وينخدع بعض الناس
بقوله (اهْبِطُوا)، فيقولون إن معناها أن الله تعالى أسقط آدم من السماء على
الأرض، ولكن من معاني الهبوط الانتقال من مكان إلى آخر، كما ورد في قوله تعالى
حكاية عن بني إسرائيل (اهْبِطُوا مِصْرًا) (البقرة: 62). أي ارتحلوا من هنا إلى
بلد آخر.
عندما خدع الشيطان
سيدنا آدم وأطلعه الله على زلته دعا الله تعالى مبتهلا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ) (الأَعراف: 24). ويبدو أن هذا هو الدعاء الذي تلقنه من ربه.
تدل هذه الآية على
حقيقة لطيفة، ذلك أن الله تعالى يتفضل على الإنسان فيعلمه الأدعية التي تستدر
الرحمة الإلهية. وكثير من الناس يصطنعون أدعية من عند أنفسهم، وقد تتسم بالنقص
والانحراف، مما يجعلها تتحول إلى دعاء عليهم. ولا نعني بذلك أن يمتنع الإنسان
مطلقا عن الدعاء بكلماته، بل المراد به أن يسعى الإنسان كما سعى آدم عليه السلام
للاتصال بالله اتصالا وثيقا لكي يتلقى من الله تعالى الدعاء عندما يتعرض لمشكلة أو
مصيبة، ولكي يرث فضل الله تعالى بذلك الدعاء.
(قُلْنَا اهْبِطُواْ
مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ
فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 39).
في قوله تعالى (اهْبِطُواْ)
بصيغة الجمع دلالة على أن آدم وزوجه لم يكونا وحدهما في الجنة، بل كان معهما أتباع
آدم عليه السلام أيضا.
ولقد وعد الله عز وجل
بهذه الآية أنه لن يزال يظهر من ذرية آدم دعاة يحملون إلى الناس الهدي الإلهي،
ويدعونهم إلى الأعمال الصالحة، وأن من يستجيب لهم ويهتدي سيدخل الجنة في هذه
الدنيا أيضا، أي أن قلوبهم ستكون عامرة بالقوة الإيمانية التي تورثهم الطمأنينة في
كل حال، فلن يداخل قلوبهم الخوف من المصائب المقبلة، ولا الحزن على ما قد أصابهم
من قبل، بل تكون قلوبهم المطمئنة بمثابة الجنة لهم. ثم إن جنة الآخرة بعد الموت
ميراث لهم يجدون فيها من نعيم الله تعالى ما لا يُحصى.
وتدلنا الآية أيضا
على أن الوحي الإلهي لم ينقطع بعد آدم، لأن الله تعالى وعد منذ ذلك العهد بأن وحيه
لن ينقطع نزوله، وأن المؤمنين به سوف يحظون بفضل الله دون انقطاع.
والذين يتنكبون عن
طريق الهدى ولا يؤمنون بالآيات التي جعلها الله تعالى لمعرفته سيقعون في النار،
ولن يجدوا طمأنينة القلب وسكينة النفس رغم كثرة النعم التي تحيط بهم، كما ينالون
العقاب بعد الموت…
0 تعليقات