آخر الأخبار

صراع البدو في نفق البرلمان!

 


 

عامر بدر حسون

 

انحشر باص في احد أنفاق المدينة فلم يعد بإمكان سائقه التراجع أو التقدم.

 

وانقسم الركاب، بحكم تربيتهم، إلى فريقين:

 

فريق يريد أن يحطم جزءا من النفق كي يستطيع الباص التراجع، وفريق يقول بتحطيم سقف الباص كي يستطيع التقدم!

 

ولان الركاب عراقيين فلم تنقصهم البلاغة والحجة والصوت العالي، وحتى التهديد بالقتال، لإثبات أن رأيهم بالخلاص هو الصح..

 

فهذا يريد ان يضحي بالدولة (ممثلة بالنفق) وذاك يريد ان يضحي بالحكومة (ممثلة بالباص) والمهم هو ان يمشي كلامه وينتصر!

 

*

 

لم يتوصل الطرفان الى حل وارتفع صراخهما وتحول الى الضرب احيانا.. واتهموا بعضهم البعض بالعمالة لصاحب الباص أو العمالة لأصحاب النفق! وكل من تحدث فيهم قدم الأدلة القطعية على كلامه!

 

لم يستطع احد منهم ان يفكر بحل ثالث أو عاشر فالرأي الصائب عند فريق: تحطيم سقف الباص وعند الآخر تحطيم جزء من النفق!

*

 

هكذا اعتاد الركاب حل مشكلاتهم اليومية مهما صغرت.. ولم يتعود عقلهم على التفكير والبحث عن حل ثالث.

 

وعندهم ان من يتراجع عن رأيه، وان كان خاطئا، هو جبان ومهزوم.. والرجل الرجل فيهم هو من يفرض رأيه على أصحاب الرأي الآخر (وهم عملاء وأعداء كما تعرفون)!

 

وهم في غالبيتهم نسوا ان السياسة هي الحل الوسط وليس الانتصار الساحق.

 

ثقافتهم ومعرفتهم أصلا ومنذ القدم كانت محددة دائما بخيارين، إذ ما دام هناك ليل ونهار وبارد وحار واسود وابيض فان الحل لأية مشكلة لا يمكن ان يتجاوز هذه الثنائية في التفكير.

 

ثم إنهم نسوا المشكلة أصلا وتمسكوا بأفكار التحطيم!

 

ولا غرابة.. فهم أبناء ذلك البدوي الذي يفكر بالنصر لا بعدالة القضية التي يدافع عنها!

 

*

 

وكما في كثير من الحكايات فان طفلا تسلل الى حكايتنا هذه، وحاول ان يعبر عن حل ثالث.. لكنه كان يمنع ويقمع باستمرار.

 

واستغل الطفل صمتهم الموقت وصرخ:

 

- الحل هو ان نفرغ قليلا من هواء العجلات! الحل هو ان ننفس الهواء قليلا!

 

وبلحظة انهارت كل بلاغة الدفاع عن أفكار وحلول الركاب المتخاصمين.

 

وفيما ذهب السائق الى عجلات باصه ليبدأ بتنفيسها.. انصرف المتخاصمون الى ما تعلموه من هذه التجربة:

 

- الآخر مخطئ وعميل!

*

 

أظن إنني نشرت هذه القصة قبل سنوات في سياق آخر، وخطرت ببالي اليوم وأنا أرى صراع الدولة من جهة والحكومة من جهة أخرى، وهو يدار من الطرفين بطريقة البدو أو طريقة ركاب الباص!

 

وحتى عالم النشر في الفيسبوك والإعلام بقي محصورا بين هذين الرأيين:

- تحطيم الحكومة او تحطيم الدولة!

 

والمحزن هنا ان لا طفل في واقعنا.. فهو ان وجد سيخنقه البدوي الباحث عن الانتصار دائما لا عن الحل!

إرسال تعليق

0 تعليقات