علي الأصولي
سلم المشهور السني حول قصة عائشة وزواجها على
أنها كانت صغيرة تبعا لمروياتهم التي إفادة وبحسب ما روت هي نفسها أنها كانت تلعب
بالدمى ولم يمنعها النبي(ص) كما في حادثة حدثت غزوة خيبر وعمرها (14) آنذاك أو
تبوك وعمرها (16).
وقالوا: قد بنى النبي(ص) بها بعد أن بلغت مبلغ
النساء وهي بنت (9) سنين. بقصة مشهورة: هي روتها: ومفادها : أن أم رومان جاءتها
وهي تلعب بأرجوحة مع صويحباتها وأخذتها على باب دار فيه نسوة من الأنصار وأصلحن
شأني إلى آخر ما قالت: فأسلمتني إليه - وتقصد النبي - وأنا يومئذ بنت تسع سنين،
انتهى : هذا ما نص عليه البخاري ومسلم وعلى لسان عائشة،
وقد تفص أهل السنة من إشكالية صغر عائشة وهذه
القصة بتخريجة مفادها: أن عائشة مع كونها كانت تعلب الأرجوحة مع صويحباتها إلا
أنها بلغت ما تبلغ النساء بلحاظ صلاحيتها للزواج وتوابعه في هذا السن، ولذا قالت
عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة، على ما ذكره الترمذي في - سننه - وهذا
ليس معناه أنها بلغت المحيض وصارت مكلفة وإنما معناه صلاحيتها للزواج في الغالب.
فيكون لها حكم المرأة في مثل هذه الأمور وما
يتصل بها. وعلى هذا القول ذهب ابن قدامة في - المغني - بقول - المراد به حكمها حكم
المرأة - انتهى: وشارح - الموطأ - عبد الكريم الخضر - إذ قال: المرأة في عرفهم لا
يقتصر على المكلفة بل إذا بلغت البنت تسعا فهي امرأة، انتهى: بالتالي عليه الفتوى
عند أهل السنة على مسألة نكاح الصغيرة.
وفي قبال هذا المشهور الذي لولا البخاري
ومسلم لما اشتهر توجد قراءة أخرى وتكذيب دعوى طفولة عائشة وعمرها حين الخطبة
والزواج ذكرها أحد كتاب مصر وهو إسلام البحيري وتبعه جماعة وهذه القراءة بل وقدم
المفكر الكاتب المصري الشيعي محمود جابر مقالا حول نفي القراءة والرأي الرسمي المشهوري السني وزواج عائشة في سن التاسعة، وهذه القراءة أجريت بعد عملية حسابية
تاريخية للأعمار ومناقشات سندية ومنها متنية ودعوى المشهور .
وكيف كان: اعتبرت بعض القراءة التحقيقية
الإمامية أن قصة عائشة وطفولتها وألعابها وأرجوحتها، اعتبرت أن مثل هذه القصص كانت
بابا للمطاعن على شخص النبي(ص) بصرف النظر عن مسؤولية من خلق القصة هل هي نفس
عائشة أو من جاء بعدها من آل أمية أو البخاري ومسلم أو غيرهم بالتالي هناك مؤامرة
حيكت على شخص النبي(ص) للنيل منه في مثل هذه النقولات، ومنشأ الشك في أصل النقولات
أمور:
أولا: روي عنها ابن أختها - عروة - أنها حين
الزوج كانت بنت ست سنين وروي أيضا من نفس الشخص عنها أنها كانت بنت سبع سنين.
ثانيا: رواية البخاري عن هشام عن أبيه. أن
خديجة توفيت قبل مخرج النبي(ص) إلى المدينة بثلاث سنين. فلبث سنتين أو قريبا من
ذلك. ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها - يعني دخل بها - وهي بنت تسع سنين - الصحيح
ج4 –
ومع أن هذا الحديث مرسل على ما أفاد ابن حجر
وهو مروي عن نفس عائشة. إلا أنه اخذ به
لأن راويه أعرف بأحوالها - فتح القدير في شرح الصحيح ج7 –
ومفاد هذا الحديث: هو أن عائشة تزوجت في
السنة الأخيرة قبل الهجرة لأن النبي(ص) لبث لا يتزوج بعد خديجة سنتين أو قريبا
منها.
وكانت خديجة قد توفيت قبل ثلاث سنين من
الهجرة ثم إنه(ص) قد بنى بعائشة وهي بنت تسع.
مما يعني أن ذلك وقع بعد مضي سنتين من الهجرة
وإذ ذاك تكون فترة مكوثها عند النبي(ص) لا تتجاوز ثماني سنين. لأنه(ص) قد التحق
بالرفيق الأعلى السنة العاشرة.
وهذا
يغاير ويباين ما ذكرته عائشة في حديث مسلم من أنها قد زفت ولعبها معها. وهي بنت
تسع سنين. وقد مات عنها النبي(ص) وهي بنت ثمان عشرة. ما يعني أنها مكثت عنده تسع
سنين وهو الذي أكدته في حديث آخر رواه البخاري عن هشام عن أبيه عن عائشة أيضا: أن
النبي تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعا - صحيح
البخاري ج6 - فالحديثان يكذبان بعضهما بعضا. فإن صح الأول لما كانت فترة مكوث
عائشة عند النبي(ص) تبلغ تسعا. ولو صح الثاني، لما كان النبي(ص) قد تزوجها في
السنة الأخيرة قبل الهجرة وبعد وفاة خديجة بسنتين. بالتالي لوجود هذا التناقض
المروي بنفس الطرق عن ابن أختها هشام بن عروة كاشف عن وجود اختلاق للقصة كما إفادة
هذه القراءة الشيعية.
ثالثا: قول عائشة أنها روت عن النبي(ص) اللهم
اعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة، كما في - مستدرك الحاكم ج3 –
مع أن إسلام عمر كان في السنة السادسة من
البعثة أي قبل سبع سنوات من الهجرة وقد تقدم أن عائشة كانت بنت ست سنين في السنة
الأخيرة من الهجرة ما يعني أنها قبل سبع سنوات من الهجرة كانت لا تزال في بطن أمها
أو أنها طفلة رضيعة فكيف سمعت بحديث مباشر من النبي(ص) بتعزيز الإسلام بعمر !
فإن كان صحيحا ما أدعته من صغر سنها حين
الزواج وأن لم يكن صحيحا تم المطلوب وهو أنها كانت كبيرة حين الزواج بحسب هذه
القراءة.
رابعا: زعمت عائشة أنها كانت جارية تعلب حين
نزلت الآية - بل الساعة موعدهم والساعة ادهي وأمر
- البخاري ج6 –
على ما ذكر البخاري بسنده عن يوسف بن ماهك
قال: إني عند عائشة أم المؤمنين قالت: لقد انزل على النبي(ص) بمكة واني لجارية
العب.. الخ الآية ..
إلا أن المفسرين وابن عباس قالوا: كان بين نزول هذه
الآية وبين بدر سبع سنين - تفسير القرطبي - ويستلزم ذلك أن يكون زمان نزول الآية
قبل الهجرة بخمس سنين لأن معركة بدر وقعت السنة الثانية من الهجرة وبناء على مدعى
عائشة أعلاه يكون عمرها سنة أو سنتين حين نزول الآية وهذا لا يستقيم وفرض أنها
تزوجت بنت ست أو سبع سنين وكانت تعلب حين نزول هذه الآية.
خامسا: علق ابن قتيبة على حديث عائشة في
زواجها بنت تسع سنين وبقيت إلى خلافة معاوية وتوفيت سنة ثمان وخمسين وقد قاربت
السبعين. فقيل لها ندفنك عند رسول الله؟ فقالت: إني أحدثت بعده! فادفنوني مع أخوتي
فدفنت بالبقيع وأوصت عبد الله بن الزبير - المعارف ج1 –
وهو قول البري وابن عبد ربه والمقدسي. وعليه
يكون عمر عائشة في السنة الأخيرة قبل الهجرة مقاربا لاثتي عشر عاما وهي السنة التي
تزوج فيها النبي(ص) على ما سلف فأين هذا من قولها من أنها كانت بنت ست أو تسع سنين!
هذه النقط وغيرها هي ما جعلت جملة من
القراءات تتحفظ على المشهور وقدمت نموذج مختصر وماهية المناقشات حول الموضوع لبيان
وجود قراءات أخرى خالفت المشهور في هذا الشأن.
0 تعليقات