بقلم : عــــمرو صــــابح
تبدو العلاقة بين الكاتبين الصحفيين الكبيرين محمد حسنين هيكل و
مصطفى أمين فى غاية التعقيد والغموض خاصة من جانب مصطفى أمين.
تم إلقاء القبض على الأستاذ مصطفى أمين فى 21 يوليو 1965 متلبسا مع
ضابط المخابرات المركزية الأمريكية "بروس تايلور أوديل" فى حديقة منزل
الأستاذ مصطفى أمين.
أثبتت الوقائع والأدلة عن القضية التى كانت تتابعها المخابرات
العامة المصرية، أن مصطفى أمين يتجسس على مصر لحساب المخابرات المركزية الأمريكية ،
وقد حوكم الأستاذ مصطفى أمين وأدين وحكمت عليه المحكمة بالأشغال
الشاقة المؤبدة.
طوال فترة المحاكمة والسجن كان الأستاذ هيكل على اتصال دائم بمصطفى
أمين، بل أنه هو الذى قام بتوكيل محام للدفاع عنه، وكان يمده فى سجنه بكل
مستلزماته من أقلام وأوراق وأغذية وأدوية.
قام الأستاذ هيكل بمساعدة أسرة الأستاذ مصطفى أمين أثناء محنته،
وكانت علاقاته مستمرة مع توأم مصطفى أمين ، الصحفي على أمين والذي كان يعمل مراسل
للأهرام بأوروبا ومركزه مدينة لندن .
أصدر الرئيس السادات قراره بالإفراج الصحي عن مصطفى أمين فى 27
يناير 1974 والإفراج الصحي لا يسقط عن مصطفى أمين تهمة التجسس و لا حكم الإدانة.
فى 31 يناير 1974 خرج الأستاذ هيكل من الأهرام بعد تفاقم خلافاته
السياسية مع الرئيس السادات عقب حرب أكتوبر 1973 .
عقب خروج الأستاذ هيكل من منصبه تم تعيين الأستاذ على أمين الذى
عاد من لندن مديراً لتحرير الأهرام ، وتم تعيين شقيقه المفرج عنه صحيا مصطفى أمين
رئيسا لتحرير الأخبار.
بدأت حملة إعلامية ضارية من الأخوين أمين ضد الرئيس جمال عبد
الناصر وعهده ورجاله بتشجيع من السادات ونظامه وبتمويل سعودي، وتخطيط أمريكي وعبر
استكتاب كتبة وصحفيين أكلوا على كل الموائد، واستفادوا من كل العصور، كان الأستاذ
محمد حسنين هيكل واحد ممن هاجمهم الأخوين أمين وقطيعهم الصحفي .
فى تلك الفترة كتب الأستاذ مصطفى أمين سلسلة روايات من "سنة
أولى سجن" إلى "سنة تاسعة سجن" ، وفيها لم يقدم دليل أو وثيقة
واحدة تبرئه من تهمة العمالة والتجسس للأمريكان .
فى عام 1984 عندما أصدر الأستاذ هيكل كتابه الوثائقي ( بين الصحافة
والسياسة ) الذى أعاد فيه فتح ملف قضية الأستاذ مصطفى أمين.
كتب الأستاذ هيكل فى مقدمة الكتاب ،انه ينشر هذا الكتاب وكل أطراف
القضية على قيد الحياة ومن أجل التاريخ ، وتحدى الأستاذ هيكل الجميع وأولهم
الأستاذ مصطفى أمين أن يستطيعوا تكذيب معلوماته و وثائقه.
قال الأستاذ هيكل فى كتابه "بين الصحافة والسياسة" عن
دار أخبار اليوم و عن الأخوين على أمين ومصطفى أمين ، إن دار أخبار اليوم تم
إنشاؤها بأموال المخابرات المركزية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ، فعندما
أيقنت الولايات المتحدة بخروجها منتصرة من الحرب ، بدأت إنشاء سلسلة من دور النشر
الصحفية التى هدفها الترويج لسياسة الولايات المتحدة، ونمطها فى الحياة والدفاع عن
التوجهات و المصالح الأمريكية.
نشر الأستاذ هيكل فى الكتاب مقالات الأستاذين مصطفى وعلى أمين فى
تمجيد الملك فاروق والهجوم على حزب الوفد ، كما نشر مقالات لهما فى تمجيد الرئيس
عبد الناصر حتى قبل القبض على الأستاذ مصطفى أمين بأيام معدودة .
نشر الأستاذ هيكل وثيقة من 60 صفحة بخط يد الأستاذ مصطفى أمين
وبأسلوبه المعروف فى الكتابة ، تتضمن الوثيقة رسالة منه للرئيس عبد الناصر، يعترف
فيها بعمالته للأمريكان، ويطلب فيها العفو من الرئيس عبد الناصر .
فند الأستاذ هيكل إدعاءات مصطفى أمين بتعذيبه فى السجن مستعينا بشهادة
محامى الأستاذ مصطفى أمين فى قضية التجسس، والذى أنكر وقوع أى تعذيب على مصطفى
أمين.
استعان الأستاذ هيكل بشهادات أصدقاء مقربين من مصطفى أمين مثل
الصحفى اللبنانى سعيد فريحة ورئيس وزراء السودان محمد أحمد محجوب اللذان أكدا كلام
هيكل عن عدم تعرض مصطفى أمين للتعذيب فى سجنه .
أتهم هيكل الأستاذ مصطفى أمين انه كان يقوم بتهريب الأموال للخارج
عبر أصدقائه فى المخابرات الأمريكية ، كما أتهم توأمه على أمين بالعمالة للمخابرات
البريطانية، والسعودية ، وان السعوديين كان يصرفون عليه أثناء حياته بأوروبا.
أتهم الأستاذ هيكل الأستاذ مصطفى أمين انه يجيد فبركة الأكاذيب
ويصدقها ويزيد عليها وانه رجل لكل العصور .
نشر الأستاذ هيكل وثيقة شديدة الخطورة عن على أمين هى الوثيقة رقم
28 بملحق وثائق كتاب ( بين الصحافة والسياسة )، وهذه الوثيقة هى مذكرة بخط يد
الوزير / سامى شرف مرفوعة للرئيس / جمال عبد الناصر بتاريخ 3 يونيو 1970 .
ترصد الوثيقة مجموعة من التحركات التى تتم ضد مصر على الصعيدين الداخلي
والخارجي، وقد قام الأستاذ هيكل بالشطب على كلام الوزير سامى شرف الذى يرصد هذه
التحركات لاعتبارات تتعلق بالأمن القومى وقت صدور الكتاب .
ولكن ما يتعلق بموضوعنا هى تأشيرة بخط يد الرئيس جمال عبد الناصر
على الطرف الأيسر أعلى الصفحة كتب فيها : ( لقد تقابل على أمين فى روما مع أحد
المصريين المقيمين فى ليبيا وقال له أن الوضع فى مصر سينتهى آخر سنة 70 ).
لقد كان على أمين هاربا من مصر بعد اتهام أخيه مصطفى أمين بالتجسس
على مصر لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ، وكانت الشبهات تحيط بعلي أمين أيضا
لذا فضل أن يظل خارج مصر ، ولكن كيف علم على أمين أن الوضع فى مصر سينتهي آخر 1970
؟!!
لقد توفى الرئيس / جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970 قبل نهاية
عام 1970 بثلاثة أشهر ، وبوفاته انقلبت كل الأوضاع فى مصر وفى الوطن العربى .
فكيف علم على أمين بوفاة الرئيس " جمال عبد الناصر " قبل
الوفاة بثلاثة أشهر ؟!!
ومن هو المصري الذى قال له على أمين أن الوضع فى مصر سينتهى أخر
سنة 70 ؟
ولماذا كتب الرئيس "جمال عبد الناصر "تلك التأشيرة
بالذات ؟
ولماذا تذكر على أمين بالتحديد ؟!
ذكر الأستاذ هيكل فى كتابه ( بين الصحافة و السياسة ) أن قضية
الأستاذ مصطفى أمين هى القضية رقم واحد فى سجلات المخابرات العامة المصرية ، وان
وثائقها و تفاصيلها فى متحف المخابرات العامة المصرية .
قال هيكل إن الإفراج عن مصطفى أمين جاء ضمن صفقة لإرضاء الأمريكيين
،والسعوديين وانه أفرج عنه مع مجموعة من عملاء أمريكا وإسرائيل وبطلب من وزير
الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر والأمير السعودي سلطان بن عبد العزيز .
تساءل الأستاذ هيكل لماذا تأخر السادات فى الإفراج عن مصطفى أمين
كل تلك المدة من 1970 حتى 1974 لو كان يعتبره بريئا ؟!!
فى عام 1990 أصدر الأستاذ هيكل كتابه الوثائقي الضخم ( الانفجار
1967) عن وقائع حرب 5 يونيو 1967 .
أعاد الأستاذ هيكل فى الكتاب اتهام الأستاذ مصطفى أمين بالتجسس
لحساب الأمريكان ، ونقل محضر لقاء بين الرئيس عبد الناصر والزعيم الباكستانى ذو
الفقار على بوتو، يدين فيه الرئيس عبد الناصر الأستاذ مصطفى أمين وينقل لذو الفقار
على بوتو وقائع قضيته كدليل على تأمر الأمريكان ضد مصر وسعيهم المستمر للتخلص من
نظام حكمه.
عاود الأستاذ هيكل تناول قضية تجسس الأستاذ مصطفى أمين لحساب وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية وذلك عبر حلقات برنامجه "تجربة حياة"
والتي حملت عنوان "الطريق إلي أكتوبر" وتم عرضها على فضائية الجزيرة عام
2009.
قام الأستاذ هيكل بعرض معلومات جديدة عن القضية من كتاب التاريخ
الرسمى لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، الذى صدر مؤخرا باسم (ميراث من
الرماد .. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) للصحفي الأمريكى (تيم وينر)،
والكتاب يتناول تاريخ الوكالة منذ إنشائها وحتى نهاية عهد الرئيس جورج دبليو بوش .
ذكر الأستاذ هيكل ما أورده الكتاب عن قضية تجسس مصطفى أمين
بالتفصيل، وما سببته من مشاكل بين وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات
المركزية الأمريكية بسبب ما ترتب على كشفها من زيادة فى سوء وتوتر العلاقات
المصرية الأمريكية وإحراج للسفير الأمريكى فى القاهرة الذى لم يكن يعلم بتجسس
مصطفى أمين لحساب المخابرات المركزية الأمريكية .
قال الأستاذ هيكل أن أول خيط فى كشف عمالة مصطفى أمين لوكالة
المخابرات المركزية الأمريكية ، جاء من العراق لأن ( بروس تايلور أوديل )مندوب
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى القاهرة ، والذى كان يتلقى المعلومات من
مصطفى أمين أسبوعيا ، جاء إلى مصر مطرودا من العراق بعد نجاح انقلاب حزب البعث عام
1963 على نظام حكم " عبد الكريم قاسم " .
كشف هيكل عن وجود دور أمريكى فى ترتيب هذا الانقلاب البعث ، حيث
كان هناك جناح من حزب البعث ينسق أعماله مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
عبر مندوبها فى العراق ضابط المخابرات المركزية الأمريكية " بروس تايلور
أوديل " ، وقد لفت نشاط " بروس تايلور أوديل " أنظار الأجنحة
الوطنية فى الأجهزة الأمنية العراقية لذا تم طرده من هناك ، وعلى إثر ذلك قررت
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نقل نشاطه إلى القاهرة ، وعندما علم وزير
الداخلية العراقي " حازم جواد " بذلك قام بإبلاغ الأجهزة الأمنية
المصرية بحقيقة " بروس تايلور أوديل " وطبيعة نشاطاته ، لذا تم وضعه تحت
رقابة صارمة من أجهزة الأمن المصرية منذ وصوله للقاهرة ، و من خلال مراقبته تمت
ملاحظة لقاءاته الأسبوعية مع مصطفى أمين ، وتم إعلام الرئيس عبد الناصر بالأمر
فأصدر عبد الناصر قراره بوضع مصطفى أمين تحت المراقبة مما أدى إلى كشف عملية
التجسس كلها.
يقول الأستاذ هيكل أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية طلبت من
مصطفى أمين تسجيل مكالماته مع الرئيس عبد الناصر ليقوم خبراؤها بتحليل صوت الرئيس
لمعرفة حالته النفسية ، كما طلبت منه توجيه أسئلة معينة للرئيس عبد الناصر لكى يتم
تحليل إجابات عبد الناصر ومعرفة حقيقة نواياه وطريقة تفكيره .
كما كان مصطفى أمين يسأل أطباء الرئيس عبد الناصر باستمرار عن حالة
الرئيس الصحية ليقوم بتبليغها لضابط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
قبل ذلك وفى منتصف السبعينيات من القرن العشرين ، أصدر رئيس
المخابرات العامة المصرية الأسبق (صلاح نصر) كتابا عن قضية مصطفى أمين بعنوان
(عملاء الخيانة وحديث الإفك)، روى فيه بأدق التفاصيل وقائع قضية تجسس مصطفى أمين ،
كما فند كتاب (سنة أولى سجن) الذى حشاه مصطفى أمين بوقائع عن تعذيبه وتعذيب غيره
فى السجن، وأثبت صلاح نصر أن مصطفى أمين نقل ما أورده فى كتابه من وقائع تعذيب من
كتاب (غسيل المخ) للكاتب الأمريكى ادوارد هنتر طبعة نيويورك عام 1966.
ذكر صلاح نصر فى كتابه أن جهاز مكافحة التجسس فى العهد الملكى كان
يحتفظ بملف خاص بمصطفى أمين حول علاقاته المشبوهة بوكالة المخابرات المركزية
الأمريكية.
خصص صلاح نصر فصلا كاملا فى الكتاب اسماه (المهرب) عن تهريب مصطفى
أمين لأوراق هامة وأموال خارج مصر بمعرفة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
نشر صلاح نصر فى كتابه صور القبض على مصطفى أمين متلبسا مع ضابط
المخابرات المركزية الأمريكية (بروس تايلور أوديل).
روى صلاح نصر محاولات مصطفى أمين الدائمة معه فى منتصف سبعينيات
القرن الماضي من أجل أن يبرئه من تهمة الخيانة ، ويتهم الرئيس عبد الناصر بإجباره
على تلفيق التهمة لمصطفى أمين ورفض صلاح نصر لكل الضغوط التى مورست عليه لإجباره
على ذلك.
لم يرد الأستاذ مصطفى أمين حتى وفاته على الأستاذ هيكل والسيد صلاح
نصر وإنما أنشغل بصياغة مجموعة من الكتب على شاكلة مذكرات الفنانات لتشويه صلاح
نصر والمخابرات العامة المصرية ، كما قاد قطيع من الصحفيين لتشويه ثورة 23 يوليو و
قائدها جمال عبد الناصر متهمين الرئيس عبد الناصر بأبشع التهم و مجللين عهده
بالسواد ، وبعد وفاة الأستاذ مصطفى أمين مازال أفراد هذا القطيع يواصلون دوره و
مهمته فى الهجوم على عبد الناصر وعهده والتباكى على براءة مصطفى أمين .
عندما تتحدث الوثائق لتدمغ الخونة بأدلة عمالتهم ، لا يملك هؤلاء
سوى حكايات المصاطب وجلسات النميمة لمحاولة تبرئة أنفسهم بها.
0 تعليقات