آخر الأخبار

ضدان لا يجتمعان ( الوطنية والجماعات الأصولية )

 

 


 

 

 

محمود جابر

 

أتابع كثيرا من الكتابات الجادة الوطنية التى تحاول أن تجعل سير ومنهج وطريقة الرئيس عبد الناصر مقياسا للوطنية بشكل عام، والوطنية المصرية بشكل خاص، وان الاختلاف مع هذا المنهج تكتيكا وإستراتيجيتا يجعل من صاحب المشروع أيا ما كان اسمه مخالفا للمشروع الوطني المصري والعربي، وبعيد عن ساحة النضال، وجزء من شبكة اقتصاد السوق أو وكيلا لها ...

 

ووفقا لهذا المنهج لا اختلف مع كل من يكتب وفق هذا المنظور وتلك القواعد .

 

بيد ان من قواعد أصول الفقه – الفقه يعنى الفهم للشيء والعلم به، وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم – أن الحكم يتغير بتغير الزمان والمكان .

 

فقد تصدى الإمام على لتمرد المتمردين وعلى رأسهم معاوية بن أبى سفيان ودار بينهم معارك كثيرة حتى قضى الإمام نحبه، وبعدها صالح الإمام الحسن بن على معاوية وتنازل له عن الخلافة، وبعد ان قضى الإمام الحسن بن على نحبه تصدى اخيه الإمام الحسين بن على ليزيد بن معاوية حتى قضى الحسين شهيدا، فصلح الحسن لمعاوية لم تقل من مكانة الامام على، ولا حرب الحسين ليزيد تعتبر انقلابا على ما فعله أخوه (الحسن) من قبله، فتغير الحكم بتغير الزمان وتغير شخوصه وأحداثه، ولكن يبقى هناك نقطة ثبات فى القضية وهو الحفاظ على (المصلحة): وهى وحدة الأمة ووعيها.

 

إذا كان هناك قاعدة رشد يدور حولها وهى مصلحة الأمة ووحدتها..

 

-2-

 

لم يكن شهر يونيو 2013 شهرا عاديا، فقد كانت الجماعة تستعد لوضع لمساتها الأخير على تغيرات جذرية فى وجدا المجتمع المصرى...

 

ففى يوم 2 يونيو 2013 قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون مجلس الشورى وقانون معايير الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وقانون الطوارئ. وبما أن الحكم صدر بعد إقرار دستور 2012 فقد بينت المحكمة أنه يتعين الأخذ بأحكام الدستور الجديد إعمالاً لنتيجة الاستفتاء، وأن القضاء بعدم دستورية النصوص المطعون فيها يستتبع بطلان المجلس الذي انتخب على أساسها منذ تكوينه إلا أنه يوقف أثر هذا البطلان صدور الدستور الجديد في ديسمبر 2012 والذي نص في المادة 230 علي أن يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالي سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتي انعقاد مجلس النواب الجديد، وعلى ذلك فيستمر مجلس الشورى في ممارسته سلطة التشريع على النحو المنصوص عليه في المادة 230 من الدستور حتي انعقاد مجلس النواب الجديد.

 

وفى نفس اليوم أطلقت الجماعة حملة ( تجرد) فى مواجهة حملة تمرد التى أعلن عنها جموع من أنصار الدولة المدنية فى مصر والتى انطلقت فى 28 ابريل من نفس العام .

 

وفى يوم 15 يونيو انعقد ما يسمى باسم ( مؤتمر الأمة الإسلامية لنصر سوريا) فى إستاد القاهرة بحضور الرئيس المخلوع محمد مرسى مستهلا كلمته بـ لبيك يا سوريا!!

وحضر اللقاء على المنصة الرئيسة كلا من :عاصم عبد الماجد وألقى كلمة ممثلا عن الجماعة الإسلامية وقال في ختام كلمته .. موعدنا 30 يونيو .. الثورة الإسلامية الكبرى.

 

ثم القي كلمة الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح الشيخ على السالوس رئيس الهيئة قال في كلمته ان الله أمرنا ان نقاتل الطائفة الباغية، والآن الطائفة الباغية إما ملحدة أو مشركة والطائفة المؤمنة هي التي يتم البغي عليها .

 

وألقى محمد حسان كلمته وطالب أن تعلن مصر الحرب على سوريا!!

 

مؤتمر سوريا كان يهدف الى انقلاب فى مفاهمي الحرب والسلام فى العقل المصرى بشكل عام، وهو أداة للخروج من الأزمة السياسية التى بدأت تتصاعد داخليا  رافضة لسياسات الإخوان ومنهجهم فى اختطاف الدولة المصرية.

 

وفى اليوم التالى للمؤتمر قام مرسى بعمل حركة محافظين وتم تعين محافظين إخوان فى مواجهة شبح الثورة القادم عليه وعلى جماعته.

 

وفى يوم 21 يونيو قامت الجماعة بتنظيم مظاهرات مؤيدة لمحمد مرسى فى كل ربوع البلاد، وهو عمل استباقي لدعوة القوات المسلحة للقوى السياسية لمنع البلاد من الانزلاق فى نفق مظلم على حد تعبير بيان الجيش صاحب الدعوة فى 22 يونيو.

 

وفى اليوم التالى كانت جماعة الإخوان مصممة وعازمة على الانزلاق بالمجتمع المصرى فى النفق المظلم فقاموا بالتخطيط لقتل الشيخ حسن شحاته احد قادة الشيعة فى مصر، من اجل إشعال حربا مذهبية.

 

وكان المشهد هنا مشهدا فارق حتى وصلنا الى 3 يوليو لحظة عزل مرسى وإعلان خارطة الطريق ...

 

-3-

 

لم يكن خلع محمد مرسى من منصب عملا هينا، ولم يكن مرسى ولا جماعته هم وحدهم أصحاب القرار لا فى الداخل المصرى ولا فى الإقليم، ولكن ثمة تحالف واسع من الحلفاء والأصدقاء والشركاء والممولين، وجماعات جاءت من كل الدنيا خلال العامين السابقين تمركزوا فى سيناء وفى الدلتا وفى أطراف مصر بعد ان سقطت ليبيا، ووجود نظام اخوانى فى جنوب مصر ( السودان)، ولم يكن تهديد جماعات الإخوان وحلفاءهم لمصر وللجيش كلاما عابرا ولا من قبيل التخويف والتهويل.

 

وهذا هو الفارق بين ان تعيش ضمن تحالف أصولي وتحت ظلهم وشرعيتهم، او تخلق نظاما خليطا من الإخوان والأصوليين والليبراليين، كما فى تركيا، أو حتى فى إيران الثورة، أو حتى فى تونس، والمغرب، والأردن، واليمن قبل 2011، فكل هذه النظم هى شراكة ما بين الأصوليين وغيرهم سواء من يدير الأمور، ملكا كانت كما فى النموذج الاردنى او المغربى، او رئيسا كما فى العديد من الدول، المهم كان يمكن للسيسى ولقادة الجيش أن يظلوا يتمتعوا بصلاحياتهم ومناصبهم ووجودهم المحصن فى ظل الإخوان وان فقدوا شيء من صلاحياتهم كما فعل قادة الجيش فى إيران وتركيا، ولكن اللحظة كانت لحظة اختيار، والاختيار كان له تبعاته داخليا وخارجيا.

 

فتبعات الاختيار الداخلي كان يتمثل فى تململ شعبى من قطاع واسع كان يرى فى الاخوان فصيل مؤمنا يمكن ان يحقق لهم حلم الخلافة، و فصيل علمانيي ( ليبرالي – يسارى) يرى ان هذه هى الديمقراطية، وفصيل اخر من كل لون كان يرى ان ما يمكن ان يأخذه فى ظل الإخوان لن يناله فى ظل سلطة أخرى.

 

ناهيك عن عجز الموازنة عن سداد الاحتياجات من الوقود والنقد كما هو الحال الآن فى لبنان او تونس، وعجز الدولة عن توفير احتياجاتها من الكهرباء بعد ان عجزت عن عمل صيانة لمحطات توليد الكهرباء وظهور عجز واضح عن انتاج ما تحتاجه مصر من طاقة كهربائية، وفى المقابل كان هناك انفلات امنى وانفلات فى السلاح وانفلات فى كميات كبيرة من المتعطلين عن العمل ممن راحوا يمارسون سياسة الابتزاز بالقوة والتظاهر والتجمهر أمام دواوين الحكومة فى المحافظات والقاهرة للنيل التعين فى الدولة باى صورة من الصورة مما يستتبع توفير نقد لرواتبهم التى سوف يحصلون عليها، فى المقابل كان قد جرى اختراق جهاز الشرطة المدنية من أعلى مستوياته الى أدنى المستويات فضلا عن وجود مثلهم فى الجيش ولو بنسبة بسيطة .

 

التصدى لجماعة الإخوان وحلفائهم لم يكن موقفا عابرا وله هينا ولا بلا ثمن .

 

وان من يتحمل هذا الموقف فهو لا يتحمل موقف بغية الوصول الى السلطة، فلو كان السلطة هى الهدف فإن العقل يحتم عليه – السيسى ومن معه- ان يعيد التحالف والمصالحة معهم ومشاركة بعضهم فى السلطة بشكل أو بآخر المهم ان لا يذهب بالعداء معهم الى نهاية الشوط هذا ان كان الهدف من وراء الخلع أو الانقلاب هو السلطة .

 

اذن يبقى فكرة الحفاظ على الدولة الوطنية من الجماعات الأصولية هى القاعدة التى يمكن ان نقيس عليها وطنية السلطة السياسية الحاكمة من عدمها، ويمكن ان نجعل من تلك القاعدة؛ قاعدة تقيم لسلوك السلطة السياسية الحاكمة، وخاصة ان الذين أرادوا ان يحتفظوا بالسلطة فى تجربتين سياسيتين سابقتين كانوا عدتهم فى الحفاظ على سلطتهم كانت هى تلك الجماعات كما فعل قبل ذلك السادات وكما فعل مبارك، فالأول استعان بتلك الجماعات ليتمكن من إزاحة خصومة من السلطة وان ينفرد بالحكم دون شريك أو منافس، والثاني استعان بالجماعة من اجل بقاءه فى السلطة مستخدم هذه الجماعات كفزاعة داخلية وخارجية، ومن خلال وجودهم أدار معركة بقاءه وتحالفاته فى الداخل والخارج .

 

-4-

 

ونحن لا يمكن ان نقيم سلوك السلطة الحاكمة وسلوك السيسى من خلال البعد الاقتصادي، وكون الاقتصاد المصرى أصبح جزءا من اقتصاد السوق ويعتمد فى التنمية – المستدامة- على المؤسسات الدولية كالبنك النقد الدولى، والشركات متعدد الجنسيات والاستثمارات الأجنبية، وفقط، والا لقلنا أن كل من روسيا والصين هما جزء من هذا المعسكر، وهنا فان التقيم من خلال منظور واحد قد يحرفنا عن التقيم السليم والسديد، ولكن أرى ان محور التقيم فى الزمان والمكان وتحديدا فى منطقتنا وفى بلدنا التقيم هنا يجب ان ينطلق من سؤال : هل السلطة السياسية تحافظ على الدولة الوطنية المصرية، وتزود عنها وتعمل على تنميتها وتبنى خطوط الأمن القومى خارج حدود جغرافية مصر أم ان السلطة تنكمش وتتوارى خلف الحلفاء والأصدقاء، وتبحث عن عيشا هانئا لا تغضب الشارع ولا الرؤى العام ولا تدخل فى معارك هنا وهناك، حتى تتمكن من العيش بسلام دون الدخول فى معارك اصح وتحديد ودفاع وقوة ...

 

اعتقد ان سلوك السلطة فى التحالف والاقتصاد يصبح جزء من التقيم وليس قاعدة للتقيم وإلا ضل بنا الطريق ..

 

ولو حاولنا أن نقيم سلوك ناصر فى مبادرة روجرز أو فى قبوله تمويل مشروع السد العالى من البنك الدولى قبل رفضه وغيره من الأشياء، فلا اعتقد أننا سنكون منصفين لعبد الناصر كما يفعل المغرضين، ولا اعتقد ان ناصر لو عاد وكان وزيرا للدفاع فى 2012 وما بعدها فهل  كان سيفعل مثلما فعله فى 1952؟!

 

إرسال تعليق

0 تعليقات