علي الأصولي
طرحت إحدى القراءات
لموضوعة الجن على أنه عرف بشبحيته وعدم
مرئيته وحيكت عنه القصص والحكايات ليس مقصودا جديا بلسان الشرع ونصوصه الشرعية - قرآن
وسنة - ولكن لضيق الخناق ومحاولة تفهيم أكثر عدد ما يمكن وتقريب المعنى جاءت
الصيغة وفقا للمخيال الشعبي،
بيد أن هناك قراءة
أخرى، استندت على الأصل والجذر اللفظي لمعنى الجن من جهة وتأويلات بعض النصوص
الدينية من جهة وبالتالي قدمت رؤية مغايرة وما فهمه الناس،
الجن: كلفظ وما تقدم
من كلام سابق يعني الاستتار والاختفاء والخفاء. ومنه لفظ - جنين - الطفل الذي ما
زال في الرحم ومنه الجنون وهو اختفاء العقل وفعالياته. وجنة وتعني الحديقة الغناء
ذات الأشجار الساترة. بالتالي كل متخف فهو جن.
وقالوا: أن الخطابات
الشرعية لم تلحظ الجن إلا بصيغة أخبار من قبيل - وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
- وأما غيرها من الآيات الإخبارية والإنشائية فهي موجهة لخصوص الإنسان والإنسان
وحده ودونكم القرآن ونصوصه بل والسنة وبياناتها فهي لم تكترث لتكاليف الجن على
الفرض كونه يختلف عن الإنسان،
لا يقال: أن التكليف
القرآني وان وجه للإنسان فهو موجه للجن أيضا وأن اختلف بالخلقة.
قلنا: هذا التوجيه
يحتاج إلى دليل وحتى قاعدة - الاشتراك - لا تسعفه بحال من الأحوال. إضافة أن الجن
الشبحي لا يتصور كيفية أكله ووضوءه وفضلاته وغيرها من المعروفات عند الإنسان
وأعماله الخاصة والعامة. فمع اختلاف السنخية مع فرض التغاير التكويني فيلزم سقوط
جملة كبيرة من التكليف الشرعية عنه وهذا ما لا يمكن قبوله على فرض إثباته.
لا يقال: قوله تعالى(
أنه أستمع نفر من الجن) دليل التغاير
قلنا: الآية لا تدل
على التغاير بقدر ما إفادة قصة استماع للنص القرآني الذي أثار في نفوسهم عجبا،
لا يقال: قوله تعالى(
يوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أوليائهم من الانس ربنا
استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي أجلت لنا قال النار مؤاكم خالدين فيها إلا ما
شاء الله إن ربك حكيم عليم) الأنعام 128/
قلنا: أن غاية دلالة
الآية وجود طبقة أدمية إنسية وأخرى جنية ومشاكسات الطبقة الجنية من الكثرة
بمكان ولم تتعرض لتغايرهم الخلقي.
ولا بقال: يمكن
ملاحظة الفارق بقوله تعالى(الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) المشعرة
بالتغاير.
قلنا: أن غاية دلالة
الآية وجود وسوسة في صدرور الجنة والناس بفعل مؤثر خارجي بصرف النظر عن طبيعة هذا
المؤثر.
ولا يقال: أن خلق الإنسان
من طين او تراب او صلصال بينما الجن من النار .
قلنا: أفاد الإمام
الصادق (ع) أن زعم الشيطان إبليس كونه من نار كذب إذ أن هذه صفته واصل النار من
طين وقوله تعالى(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا)) ومرجعية الشجر للطين بالتالي
مرجعية الأصل للتراب أو الطين ومنها تفرعت الصفات،
وقالوا : إذا تمت هذه
القراءة فصار من السهل والوقوف على المعنى العلمي للشيطان ولإبليس بعد الرجوع
للجذور اللغوية لهذين المخلوقين والكلام طويل ..
فهم معنى الشيطان ..
من يريد فهم معنى ولو
في الجملة فلا مناص إلا والوقوف على اسمه فالاسم دال على المسمى.
الشيطان في المعنى
اللغوي اختلف فيه تبعا لاختلاف اشتقاقه وأصالة النون في بنائه،
فقد قال قوم: إنه
مشتق من - شطن - يعني بعد فهو شطنه يشطنه شطنا. إذا خالفه عن وجهته. وشطت الدار أي
بعدت
وقال قوم آخرون: إن
الشيطان مأخوذ من الفعل - شاط - بمعنى احترق من الغضب فهو من شاط يشيط وتشيط. وعليه
فتكون نونه زائدة. وكيف كان: التعريف الأول اخذ فيه البعد ألمادي بخلاف التعريف
الثاني الذي لوحظ فيه البعد المعنوي.
وبصرف النظر عن
ارجحية المعنى الأول أو الثاني، فلفظ الشيطان اخذ فيه الصفة فقط وهذا أمر مهم وهذه
الأطروحة.
وأما لفظ إبليس فقد
قالوا: إنه مشتق من - ابلس - اذا انقطع ولم تكن عنده حجة وابلس الرجل قطع به. وابلس
سكت وابلس من رحمة الله يئس، الخ وكل هذه صفات كما هو الملاحظ. بالتالي ابليس أو
الشيطان هم سادة الجن وكبراء متمرديهم. وإبليس هو الأشهر بينهم وهو أصلهم.
أطروحة : الجامع بين إبليس والجن .. (3)
0 تعليقات