الكاتب
ما هو تفسير آية رب
أرني كيف تحيي الموتى؟
يقول الله تعالى: “وَإِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ
تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً
مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ“. (البقرة-261)
لقد دعا سيدنا
إبراهيم عليه السلام قومه للإيمان بالله تعالى ليلا ونهارا سرا وجهارا، ولم يدخر
جهدا ولا ترك من وسيلة إلا وجربها من أجل ثنيهم عن عبادة الأصنام وإخراجهم من
ظلمات الجهل والوثنية إلى نور الإيمان والحياة الروحانية.
إلا أن قومه عليه
السلام أصروا على التكذيب والصدود مفضلين إتباع ممارسة الطقوس الميتة الموروثة من
الأجداد على الاستجابة لنداء السماء والإسلام لرب العالمين بما هو كفيل بإحيائهم
وإعادة الروح لعباداتهم.
لم يكن سيدنا إبراهيم
عليه السلام مشككا في أن الله عز وجل الذي بعثه كفيل بنصرته وقادر على توفيقه
لإكمال رسالته وإنجاحها، إلا أن حسرته على قومه وأوضاعهم المؤسفة من جهة، وحماسته
ليريهم ما رأى من جهة أخرى لم تتركا له بدا من من التوجه لله تعالى بحرقة وألم
سائلا إياه عن ما إذا كان في هذا القوم من خير يجعلهم جديرين بقبول الإيمان، وما
إذا كانت هناك من إمكانية لإحيائهم وتحقق وعود النصرة فيهم.
فسأل حضرته الله
تعالى عن كيفية إحياء هؤلاء الموتى- أحياء الأجساد موتى الأرواح- فكان جواب الله
تعالى: “ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ
عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا” ..
و هذا درس تربوي غاية
في الأهمية، ولعله صار اليوم من أساسيات علم التربية. وهو يستدعي أربعة مراحل:
1. “فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ“: والمقصود منه باختصار أن يختار سيدنا إبراهيم أناسا
ذوي حواس روحانية وقلوب طاهرة مستعدة للإيمان والتحليق في سماوات الروحانية تماما
كما تحلق الطيور في السماوات المادية ..
2. “فَصُرْهُنَّ
إِلَيْكَ“: ومعناه أن يعمل سيدنا إبراهيم عليه السلام بنفسه على تربية هذه الطيور
الروحانية وتزكيتها وتعليمها بتودد وتلطف حتى يحببها إليه فتكون قادرة على التأثر
به والانجذاب إليه بفعل قوته الروحانية، تماما كما تتم تربية الطيور في البيت. وهذه
الطيور هي من قبيل حواريي المسيح وصحابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
3. “ثُمَّ اجْعَلْ
عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا“: هذه الطيور الروحانية بعد تربيتها
وتزكيتها تكون مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس من أجل إيمانها، وعندها يجب أن ترسل
إلى أقطار متباعدة، كي تبدأ عملها في تبليغ رسالة الإيمان ودعوة الناس للإيمان
بالنبي المبعوث. والجبال هنا قد تنطبق على سادة الأقوام فكثيرا ما كان العرب
يطلقون الجبل على سيد القوم.
4. “ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْيًا“: كأي درس تربوي، فلا بد من اختبار الطلاب من أجل التأكد من
نجاح الدرس، وهذه هي المرحلة الأخيرة في هذا الدرس الإلهي العظيم، حيث أن نجاح
سيدنا إبراهيم في تربية أطهار قومه وتزكيته كفيل بأن يجعلهم مرتبطين به ارتباطا
روحانيا ومستعدين للاتصال به والسعي وراء ما يأمر به، هم ومن آمن معهم.
و يجدر التنويه هنا
إلى أن سؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام الله تعالى عن إحياء الموتى ليس خاصا به أو
مرتبطا بدعوته دون غيرها، فكل الأنبياء يبعثون من أجل إحياء موتى أقوامهم وبعث روح
الإيمان فيهم.
فقد قال الله تعالى
عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ
يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” (الأنفال-25)
فواضح هنا أن الحديث
عن إحياء موتى الروح لا موتى الجسد، خصوصا مع وجود قرينة “أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ” في ذات الآية.
كذلك قال الله تعالى
عن سيدنا عيسى عليه السلام: “وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ
جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ
وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ” (آل
عمران-49)
و هنا أيضا يذكر الله
تعالى أن المسيح عليه السلام يحيي الموتى ويبرئ الأمراض الروحانية، بل ويخلق من
بشر طينيين طيورا روحانية تماما كما علم الله سيدنا إبراهيم تربية هذه الطيور
وتزكيتها.
0 تعليقات