كتب في مذاهب
الشيعة أنا أوردها في مواضعها ، وكتب في معاني شتى من العلوم قد ذكرتها في مواضعها
من الكتاب.
والرجل شيعي قطعا،
ومعظم سائله وربما كلها مصدرة باسم أستاذه جعفر حيث تجد في أولها تكرار عبارات من
قبيل: قال لي جعفر عليه السلام وألقى عليه جعفر وحدثني مولاي جعفر عليه السلام
وقال في رسالته الموسومة بالمنفعة أخذت هذا العلم من جعفر بن محمد سيد أهل زمانه.
الا ان الراجح انه
كان اسماعيليا، وهو ما يفسر سبب عدم ظهوره واختبائه المستمر بسبب ما هو معروف من
سيرة كثير من دعاتهم من التستر والتكتم حتى عرف عنهم عدد من الأئمة باسم الأئمة
المستورين، وهناك من نكروا ذلك وأصروا على انه كان اماميا.
وكانت كتبه في القرن
الرابع عشر من أهم مصادر الدراسات الكيميائية وأكثرها أثراً في قيادة الفكر العلمي
في الشرق والغرب، وقد انتقلت عدة مصطلحات علمية من أبحاث جابر العربية إلى اللغات
الأوروبية عن طريق اللغة اللاتينية التي ترجمت أبحاثه إليها وعرف باسم "Geber او Yeber".10.
وصفه ابن خلدون في
مقدمته عند حديثه عن علم الكيمياء فقال: " إمام المدونين جابر بن حيان حتى
إنهم يخصونها به فيسمونها علم جابر و له فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالألغاز".
قال عنه أبو بكر الرازي في «سر الأسرار» :« إن جابراً من أعلام العرب العباقرة وأول
رائد للكيمياء»، وقال عنه الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون: " إن جابر بن
حيان هو أول من علّم علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء"، وقال عنه
العالم الكيميائي الفرنسي مارسيلان بيرتيلو في كتابه (كيمياء القرون الوسطى):
" إن لجابر بن حيان في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق"!
ومن أهم الإسهامات
العلمية لجابر في الكيمياء، إدخال المنهج التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع
القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي (Alkali)، وماء الفضة.
وهو كذلك صاحب الفضل
فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس، ومن أهم إسهاماته
العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث
والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها. فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم
التطبيقية. وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن وتحضير الفولاذ وصبغ
الأقمشة ودبغ الجلود وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد
المنغنيز في صنع الزجاج.
وقد طبعت خمسائة
رسالة منها في ألمانية قبل ثلائمائة سنة وهي موجودة في مكتبة الدولة ببرلين ومكتبة
باريس.
والغريب ما قاله
بيير لوري: إنّ سلسلة التراث المنسوب إلى (جابر) يحتمل أن يكون من تأليف جماعة من
الكيميائيين، مارسوا نشاطهم لما يزيد على المئة عام، ولذلك فإنه يستعمل الاسم
الخاصّ لـ «جابر بن حيّان» للدلالة على الجماعة التي ألّفت هذا التراث".
وهذا كلام بعيد لأنه
كيف يمكن ان تحرز اتفاق عدد كبير من الكيمائيين ولدة مائة عام على ان يشتغلوا
ويكتبوا باسم شخص وهمي، ثم لماذا يختارون اسم شخص وكان من الأقرب لمنطق الواقع ان
يختاروا اسما لجماعة كما فعل جماعة "اخوان الصفا"، ثم ان الكاتب له بصمة
ومنهج في الكتابة بحيث يمكن ان تكشف ان كاتب هذا النص غير كاتب هذا النص، فكيف لم
يشعر أحد بوجود اختلاف وتفاوت فيما وصل، فلا مجال لنفيه وعلاوة على ذلك مؤلفاته
الكثيرة التي تدل على حقيقته مضافا لشراح مؤلفاته الذين لم يترددوا بنسبتها إليه .هذا
فضلا عما تركه من تراث كبير، فلا معنى للقول بأن هذه الرسائل ترجع الى شخصية
مجهولة أو مخترعة.
ومع ذلك حتى لو
افترضنا انه شخصية وهمية فإن هذا سيدل على ان عدد المشتغلين بالكيمياء كبير جدا،
وان منهج هذا العلم كان واضحا ومتبلورا بحيث وجد عدد كبير من اهل هذه الصنعة كما
كانت تسمى يشتغلون بها وفق منهج تجريبي متقدم.
ملاحظة: موضوع
المنشور هو عن وجود أو عدم وجود شخصية جابر بن حيان وأنا إثبات أو نفي
تتلمذته الإمام الصادق فأمر آخر فأرجو عدم
الخلط بينهما لأنهما مختلفان.
0 تعليقات