آخر الأخبار

بوابات الأموال القذرة!! (18) ملائكة وشياطين!!

 

 





نصر القفاص

 

 

الخلاصة في حكاية "التنمية المستدانة" هى بضع سطور..

 

كتبها أمريكي.. نشرها فى كتاب أيضا أمريكي.. أشترى كتابه "الاغتيال الاقتصادي للأمم" مواطنين أمريكيون, ثم تطايرت شرارته فى أوروبا.. حقق الكتاب انتشارا مذهلا, وقالت "نيويورك تايمز" عنه, أنه كان الأكثر مبيعا.

 

إنهم يرتكبون الجريمة سرا.. يكشفون تفاصيلها علنا.. والمدهش أنهم يكررون ارتكاب الجريمة.. ونحن نستمتع بأن نكون ضحايا, ونسخر من أنفسنا لأننا دول عالم نامى.. السبب أنه ممنوع علينا أن نعرف.. محظور أن نفهم.. إذا وصلتنا المعلومات نتشاغل عنها.. نحن نخاف الحقيقة.. نتجنب المعلومات.. لن أنسى ما قاله لى الدكتور "كمال الجنزورى" يوما: "ربنا يكفيك شر المعلومات"!!

 

قبل أن تنتهى عملية إعداد "جون بركنز" لكى يكون "قرصان اقتصادي" قالت له من تولت تدريبه بالنص: "نحن ناد صغير خاص.. نتقاضى أجورا كبيرة لنخدع بلاد كثيرة فى أنحاء العالم, وننهب منها مليارات الدولارات.. جزء كبير من مهمتك, هو إقناع قادة العالم بأن يصبحوا جزءا من شبكة واسعة تروج لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية التجارية.. فى النهاية سيصبح هؤلاء القادة مكبلين بسلسلة من الديون تضمن لنا ولاءهم, فنستطيع أن نطلب منهم ما نريد.. ومتى نريد.. من أجل إشباع حاجاتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية.. بالمقابل فإن هؤلاء القادة, سينالون دعما لمكانتهم السياسية, حين يوفروا لشعوبهم المنشآت لإنتاج الطاقة وبناء المطارات والموانىء.. فى الوقت نفسه يصبح أصحاب شركات البناء والهندسة الأمريكيين أكثر ثراء"!!

 

هل هناك أوضح من ذلك؟!

 

الإجابة.. نعم.. هناك توضيح

 

يذكر "جون بركنز" أن مدربته أضافت: "التاريخ علمنا أن الإمبراطوريات يتم بناءها بالقوة العسكرية, أو التهديد باستخدامها.. لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور الاتحاد السوفيتى, وشبح المحرقة الذرية.. أصبحت الحلول العسكرية تنذر بخطر فادح".

 

قبل أن يصدر الكتاب الذى نشر هذه الفضائح.. الجرائم.. كان فى مصر من منعوه من الكتابة وحاصروه.. لكنه لم يكف عن القراءة والفهم والكتابة.. كان "محمود عوض" قد فتح ثغرة بنشر مقالاته فى جريدة "الحياة" المضمون أنها لا تصل لغير الأمناء على مصالح "رجال المال" وشركائهم.. وضمن ما نشر كان مقالا عنوانه "احتلال مضمون مربح"!! ونجح فى أن يقول كلمته ليتركها للتاريخ وأصحاب الضمائر.

 

قال "محمود عوض" كل شىء فى العنوان.. وضمن تفاصيل المقال ذكر: "حتى سنة 1974 كانت كل ديون مصر مليارى دولار – اثنين مليار – رغم أن الاقتصاد المصرى تحمل بالكامل أعباء ثلاث حروب خلال ست سنوات.. هى حرب يونيو 67 الخاسرة, وحرب الاستنزاف التى أعادت بناء الجيش المصرى بالكامل, إضافة إلى حائط الصواريخ الشهير.. ثم حرب اكتوبر 1973.. بعدها قفزت الديون من مليارى دولار عام 1974 إلى 29 مليار فى عام 2006".

 

بعد 15 سنة أخرى قفزت الديون إلى أكثر من 125 مليار دولار.

 

مازال الكتاب مفتوحا لإنجاز ما يسمونه "التنمية المستدامة" وأسميه "التنمية المستدانة" ويعرف أولئك الذين يزينون لنا هذه التنمية, أنها مصيدة لاستدراج عدد كبير من دول العالم إلى "مصيدة أمريكا"!!

مطلوب منا أن نصدق بجاحة الكذب الذى ينشره "مصاصو دماء الشعوب" بأن أزمة مصر الاقتصادية.. سببها سياسيا "عبد الناصر" الذى رحل عن الدنيا, وديون مصر أقل من مليارى دولار.. ومطلوب منا أن نصدق ما يقوله مبعوثى العناية الأمريكية, أن الحل يكمن فى بيع "مصانع الحديد والصلب" بحلوان أو التخلص من صناعة السماد فى طلخا وأسوان.. وأن نغلق مجمع الألومنيوم فى نجع حمادى.. ونتطهر من رجس صناعة الغزل والنسيج فى المحلة, إضافة إلى غلق قلعة كفر الدوار للغزل والنسيج.. ونسلم صناعة الدواء التى كانت تحتضنها الجيزة لأولئك "المستثمرين" وفوق ذلك صناعة السكر فى كفر الشيخ والصعيد.

 

الحديد والصلب يكسب عندما يملكه "عز" و"الجارحى" و"أبو هشيمة"!!

 

شبكات التليفون تتطور عندما يحتكرها "ساويرس" وأقرانه!!

 

صناعة الأسمنت تزدهر بين يدى "حسن راتب" ورفاقه!!

 

إنتاج السيراميك ينافس عالميا بأيدى "أبو العينين" و"السلاب" وآخرين!

 

مصر تحاصرها خطط "القرصان الاقتصادى"!!

 

نحو نصف قرن من التضليل, بعد رحيل "عبد الناصر".. والمتهم "عبد الناصر"!!

 

أنهى "محمود عوض" مقاله قائلا: "هذا هو الوجه الجديد للاحتلال.. احتلال مدفوع الأجر"!

 

وشرح "جون بركنز" التفاصيل, فقال: "عندما تمردت إيران على شركة بترول بريطانية كانت تستغل موارد إيران الطبيعية وشعبها.. كانت تلك الشركة هى أهم شركات مؤسسة برتش بتروليم ويشار إليها اختصارا بى.بى.. وردا على هذا الاستغلال أعلن رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق والذى اختارته مجلة تايم عام 1951 رجل العام.. تأميم البترول الإيرانى.. جن جنون بريطانيا.. لجأت الولايات المتحدة لمساعدته.. تجنب الطرفين الحل العسكرى, حتى لا يستفزا الاتحاد السوفيتى.. بدلا من إرسال البحرية الأمريكية.. تم إرسال كيرمت روزفلت حفيد تيودور روزفيلت على وجه السرعة لإيران.. لعب دوره بمهارة شديدة.. إستطاع أن يكسب بالرشاوى والتهديدات, وتنظيم أعمال شغب وتسيير مظاهرة عنيفة.. حتى سقط مصدق, وعاد شاة إيران الديكتاتور الذى تولت رعايته أمريكا.. ومنذ هذا الوقت, وبعد نجاح هذه العملية بدأت عملية إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط عبر مهنة جديدة.. كانت هى القرصان الاقتصادى"!!

 

لاحظ أنهم جعلوا من "محمد مصدق" رجل العام على صفحات "تايم" وقت أن كانوا يخططون للتخلص منه.. ولاحظ أنهم دمروا الديمقراطية التى كادت أن توقف سرقاتهم.. ولاحظ أنهم أعادوا "شاة إيران" ثم تركوه يلقى مصيره المحتوم بعد 26 عاما.. كما فعلوا مع "سوهارتو" فى إندونيسيا.. وبالتأكيد ستلاحظ أن كل خططهم فشلت فى إزاحة "عبد الناصر" حتى بالحرب وفرض هزيمة 1967.. لأن الشعب المصرى وخلفه الشعوب العربية فجروا معجزة رفض استقالته.. أدى ذلك إلى إعطاء إشارة البدء بإطلاق النيران الكثيفة على اسمه وتزوير التاريخ مع تشويهه خلال الزمن الذى حكم فيه.. وكان الأهم التخلص مما حققه صناعيا وزراعيا.

 

فى أمريكا والدول المتقدمة.. يستحيل قتل الحقيقة.. هم يعرفون – ويطورون – أساليب إقناع أو خداع الشعب.. لكن قهر الشعوب من الكبائر عندهم, لذلك تتولى "المخابرات المركزية الأمريكية" أخطر الأدوار وأهمها فى أمريكا.. وذلك يكشفه مؤلف "الاغتيال الاقتصادي للأمم" فيقول: "وكالة الاستخبارات الأمريكية تحدد مواصفات القرصان الاقتصادي المحتمل.. ثم تقوم بتوظيفه لدى إحدى الشركات الدولية, لأن القرصان لا يتسلم مرتبه من الحكومة حتى لا تتعرض لمساءلة أمام الكونجرس, وحتى لا يتم الإساءة للبلاد فى حال انكشاف أمره.. ذلك يتحمله القطاع الخاص الذى يهمه جنى الأموال والثروات.. ولا مانع عند المخابرات من تدوير وإدارة صراع بين الشركات اللاهثة خلف الأموال.. ومن يخرج عن الخط ينتهى أمره بالقانون"!!

 

كل الأوراق أصبحت مكشوفة.. لا خوف على خطط أمريكا وحلفائها.. فقد انتهت مرحلة زرع "رجال المال" فى معظم الدول المستهدفة.. تحولت كلمة "الاستثمار" إلى حلم يعيش عليه الراغبون فى "التنمية المستدانة"!! أدوات السيطرة على الشعوب أصبحت مضمونة.. وبالعلم امتلكت الولايات المتحدة مفاتيح اللعب بالرأى العام على أرضها, وفى كل كوكب الأرض.. إلا قليلا.. مع استثناء للذين يسمونهم "أهل الشر".. ويوما بعد الآخر يتم ابتكار وسائل جديدة, لتحقيق المزيد من "التمكين" لرجال أمريكا الذين أصبح اسمهم "المستثمرين" والقائمين على "صناعة المال"!!

 

يلعب القانون دورا مهما وحاسما فى حماية النهج.. يوضح ذلك "نيكولاس شاكسون" فى كتابه "مافيا إخفاء الأموال" فيكشف ما يحدث فى بريطانيا حين يذكر: "سادت ثقافة تحاشى دفع الضرائب فى المجتمع البريطانى.. وأكدت ذلك دراسة أجرتها جامعة أكسفورد, وانتهت إلى أن ثلاثة فقط من أصحاب الأعمال لا يخشون الإعلام.. أما الأغلبية فيقلقهم ذلك.. فظهرت قوانين تشويه السمعة لتحمى الذين يأتون بأموال قذرة إلى لندن"!!

 

الكاتب هنا بريطانى, وتمكن من النشر فى كتاب.. ويمضى كاشفا حقائق أخرى مذهلة حين قال: "السلطات الضريبية فى بريطانيا قامت عام 2001 ببيع 600 مبنى تمتلكهم لشركة مسجلة فى برمودا لتلافى دفع ضرائب عن الصفقة.. واكتشف مكتب المراجعة المحاسبية القومى – الجهاز المركزى للمحاسبات – بعد ثمان سنوات أن الصفقة كانت ستحقق 750 مليون جنيه استرلينى أكثر مما تم إعلانه.. وظهر أن الوزير الذى كان يقوم على التنفيذ, إمتلك بيزنس خاص فى جزيرة برمودا"!! دون أن تتمكن الصحف من الخوض فى التفاصيل, خشية قوانين "تشويه السمعة" التى أكدت الدراسة الجامعية أن 154 قضية خسرها الذين لم يراعوا القانون عند النشر.. لكن بقيت قضايا أخرى مهمة تمكنت الصحف من كشفها لحماية المجتمع, ومازالت المعركة مستمرة.. لأن الصحف تضغط لتعديل هذه القوانين بدعم شعبى وتأييد واسع من جانب الرأى العام.. فالأهم هو حماية الديمقراطية البريطانية".

 

إذن.. هم فى الغرب ليسو "ملائكة" كما أنهم ليسو "شياطين" على أرضهم وداخل بلادهم.. أما خارجها فهم مكلفون بارتداء "قناع الملائكة" لينجحوا "كشياطين"!!..

 

بوابات الأموال القذرة!! (17) عودة المماليك!!

 ينبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات