عز الدين البغدادي
هناك نقاش وكلام يتكرر كل سنة يقول بأن الشيعة تحملوا كثيرا من ظلم
العثمانيين وإجرامهم ولمدة أربعة قرون، لكن بمجرد أن احتل الانكليز العراق ثارت
عشائر الجنوب والفرات بوجوههم سواء عند دخولهم العراق كمحتلين أو فيما عرف بثورة
العشرين التي اندلعت في مثل هذا اليوم 30 حزيران، اعتمادا على فتاوى رفضت الخضوع
الإنكليز بينما كانت تبرر البقاء تحت ظلم العثمانيين لأنهم مسلمون. هذا رغم أن
الانكليز هم من أسسوا الدولة العراقية الحديثة وهم من بنوا كثيرا من الدوائر
والمنشآت في العراق، والمصيبة أن الشيعة لم يستفيدوا شيئا من ثورتهم التي كسب
غيرهم نتائجها.
طبعا لا يمكنك ان تحاسب الناس على مواقف تاريخية وفق رؤيتك الآن لأن الفكرة
السائدة فقهيا وإلى الآن التمييز بين السلطة المسلمة والكافرة، وبرأيي أن هذه فكرة
غير صحيحة لأن وجود الاحتلال كاف لرفضه سواء كان من جهة تدعي الإسلام أو لا تدعيه.
العثمانيون فرضوا أنفسهم على العراق وسائر بلاد العرب بالقوة والبطش وكانت
هناك مقاومة ورفض لا سيما في الجنوب لكنها قمعت كلها. لكن بأي حال فان وجود ظلم
عثماني لفترة طويلة لا يبرر القبول بظلم بريطاني والا لن يختلف الأمر عما كان يقال
لمن يقاوم الأمريكان بأنكم قبلتم بحكم صدام فلماذا صرتم الان تبحثون عن الحرية؟
رغم ان وجود ظلم سابق لا يبرر ظلم من يأتي بعده.
ولهذا جاءت ثورة العشرين التي
تركزت في الفرات الأوسط وشاركت فيها عشائر الجنوب والغربية وديالى وتلعفر
والسيمانية وغيرها، وإذا كان العامل الديني محركا لها فهذا شيء جيد بالتأكيد، وليس
نقطة ضعف.
لا يوجد في كل قواميس التاريخ والجغرافية والسياسة ان دولة محتلة ساعدة
دولة وقعت تحت الاحتلال، الاحتلال أساسا استغلال وسرقة ثروات ومن يجادل في هذا فهو
يجادل في أوليات السياسة التاريخ معا، وأخيرا تأسيس الدولة العراق ليس من الانكليز
بل من القوي الموقف المعارض لهم والا فان سوريا ولبنان لم تحصلا على استقلالها الا
بعد ربع قرن كما ان دول إفريقيا لم تحصل على استقلالها الا بعد ما يقارب 40 سنة.
مشكلة الشيعي ليست بما تتصوره بل هي مشكلة اكبر وأعمق والدليل ان السلطة الآن
بيد الشيعة فماذا حصل؟ وتصور لو ان الأمر كان كذلك قبل مائة سنة؟ الخطأ ليس في
الثورة بل فيما بعدها، والشيعة يقاتلون لكن لا يحكمون وهذه مشكلتهم من زمن بعيد لأنهم
أدمنوا المعارضة. عموما انا ضد الشعارات الرنانة لكن هناك فرق كبير بين الشعارات
والقيم الحياتية كالأمانة والكرامة والإنسانية والشرف وهي قيم لا بد منها لاستمرار
الحياة الإنسانية الكريمة ولكي يرتفع الإنسان فوق مستوى التفاهة.
0 تعليقات