مأمون الشناوي
لم تعرف ابن تيمية ولا فتاواه ، ولا ابن باز ولا
العريفي والسديسي والحذيفي والخريبي ، ولا قرأت الظلال ولا معالم في الطريق !!.
ولكنها كانت مُسلمة
صحيحة الإسلام !!.
كانت تدير البيّت
والأرض ، وتخالط الرجال وتصافحهم ، وتستقبل ضيوف أبي حتي في غيّبته ، تجالسهم في
حجرة الجلوس وتقدم لهم الشاي المُعطر والمُعتق كالسُلافة ، تحادثهم وتمازحهم
وتستمع إليهم وتقدرهم حق قدرهم ، فقد كان جُلهم من المشايخ حفظة القرآن الكريم
وسدنته !!.
وكانت زوجةً لشيّخ
تقيّ نقيّ ، عابد سائح ، لايكف فمه عن التسبيح وتلاوة القرآن ، فيختمه كل عشرة
أيام ، وظلّ يؤم الناس مُتطوعاً سبعين سنة ، وفي كل ركن مِسبحةٌ مُعلقة ومُصحفٌ
وسجادةُ صلاة !!.
كان والدي شافعيّ
المذهب ، وهي لاعلاقة لها بذلك ، فالدين عندها مثل الماء ؛ لا لون ولا طعم ولا
رائحة ، ولكنه يَروّيك ، الدين عندها عمل ونجاح وإخلاص ووفاء ومعاملات وأخلاق !!.
وكثيراً ماكانت
تداعب الوالد وتشاكسه ، إذ كان يتوضأ لصلاة المغرب ثم يظل يذكر الله ويفرك مسبحته
حتي صلاة العشاء ، فيُصليها بوضوء المغرب ، خاصةً في شتاء طوبة وبردها القارس ،
وكان يعتقد وفق مايقوله الإمام الشافعيّ بأنه إذا لمسته إمرأة بطل وضوؤه ، حتي
زوجته ، فكانت هي تتعمد أن تلمس يده بزعم دعوته للعشاء ، فينزعج في كل مرةٍ ويُصمم
علي تجديد وضوئه مُبتسماً ومُتسامحاً !!.
كانت ترتدي الطرحة
الشيفون التي تجعل وجهها مُستديرا كالبدر الذي أُشتق من اسمها ، وجلباباً من
القطيفة عند خروجها وسفرها !!.
كانت تسهر لتستمع
إلى أم كلثوم في حفلاتها ، وتحرص علي استضافة صديقاتها من الجيران لسماع مُسلسل
الإذاعة اليوميّ عقب نشرة أخبار الخامسة مساءً !!.
كانت تدير شؤون
تعليمنا وصحتنا وحياتنا ، وتملأ البيّت بالطيور ؛ فحيّثما أسندت رأسك فثمةَ حمامةٌ
تبيض أو دجاجةٌ راقدةٌ علي بيّضها أو أفراخٌ من الرومي يتبعون أمهم أو قطيعٌ من
الأرانب الصغار يُغادر جُحره !!.
وكان البيّت عامراً
بخيرات الله ؛ فأعلي سطحه ترقد بلاليص الجبنة القديمة والعسل الأسود ، وفي منتصف
البيّت حجرة خُصصت للبن ومُنتجاته ، لا يعرف أين مفتاحها إلا هي ، حيّث تحتفظ به
في مكان آمن يستحيل لأحد الوصول إليّه ، وكانت تمنع مَن يدخلها إلا إذا كان طاهراً
فاللبن لايُحب عدم الطهارة وفق ما كانت تعتقد !!.
كانت أمي مُسلمة يا
شيخ يعقوب !!.
تعرف قيمة العلم
والتعليم ، وهي التي باعت فداناً من أرضها لتلحق أخي الأكبر بالمدرسة الابتدائية ، في زمن لم يكن يتعلم فيه
إلا القادرون وأولاد الباشوات !!.
كانت أمي مُسلمة يا
شيخ يعقوب !!.
تحب جيرانها وتودهم
وتجاملهم في أفراحهم وأتراحهم ، وتكرم أهلنا وتحتفي بالضيوف ، وتوزع نصف المحصول
قبل أن يدخل البيت !!.
كانت أمي مُسلمة يا
شيخ يعقوب !!.
تحرص علي درس
الأربعاء في المسجد كل أسبوع ، لكنها كثيراً ما اصطدمت بالشيّخ مُعترضة علي شطحاته
واستهباله مثلك تماماً !!.
كانت أمي مُسلمة يا شيخ يعقوب !!.
لكنها مُسلمة مصرية
، لا وهابية ولا سلفية ولا شيعية ولا إخوانية ولا طعمية ، مُسلمة مصرية يا
مُسيّلمة عصرك !!.
فانصرفوا عنا ،
وأعيدوا لمصر وجهها الحقيقي الناصع المضئ الذي يُشبه وجه أمي الجميل المستدير مثل
البدر ، والذي أُشتق من اسمها !!.
0 تعليقات