نصر القفاص
يعتمد "خدم الملكية والاستعمار" على "الكذب"!
كانت – ومازالت – ماكينات "الكذب" تدور بأقصى طاقتها,
حتى أنتجت جهلا يفاخر بعضنا بعرضه علينا.. أصبح الجهل "موضة" مطلوب
ترويجها.. يقوم بعرض الجهل جماعات – الإخوان والسلفيين – وأفراد من رجال المال,
يسمونهم "مستثمرين" و"رجال أعمال" ويعاونهم سفهاء وخونة
وانتهازيين.. وعندما يتصدر هؤلاء الواجهة.. فالمجتمع على طريق
"المستنقع" أو "المصيدة" سابقة التجهيز.. وجعلوا لها اسما
غامضا.. براقا.. هو "الأوف شور"!!
فى خطاب القرن العشرين الذى ألقاه "جمال عبد الناصر" يوم
26 يوليو من عام 1956 وأعلن فى نهايته تأميم شركة قناة السويس.. كشف أبعاد وتفاصيل
خطط الاستعمار وصارح الشعب بها.. شرح ما حدث بعد رحيله, كما لو كان يقرأ
المستقبل.. تناول أهمية وخطورة ورقة تسليح الجيوش.. فقال: "إستطعنا إن احنا نشترى
سلاح من روسيا.. باقول من روسيا.. مش من تشيكوسلوفاكيا.. ووافقت روسيا إنها تمدنا
بالسلاح.. بعدها حصلت الضجة الكبرى.. بيقولوا.. دة سلاح شيوعى.. مش عارف أنا إن
فيه سلاح شيوعى وسلاح غير شيوعى.. أنا أعرف إن السلاح اللى بييجى هنا.. يبقى سلاح
مصرى.. إستغربت الضجة دى.. إيه السبب؟! قالوا إنهم عاملين خطة للحفاظ على ميزان
التسلح فى الشرق الأوسط.. أما يدوا السبعين مليون عربى بندقية.. يدوا المليون
صهيونى بندقية.. علشان يفضل الصهاينة متفوقين باستمرار.. يدوا الدول العربية كلها
طيارة, مقابل طيارة لإسرائيل.. ويقولوا دة حفظ التوازن.. مين اللى عملكوا أوصياء
علينا, علشان تحققوا التوازن فى هذه المنطقة؟! إحنا شعب حر مستقل لا يقبل
الوصاية.. لكن كان فى جيبهم احتكار السلاح.. إحنا كسرنا الاحتكار دة وحصلنا على
السلاح فى أسرع وقت.. إنهارت خططهم.. ما بقاش فيه تحكم عن طريق السلاح"!!
إستمر "عبد الناصر" فى شرح أبعاد المعادلة أو القضية..
أضاف قائلا: "كاتب انجليزى قال فى واحدة من جرايدهم.. إحنا عارفين العرب
دول.. كل ما يزعلوا نديهم شوية أسلحة يلعبوا بيها!! مين اللى قدم إسرائيل.. مين
اللى كان ماسك الانتداب على فلسطين.. بريطانيا.. مين اللى ادى وعد بلفور سنة
1917.. بريطانيا.. مين سبب نكبة أهل فلسطين, وسمح للصهاينة بالتسلح ومنع السلاح عن
العرب.. بريطانيا.. كانوا عارفين إن فيه جيش إسمه الهاجاناه مسلح بأحدث الأسلحة,
وإنه هيقوم يستولى على فلسطين.. بريطانيا كانت تعلم ما حدث.. وأمريكا إعترفت بإسرائيل
بعد دقيقة من إعلان قيامها.. كان هدفهم حاجة واحدة, يجب أن يعلمها كل فرد فينا
ويعلمها لأولاده.. القضاء على قوميتنا العربية.. هم بيعتبروا إن فيه قومية بتجمعنا
من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى.. وإن دى قوة لو استيقظت هتكون قوة كبيرة..
كان لازم يمنعوا دة.. علشان كدة جابوا الصهاينة للقضاء على شعب فلسطين, وبعد كدة
باقى الشعوب العربية.. والصهاينة يعلنوا إن وطنهم المقدس من النيل إلى الفرات..
يقولوا إحنا عايزين نستأنف حرب التحرير.. نحرر سيناء.. يحرروا سيناء من مصر..
يحرروا الأردن من العرب.. يحرروا جزء من العراق.. بيقولوا الكلام دة فى برلمانهم..
العملية مش وطن قومى لليهود فى فلسطين.. دى عملية إبادة للعرب.. علشان كدة لازم
ندافع عن نفسنا, علشان ما نبقاش لاجئين زى شعب فلسطين"!!
بعد 65 سنة من خطاب "عبد الناصر" نرى حولنا لاجئين من
سوريا.. لاجئين من العراق.. لاجئين من اليمن.. لاجئين من ليبيا.. وما حدث يتم
ترويج الجهل حوله بأن الشعوب التى ثارت من الفقر والديكتاتورية ونهب ثرواتها هى
التى دمرت بلادها.. تركوا القاتل ويحملون القتيل المسئولية.. لا يقولون أن حكاما
طغاة حكموا لعشرات السنين, وجعلوا شعوبهم أذلاء وفقراء مقابل خدمة الاستعمار
الجديد.. مقابل الاستمتاع بجزء من ثروات دولهم فى بنوك "الأوف شور"
وتركوا باقى ثروات تلك الدول لذيول الاستعمار من "رجال المال" الذين أصبحوا
أرقاما صعبة فى المجتمعات العربية!!
حذر "عبد الناصر" من الكارثة وشرحها.. كان مستهدفا حيا..
واستمر استهدافه ميتا بترويج أنه سبب خراب مصر!!.. الذين صنعوا الخراب – ومازالوا
– ينسبونه إلى "عبد الناصر" الغائب عن الدنيا منذ نصف قرن.. بل أكثر..
ولو افترضنا تصديق أكاذيبهم وجهلهم, بأنه صنع الخراب فى 18 سنة.. فمن حقنا أن
نسأهم عن الذى صنعوه طوال أكثر من نصف قرن بعد رحيله !! لن تجد إجابة.. لأن
المطلوب ترويج الجهل والكذب لصالح من يمسكون بدفة سفينة "الأوف شور"
التى توزع الخراب على دول العالم "النايم"!!
أوضح "عبد الناصر" فى الخطاب أن: "جبنا الأسلحة
بدون قيد أو شرط.. ندفع ثمنها بس.. مافيش أى قيد ولا شرط.. وبعد إعلان صفقة
الأسلحة, أرسلت واشنطن مندوب إلى مصر.. مستر آلان.. جورج آلان.. اللى نقلوه إلى
أثينا الجمعة اللى فاتت.. جه يحمل رسالة من الحكومة الأمريكية.. كان مفروض أنه
هيقابلنى.. جت تلغرافات من واشنطن ووكالات الأنباء تقول إن مستر آلان يحمل إنذارا
إلى مصر.. مستر آلان يحمل تهديدا إلى مصر بقطع كذا وكذا.. وعمل كذا وكذا.. بعدين
اتصل بى أحد الأمريكان الرسميين, وطلب مقابلة خاصة.. قابلته.. قال لى.. إنه متأسف
على الوضع الحالى اللى وصلت له العلاقات بين أمريكا ومصر.. وإن مستر آلان معاه
رسالة شديدة من الحكومة الأمريكية, قد تمس العزة المصرية.. وأنا أطمنك أن الرسالة
مش هيكون لها أثر.. لأننا نستطيع أن نقضى على أثرها, وأنصحك إنك تقبل هذه
الرسالة.. سألته.. رسالة فيها إهانة للقومية المصرية والعزة المصرية؟! قالى لى..
دى رسالة من مستر دالاس.. وزير الخارجية الأمريكى.. واحنا مستغربين من إرسالها..
إحنا بنطلب منك إنك تكون هادىء الأعصاب.. وإنت طول عمرك هادىء الأعصاب, وتقبل
الرسالة.. قلت له.. إزاى أقبل رسالة فيها تهديد.. فيها جرح للعزة المصرية.. فقال
لى.. لن يترتب على الرسالة أى نتيجة عملية.. وأنا أضمن لك هذا.. قلت له.. إسمع..
أنا مش رئيس وزراء محترف.. أنا رئيس وزارة جاى بثورة.. عمرى ما فكرت فى حياتى إنى
أبقى رئيس وزراء.. يعنى دى عملية جت بالشكل الذى رسمته الأحداث.. مندوبكم إذا جه
لى واتكلم كلمة هاطرده برة المكتب.. دة كلام رسمى, وهاطلع أعلن للشعب المصرى إنكم
أردتم أن تهينوا عزته وتذلوا كرامته.. وسنقاتل حتى آخر قطرة فى دمائنا.. وأنا
شخصيا سأقاتل فى سبيل عزة مصر وكرامتها, لآخر قطرة فى دمى لأن هى دى المبادىء اللى
أنا قمت من أجلها.. هتهددوا بقطع معونة.. فاطلع اعلن قطع المعونة.. تهددوا بأى
شىء.. هاطلع اعلنه.. واحب إنكم تعرفوا إن احنا ما اخدناش دروس فى الدبلوماسية..
ولا فى السياسة.. إحنا ناس قمنا بثورة, وبنتجة إلى تحقيق أهداف هذه الثورة..
الكلام دة حصل فى اكتوبر.. بعدها جانى تانى, وقال لى أنه بلغ كلامى لمستر آلان
اللى دلوقت محتار.. لأنه لو جه هيطرد.. وإيه اللى يحصل بعدها.. قلت له.. ماعرفش..
اللى أعرفه إنى هاطرد اللى جاى يبلغنى رسالة دالاس وجه مستر آلان وما فتحش بقه
بكلمة.. قعد وسمع وجهة النظر المصرية.. وقال وجهة النظر الأمريكية بإيجاز.. ودى
كانت الضجة اللى حصلت.. تهويش.. تضليل.. بيعاملونا على أساس زمان.. وأقرأ الصحف
البريطانية والفرنسية والأمريكية كل يوم.. فيها العجب.. بيشتمونا لأن احنا فلتنا
من الخية اللى كانوا عاملينها لنا.. فلتنا من السلاسل اللى كانوا بيحطونا فيها..
إستطعنا غصب عنهم نقرر ما نريد فى بلادنا بسياسة مستقلة حقيقية".
راجع ما ذكره "عبد الناصر" فى خطابه.. دقق.. ستعرف أن
السياسة الأمريكية, تجيد التعامل مع حكام معزولين عن شعوبهم.. والساسة الأمريكان
يوزعون الأدوار, فإذا كان وزير الخارجية شديد اللهجة.. ستجد رجال المخابرات
والبنتاجون يتحدثون بلطف.. وإذا هدد الريس الأمريكى, يخرج وزير الخارجية ليزعم أن
كلامه فهم خطأ!! هم يعتبرون ذلك سياسة, ويرحبون بمن يخضع لقواعد اللعبة على
الطريقة الأمريكية "التهويش والتضليل"!! وواصل "عبد الناصر"
حديثه فقال: "ليه أنا كنت باتكلم هذا الكلام؟! كنت باتكلم يا إخوانى وأنا
مطمن وباشعر بالقوة.. ليه؟! لأنى أشعر أن هذا الشعب كله سيكافح فى سبيل العزة اللى
اتحققت.. ماكنتش باتكلم بقوة جمال عبد الناصر.. كنت متأكد أن كل أبناء مصر
هيقاتلوا لآخر قطرة فى دمائهم.. مافيش انقسامات ينفذوا منها, كما كانوا ينفذوا فى
الماضى.. إنما نحن جميعا كتلة وطنية.. جبهة واحدة وراء أهداف الثورة. كنت باتكلم
بشجاعة لأنى عارف إن ضهرى مسنود بقوتكم.. بعزيمتكم.. مسنود بتصميمكم.. العملية مش
شجاعة جمال عبد الناصر أو قوة جمال عبد الناصر.. العملية شعب متحد.. شعب قوى.. شعب
عرف طعم الحرية.. عرف طعم العزة.. مستعد إنه يقاتل.. مستعد إنه يضحى زى ما ضحى
محمود حافظ وصلاح مصطفى فى الأسابيع اللى فاتت.. كانت آخر كلمات قالها صلاح
مصطفى.. الحمد لله.. بلغوهم يخلوا بالهم.. دى الطينة اللى اتخلق منها هذا الشعب..
صلاح مصطفى واحد منكم.. إبن تاجر من المنصورة.. يحس بإحساسكم ويشعر بمشاعركم.. ودة
الدافع اللى كان بيديني القوة, ويخلينى أكلم مندوب الحكومة الأمريكية بأساطيلها
وقوتها وعظمتها.. واقول إنى هاطرده.. لأنى عارف إن الشعب المصرى لن يقبل هذا..
سيقاتل فى سبيل حريته لآخر نقطة دم فى عروقه.. وبعد ما انتهت قصة السلاح.. بدأت
قصة السد العالى".
يقوم منهج "الأوف شور" على السرية الصارمة.. سرية فى نهب
الأموال.. سرية فى تهريبها.. سرية فى حفظها.. لضمان سرية خطط الاستعمار بوجهه
الجديد.. ويتطلب نجاح منهج :"الأوف شور" أن يتم خداع الشعوب بمظاهر وشكل
التنمية.. فالمجتمع الذى يأخذ بهذا النهج, يجب أن يبتعد عن التفكير فى التصنيع..
لأنه يجب أن يستمر كمجتمع يستهلك ما ينتجه الغرب.. يجب أن يعتمد على غذاء الغرب..
سلاح الغرب.. أدوية الغرب.. وأن يكون أسير الديون التى يورطه فيها الغرب.. فهم لا
تعنيهم الديون.. المهم عندهم فوائد الديون, التى تمص دم الشعوب وتضمن استمرارها
تلهث لخدمة الديون.. وعندما أصبح "الأوف شور" نظام سياسى يوازى النظام
المالى.. كان نموذج الحاكم الذى لا يعنيه غير رضى واشنطن وعواصم الغرب, هو النموذج
المفضل!! لم يعد مسموحا أن يظهر "عبد الناصر" آخر.. ولا
"تيتو" آخر.. ولا "نهرو" آخر.. وإذا ظهر من تفوح منه هذه
الراحة, يتم إعلان الحرب عليه بتدوير ماكينات الكذب لصناعة الجهل.. ويخدم هذا
المنهج لصوص وخونة وسفهاء, يتكاثرون بسرعة ويتم تمكينهم من مقدرات بلادهم!!
يعود السؤال ليفرض نفسه.. وهل كان "عبد الناصر" يدرك
ذلك؟!
الإجابة تؤكدها الحرب عليه رغم وفاته بما يزيد عن نصف قرن.. فهم لا
يكفون عن ترديد أنه سبب أزمات مصر الاقتصادية.. رغم أن مصر خرجت من حرب اكتوبر
1973 مرفوعة الرأس, وكل ديونها لا تتجاوز مليارى دولار.. وطوال نصف قرن نسمع عن
إصلاح اقتصادى لا يتحقق.. وعن استثمار لا يأتى.. وكل ما يحدث هو "التنمية
المستدانة"!!..
يتبع
0 تعليقات