آخر الأخبار

بوابات الأموال القذرة!! (26) إنها أمريكا!!

 




 

نصر القفاص

 

الصراحة أقوى من السلاح النووى فى زمن "الأوف شور"!!

 

الصدق يهدد الأعداء فقط.. والوطنية مواقف تجعل للكلام قيمة.

 

بالصراحة والصدق كانت مصر مرفوضة من الغرب.. أكد ذلك أخطر خطاب سياسى فى القرن العشرين.. لأنه كشف كل المستور.. واعتمد منهج أن أهم وأقصر الطرق لخداع اخرين.. هو أن تقول الحقيقة وتعلنها.. كل الحقيقة.. لأنك تكسب بها نفسك وشعبك.. وتفرض على أعدائك وأصدقائك احترامك!!

 

كان هذا هو سر "عبد الناصر" الذى واصل عرض ما يسمونه "أسرار عليا" على الشعب المصرى والعالم العربى.. إستمر ليقول: "تانى يوم لقاء وزير خارجية روسيا.. جاء مدير البنك الدولى.. قابلنى فى البيت الساعة 10 أو بعد 10 وقال لى أنه جاى ليؤكد أن البنك الدولى عند وعده اللى قاله فى شهر فبراير.. وإنه مصمم على تمويل هذا المشروع, وأنه يستطيع إنه يقول إن الحكومة الأمريكية والبريطانية.. وهو متصل بهم.. برضه عند هذا الوعد.. قلت له:

 

واحنا برضه عند الكلام اللى كنا فيه فى فبراير.. حنتفاوض ونتفاهم, واحنا مش هنبتدى المشروع إلا بعد التوصل لاتفاق نهائى.. دة الكلام اللى حصل لغاية يوم 20 يونيو.. الشهر الماضى.. وصل سفيرنا فى أمريكا إلى مصر.. كان قابل دالاس وزير خارجية أمريكا قبل ما ييجى.. قال لى إنه فى مقابلته مع دالاس فهم إنهم عايزين يمولوا المشروع ويستمروا فى معونة المشروع.. لكن هم حاسين إن احنا مش عاوزين.. قلت له: والله احنا عايزينهم يمولوا المشروع.. واحنا حاسين إن هم اللى مش عاوزين.. دة اللى احنا حاسينه, وانت تقدر تسافر هناك وتقول لهم إن احنا عايزين نتكلم ونتفاوض لتمويل المشروع.. وصل أحمد حسين – سفيرنا فى واشنطن – إلى مقر عمله على إنه يقابل دالاس ويبعتوا الرد على المذكرات اللى احنا بعتناها, ويقولوا رأيهم النهائى فى هذا الموضوع.. بعد يومين أعلنت الحكومة الأمريكية فى بيان وزعته على الصحف, وأنا وصفت البيان أول امبارح بما يستحقه – هاقراه النهاردة – أذاعت وزارة الخارجية يوم 20 يونيو بيان قالت فيه.. إنهم اشتركوا فى ديسمبر عام 1955 مع انجلترا ومع البنك الدولى فى عرض بمساعدة مصر.. وبعدين قالوا إن هذا المشروع ذو جسامة بالغة, واتمامه يستغرق ما بين 12 و16 سنة.. وتقدر نفقاته بنحو 1300 مليون دولار, منها أكثر من 900 مليون دولار بالعملة المحلية.. وبعدين اتكلموا عن حقوق فى مياة النيل.. هذا مشروع لا يؤثر فى حقوق مصر ومصالحها وحدها, بل يؤثر فى حقوق بلاد أخرى ومصالحها تساهم فى مياة النيل.. منها السودان وإثيوبيا وأوغندة.. طبعا دى كانت أول مرة يثيروا إثيوبيا وأوغندة, وبرضه بيحاولوا يعملوا فتنة بين مصر والسودان زى ما قلت لكم فى الأول.. هم يهمهم إن دول المنطقة دى كلها يتخانقوا مع بعض.. وكل دولة تقع فى التانية.. كل دولة تروح لأمريكا تقول.. تعالى ساعدينا أحسن الدولة دى بتعتدى عليا, والدولة دى بتغتصب منى كذا.. وبهذا ييجوا ويتحكموا فى هذه المناطق.. لم يثار فى تقرير البنك الدولى موضوع إثيوبيا وموضوع أوغندة.. وموضوع السودان كنت بلغتهم مالكوش دعوة بموضوع السودان.. لا عايزين وساطتكم ولا عايزين مساعدتكم.. مش عايزين منكم حاجة لأننا اتكلمنا مع السودانيين, واخواننا متفاهمين معانا.. جميع الفئات.. أما جه هنا اسماعيل الأزهرى – رئيس وزرا السودان – إتكلمت معاه والراجل كان مستعد إن احنا نتفاهم.. ووصل الميرغنى حمزة وزير الرى السودانى واتكلمنا, وكل واحد فينا ريح التانى.. ما حصلش شد ولا جذب.. ماكانش باين إن احنا بنختلف اختلاف مرير.. ولما جه عبد الله خليل رئيس وزراء السودان الحالى.. كانت روحه طيبة جدا.. دى روح اخواننا فى السودان بجميع فئاته, وبجميع أحزابهم.. مافيش داعى بقى للانجليز ولا الأمريكان علشان يتدخلوا ويتوسطوا.. وقلت لهم بلاش المنشورات والكراسات اللى بتوزعوها ضد المشروع فى السودان.. قلنا لهم مصالح مصر والسودان نقدر نقررها.. إيه دخل واشنطن فى الموضوع.. إحنا فى مصر والسودان مربوطين ببعض.. مصر فى الشمال والسودان فى الجنوب مافيش دولة منهم هتعزل وتروح أمريكا الشمالية!! لكن حب الوصاية.. حب التحكم.. حب السيطرة.. وإثارة النفوس والمنازعات وخلق البلبلة.. بعدها دخلوا أوغندة علشان تتدخل بريطانيا.. لأن بريطانيا بتعتبرهم مستعمرة بريطانية.. كدة بقت فيه مصالح لانجلترا فى مياه النيل.. وبعدين الحبشة.. وقال بيان الخارجية الأمريكية, إنه فيه اعتبار مهم يتعلق بإمكان تنفيذ المشروع, ومن ثم بجدوى المعونة الأمريكية.. وعلى هذا انتهت أمريكا إلى أنه من غير العملى فى الظروف الحاضرة أن تشترك فى المشروع.. إذا لم يتم الاتفاق بين الدول المشتركة فى مصادر مياه النيل.. كما أن مقدرة مصر على تخصيص موارد كافية تضمن نجاح المشروع, باتت أكثر افتقارا إلى التوكيد مما كانت عليه عند تقديم العرض".

 

 

كانت "السودان" قد حصلت على استقلالها تماما.. لذلك حاولت "بريطانيا" لعب هذه الورقة بحذر, لعلمها أن مصر أصبحت أقرب للسودان.. وعندما دخلت "أمريكا" على الخط طرحت ورقة مع "بريطانيا" آنذاك وهى "أوغندة" قبل أن تنال استقلالها, وأقحمت ورقة "إثيوبيا" لحظة أن راحت تمد أصابعها فى شئونها.. أدرك "عبد الناصر" ذلك فبذل جهدا مضنيا لكى يصل إلى اتفاق المياه عام 1959, الذى وقعت عليه مصر والسودان وإثيوبيا.. وبموجب هذا الاتفاق تم رفع حصة مصر من 48 مليار متر سنويا, إلى 55,5 مليار متر سنويا.. وارتفعت حصة السودان من 4 مليار متر سنويا إلى 18 مليار متر سنويا.. وكان الاتفاق صفعة على وجه "لندن" و"واشنطن" لم يغفروها لمصر, فكانت عملية "رد الصفعة" بما حدث فى بداية القرن الواحد والعشرين.. كان العنوان هو "سد النهضة" والبقية تأتى!!

 

أهم شى أن "عبد الناصر" كشف دور البنك الدولى فى تخريب اقتصاد الدول التى يحرصون على أن تستمر "نايمة" حتى قدم "جون بيركنز" التفاصيل نفسها.. وأضاف لها الكثير فى كتابه "مذكرات قرصان اقتصادى.. الاغتيال الاقتصادى للأمم" وبعدها صدرت عشرات الكتب فى عواصم الغرب, تناولت ما تحدث عنه "عبد الناصر" عام 1956.. وواجهه ليعرقل مشروعات الاستعمار لسنوات.. وكانت إضافة "نيكولاس شاكسون" مذهلة حين قدم كتابه "مافيا إخفاء الأموال المنهوبة" موضحا أن "المافيا" تقودها دول عظمى.. وشرح "الأوف شور" كنظام مالى فاسد, وتطور ليصبح نظام سياسى هدفه تفجير دول من الداخل.

 

كيف تتم عملية تخريب الدول من الداخل؟!

 

الإجابة ذكرها "عبد الناصر" فى الخطاب نفسه, حين أضاف قائلا: "دى كانت التطورات فى الشهور السبعة الماضية.. يا ترى دى تطورات اقتصادية وللا سياسية.. فيه حاجة غريبة فى البيان الأمريكى ماقريتهاش.. وزير خارجية أمريكا بيكلم الشعب المصرى, وبيقول إن القرار لا ينم عن تغيير فى العلاقات الودية بين الحكومة الأمريكية والشعب المصرى.. يعنى الكلام دة بيتعلق بجمال عبد الناصر بس.. مابيتعلقش بالشعب المصرى.. هم بيتكلموا رأسا إلى الشعب المصرى.. طبعا دى طريقة إحنا خبرناها من مئات السنين.. آباؤنا وأجدادنا عارفين الطريقة دى.. اللى حصل إنهم بيشككوا فى الاقتصاد المصرى, بعد زيادة الإنتاج.. وهنا هاقرالكم تقرير الأمم المتحدة اللى هو الكتاب الإحصائى السنوى للأمم المتحدة.. الكتاب دة بيقول إن الدخل القومى لمصر زاد من 748 مليون جنيه سنة 1952 إلى 780 سنة 1953.. وزاد إلى 868 مليون جنيه سنة 1954.. يعنى احنا بنشتغل وننتج وثروتنا بتزيد.. دخلنا زاد 120 مليون جنيه فى سنتين – 360 مليون دولار – ودخلنا الزراعى أصبح 420 مليون جنيه بعد ماكان 382 مليون جنيه.. دة كلام الأمم المتحدة سنة 1955, وفيه إن الإنتاج الصناعى حقق تقدما كبيرا بنسبة 25% وإنتاجنا فى الحديد الزهر زاد بنسبة 94%.. وإن الصادرات المصرية من أول يناير 1956 لغاية يونيو فى السنة نفسها زادت لتصل إلى 91 مليون جنيه.. إلى آخر البيانات اللى اتنشرت.. وكل دى تطورات استقلال.. تطورات حرية.. تطورات عزة.. تطورات كرامة.. تطورات شهدت تقوية وتسليح جيشنا.. لأننا صممنا تكون لنا شخصية مستقلة.. بيعاقبوا مصر لأنها رفضت أن تقف بجوار التكتلات العسكرية.. مصر نادت بالاستقلال.. نادت بحقوق الإنسان.. مصر نادت بالمبادىء اللى هم كتبوها فى ميثاق الأمم المتحدة ونسيوها!! الحرية.. حق تقرير المصير.. القضاء على الاستعمار.. عدم الانحياز.. التعايش السلمى الإيجابى.. دة الكلام اللى بتنادى بيه مصر, وبتقول نعادى من يعادينا ونسالم من يسالمنا.. إزاى نقدر نقول الكلام دة وما نسمعش كلام الكونجرس الأمريكى اللى بيمثل تكساس.. اللى بيمثل مش فاهم إيه؟! إزاى ما ناخدش أوامرنا من هناك؟! ويقف أعضاء الكونجرس من شهر ونص.. يقول واحد منهم: إزاى مصر ما تتبعش سياستنا, وما تسمعش كلامنا.. إقطعوا عنها المعونة.. إحنا ما بناخدش معونة. ولا مليم معونة.. غرور وتحكم فى الشعوب.. إحنا رفضنا نقبل التحكم والسيطرة, بيعاقبونا بالسبعين مليون دولار اللى كانوا هيدوهم لنا على خمس سنين.. بيعاقبونا لأننا قررنا ننمى الإنتاج.. وتنشر جرايدهم إن الشعب المصرى لازم يعرف إن ناصر أضره, فيقوم الشعب المصرى يضغط عليه علشان يسمع كلام أمريكا!! مايعرفوش إنى بارفض لأن الشعب المصرى رافض الكلام دة".

 

كان "عبد الناصر" يعرف أن اقتصاد قوى.. جيش قوى.. شعب خلف قائده, لابد أن يكون على اطلاع بكل ما يدور حوله.. وكان يعلم أن "الدبلوماسية" وسيلة وليست غاية!! ورغم أنه كان يجيد فنون الدبلوماسية.. فقد أدرك مبكرا أن قوة الحقيقة ووعى الشعب هما أخطر الأسلحة التى يمكن أن يواجه بها أعتى القوى.. وكل ذلك كان يحدث فى وجود ذيول الاستعمار داخل مصر.. كان هؤلاء يسيطرون على الصحافة التى تنشر كل شىء, قبل أن يذهب إلى قوانين تنظيم الصحافة بعدها بأربع سنوت.. وكان نتيجة ذلك أن امتلكت مصر أكبر إمبراطورية إعلامية فى الشرق الأوسط وإفريقيا.. ذلك لا ينكره أعداؤه.. لكنهم لا يعدمون حيلة فى تشويهه بكلام فارغ.. لأن النموذج المصرى نقلته دويلات صغيرة, وفرضت نفسها على المنطقة عندما بدأت عملية تفكيك إمبراطورية الإعلام المصرى بدعوى الحرية.. حرية على طريقة الأمريكان والغرب, دون امتلاك مؤسسات حكم وصل إليها الأمريكان والغرب بعد صراعات استمرت مئات السنين.

 

كان الخطاب الذى انتهى بتأميم شركة قناة السويس, حافلا بتفاصيل ومعلومات خطيرة ومثيرة ومدهشة.. وكان لحظة انطلاق لزمن شهد معارك ومؤامرات وحروب كثيرة.. زمن شهد انتصارات وانكسارات.. لكنه كان زمن العزة والكرامة.. ويؤكد ذلك بقية ما جاء فى الخطاب, لأنه استمر ساعات.. ويستحق أن نستمر فى إعادة قراءته ومعرفة كل ما جاء فيه.. لنفهم خطورة طبخات مسمومة قادمة!!..

 

بوابات الأموال القذرة!! (25) اخنقوا مصر!!

 يتبع

 

 

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات