رأفت السويركي
لا تزال "نخبة الضجيج" المصرية تمارس الضوضاء المشبوه في
مسألة "سد أبرهة الأشرم الحبشوي"؛ وتواصل جوقاتها السياسوية الإصرار على
إغلاق رؤوسهم عن التفهم المرن للحدث بطبيعة ما تقولبوا عليه مسبقاً في دهاليز
"التدين المشبوه" و"التسيس الماسونوي الجماعاتي"
و"التأدلج المتمركس" و"التنشط الدولارتوي".
أحدث مواويل تلك النخبة تدور راهناً حول "الموقف النفعوي
الفج" الذي تبدو عليه الصين "دولة الرأسمالوية الإمبريالوية
الجديدة" وروسيا " الدولة المتمركسة العجوز" والولايات المتحدة
الأميركية " دولة الرأسمالوية العولموية المتهالكة"؛ وكل منها تسلك
موقفاً سياسوياً مناورا؛ً بالتغافل عن الحمق السياسوي الذي ينتهجه "آبي
أحمد" الماسونوي المتصهين وحفيد أبرهة الأشرم.
*****
"نخبة الضجيج" في خطاب عدائها الساقط حول الدولة المصرية
الراهنة تتغافل عن فهم محركات الدافعوية السياسوية لــ "نظام شي جين بينغ
الصيني"؛ و"نظام بوتين الروسي"؛ و"نظام بايدن الأميركي"؛
حيث يلعب كل منهم بحساباته الاستراتيجوية الخاصة والتي لا تريد تلك النخبة أن
تضعها أمامها حين تمارس دور خبراء "سمك لبن تمر هندي" في كل القضايا
بالفضاء الافتراضوي "ولا تريد أن تنقطنا بسكوتها"!
فهل تفهم "نخبة الضجيج" بهدوء أسباب نتائج جلسة ما يُسمى
" مجلس الأمن الدولي" والمحكومة بحسابات مصالح قواه الرئيسة؛ والتي تلعب
بها سياسوياً بعيداً عن الثوابت القيموية المحكومة بمنطق "الغاية تبرر
الوسيلة" ومفهوم "اللي تغلبه إلعب به"؛ لذلك دفعت تلك الدول بإلقاء
ملف " سد أبرهة الحبشوي" في ملعب "الاتحاد الأفريقي" العاجز
والذي "لا بيهش ولا ينش" مرة أخرى. وهذا الموقف السياسوي النفعوي كان
متوقعاً من "مكاتب التفكير المصرية"؛ وغير معوَّل عليه في حسم الملف.
"نخبة الضجيج" في موقفها التحريضوي المضاد لنظام الدولة
المصرية الراهن تتتوهم وتتمنى أن تكون مواقف الدول الأساس في النظام الدولي نوعاً
من "كشف الغطاء" عن الدولة المصرية؛ لذلك ينفضح الغل الدفين في عقول هذه
النخبة فاسدة التفكير تجاه المواقف الرسموية المصرية؛ وتبدو وكأنها تمارس الشماتة
منها.
إن أولوية النهج الغالب في ملعب السياسة الدولية العولموية الجديدة
صار مرتبطاً بمعايير المصالح المشتركة بدلاً عن معيار الصداقة والعلاقات
التاريخية، ولو كانت هناك توافقات على الطاولات الدبلوماسية فإنها تكون فاقدة
للفاعلية والتطبيق في ميادين ومواقع الصراعات والاختلافات.
*****
ينبغي على "نخبة الضجيج" أن تسترد الوعي بخطوط وموازين
القوى الفاعلة في مشكلة "سد أبرهة الاشرم الحبشوي"... ولماذا لم تأتِ
نتائج جلسة مجلس الأمن بما تتمناه هذه النخبة من ضربة عسكريتارية له؛ ليس بدافعية
الخوف على نهر النيل؛ ولكن بمتمنى "التورط غير المحسوب" في هذه الخطوة
التي يقبض على ملفها منذ البدء "العقل الدبلوماسوي" ومجاوراً له كتفاً
بكتف "العقل العسكريتاري" المصري؛ بأفرعه "المعلوماتية
الاستخباراتية" و"العملياتية الخاصة والجوية والبحرية والبرية"...
محكوماً بالتوجيه التاريخوي القديم منذ "زمن الفراعنة" بـ "تحرير
النهر"؛ والذي تجسده حديثاً عبارة: "اللي عايز يجرب يجرب ولن نفرط في
نقطة مياه واحدة".
*****
إن "معلقات التفاهة" النخبوية في فضائي "فيسبوك
وتويتر" تتجاهل القراءة الصائبة لمواقف القوى الدولية؛ وتغض العقل عن فهم
وتقدير حسابات القوى الرئيسة في السياق العولموي ومنها:
** الصين "دولة الرأسمالية الإمبريالوية الجديدة":
إن التحول الانتقالي الذي تسلكه الصين راهناً من "النمط
الماركسوي القديم" إلى "نمط رأسمالية الدولة العولموية الجديدة"
يتحكم في آدائها ومواقفها المعلنة والمستترة؛ وهي تنازع الهيمنتين الأميركية
والروسية في العالم باقتحام القارة الأفريقية التي لا تزال بكراً؛ وتحاول إحياء
مشروع "خط الحرير القديم".
- لذلك فالاستراتيجية الحاكمة التي تلعب بها الصين الرأسمالية
راهناً هي ما تسمى "دبلوماسية الديون الناعمة" التي تغرق بها أنظمة
إدارة الحكم في الدول الأفريقية؛ وبها تتحكم في القرار السياسوي الأفريقي. وتعتبر
"أثيوبيا/ الحبشة" خير أنموذج لتطبيق ذلك النهج الصينوي الجديد. إذ بلغت
كمية ديون الصين لديها قرابة الـ 14 مليار دولار ولا تزال مقابل رهن أصول كثيرة.
لذلك تجنح الصين الرأسمالية العولموية الجديدة لمساندة النظام الحبشوي لتكون
آثيوبيا قاعدة ومرتكز اختراق للقارة المستهدفة دوماً بالغزو من العدو والصديق.
- وفي الوقت نفسه تلعب الدبلوماسية الرأسمالوية الصينية الجديدة
على خط اتقاء تقرير نهج دولي بموافقتها في مجلس الأمن الدولي ليقف لاحقاً أمام
طموحاتها بسرقة مياه الأنهار؛ حيث تعتزم بناء سد عملاق على "نهر براهمابوترا"
في "التيبت" والعابر نحو الهند ثم بنجلادش، ليصب في "نهر
الجانج" ثم إلى البحر كحالة نهر النيل أنموذجاً". لذلك بموقفها المساند
للحبشة أمام مجلس الأمن تنطبق عليها مقولة "يكاد المريب يقول خذوني".
** روسيا "الدولة المتمركسة العجوز":
----------------------------
المستهدف من التواجد الروسي في مشكلة "سد أبرهة الاشرم"
سياسوي بالأساس ويعبر عن طموحات "الدولة المتمركسة القديمة"؛ والمتجلية
في توظيف القناع العسكريتاري؛ ولعل هذا الموقف الانتفاعي يتضح في "اتفاقية
التعاون العسكري الروسي/ الأثيوبي" لـ " تعزيز قدرات الجيش الأثيوبي
المهارية والتكنولوجية".
- وذلك التعاون بقدر الظن قيامه لاحقاً بتوفير الحماية لـ "سد
أبرهة الأشرم"؛ فإن غرضه الأساس من هذا الاختراق هو التمدد العسكريتاري في
أغلبية الدول الأفريقية تنافساً مع المنافس الصيني الجديد بالاقتصاد والخصم
الأميركي التقليدي القديم المتعدد الأوجه.
- ومن هنا فإن المناورة السياسوية الروسية في مسألة "سد أبرهة
الأشرم" تطالب بالتأكيد على التفاوض "لأن الاطراف كلها من
الأصدقاء" وسيلة لتهدئة الصراع المتنامي على الماء في العالم.
- لذلك اقترح الروس "إجراء جولة جديدة من المفاوضات في
نيويورك (مقر الأمم المتحدة) بين كل الأطراف المعنية"، مع إبداء الاستعداد
للمساهمة في هذه الخطوة.
** الولايات المتحدة الأميركية " دولة الرأسمالية العولموية
المتهالكة":
----------------------------------------------------
عين الدولة الأميركية الرأسمالية القديمة منظارها سياسوي يركز على
قيمة النفوذ والهيمنة وتقليم أظافر المنافسين (الصين وروسيا)؛ لذلك فقد كان خطابها
محكوماً بهذه الرؤية الاستراتيجوية المحددة بـ " القرن الإفريقي في مرحلة
عصيبة، وبالتالي فإن القرارات المقبلة ستؤثر على شعوب المنطقة على المدى
الطويل".
- لذلك تطالب "دولة بايدن" الالتزام "بمعالجة
الأزمات الإقليمية المتشابكة، والاستعداد لدعم الجهود البناءة من الدول الثلاث
لتسوية الخلافات الخاصة بالسد".
- ولا تسعى "دولة بايدن" لامتلاك خصوصية لحسم المشكلة
تقديراً لحضور المنافسين لها(الصين وروسيا) بالقول "لابد أن تنعقد المفاوضات
تحت رعاية الاتحاد الإفريقي وأن تبدأ على نحو عاجل وفق إعلان 2015 وبيان 2020
كأساس يستند عليه".
ويبرز التكتيك الأميركي في مطالبة "الأطراف جميعاً بالامتناع
عن الإدلاء بأية بيانات أو اتخاذ أية إجراءات قد تهدد المفاوضات".
*****
والنتيجة التي تشكلها هذه المرحلة من "التكتيك الدبلوماسوي
المصري" بتدويل مشكلة "سد أبرهة الأشرم" قد حققت المستهدف المطلوب
سياسوياً؛ وهو ما "تتمغص" منه "نخبة الضوضاء" المصرية؛ فتواصل
الصراخ والطعن في النتائج المتحققة؛ والتقليل من أهميتها بأسبقية تصدير المشكلة
المقصودة للمجتمع الدولي عبر اعتبار نهر النيل عابراً للدول؛ وأنها تضع ملف
"حروب الماء" على طاولات الاهتمام الاستراتيجوي مبكراً.
والمؤسف أن هناك من النخبة الفاسدة من يروج مغالطة لما اعتبره
"هزيمة الدولة المصرية" سياسوياً في القضية؛ ودليله عدم إصدار
"مجلس الأمن الدولي" القرار الملزم لـ "نظام حفيد أبرهة الأشرم
الصهيوماسونوي" باتباع المطلوب والمتفق عليه حول هذا السد؛ والحفاظ على مبدأ
التفاوض وحصر المشكلة في محيطها الأفريقي بدل تدويلها.
غير أن ما يكشف فساد عقلية هذه النخبة هو المختبئ المضمر
"المسكوت عنه" في نهج وخطاب تعامل الدولة المصرية الراهنة مع عناصر
الأزمة؛ فآليات القوة العسكريتارية المصرية موجودة وثقلها الحاسم ثابت؛ وفعاليتها
موثوق بها؛ ولكن إشهارها وتوظيفها محكوم بثوابت واستراتيجية التمويه والمخادعة
والمباغتة.
** براعة العقل العسكريتاري المصري اختراق خط بارليف أنموذجاً:
------------------------------------------------------
وهذه الاستراتيجية الأصيلة أثبتت نجاحاتها العملياتية سابقاً؛ ولعل
اقتحام واختراق وتدمير "خط بارليف" يثبت عبقرية العقل العسكريتاري
المصري. لذلك ينبغي استدعاء منجز هذه القضية مع التفكير في مشكلة "سد أبرهة
الأشرم".
وعلى "نخبة الضجيج" المصرية وغيرها من النخب المشوهة
الوجدان والعقول استدعاء الظروف المشابهة تاريخاوياً حين تحليل مناخات الأزمة
الراهنة. فقد أطاحت الدولة المصرية ـ في إطار "لعبة التمويه
الاستراتيجوي" سابقاً ومخادعة العدو الصهيونوي وراعيه الأميركي ـ أطاحت
بالخبراء السوفيات طرداً لتحرير إرادتها القتالية قبل معركة 1973؛ لتخادع الصهاينة
بفقدان القدرة على شن الحرب مع ما قامت به العسكريتاريا المصرية من تدريبات
التمويه والمخادعة للرصد الصهيونوي.
وتحققت الحرب المباغتة بعبور قناة السويس وتدمير "خط
بارليف" الحصين؛ والذي لا تزال أكاديميات الحرب العالمية تدرس تقانات وفنيات
المخادعة والعمليات الميدانية بغير المتوقع من أدوات العبور و"كلمة السر
المموهة" من "اللغة النوبية" ليتحقق تدمير "بارليف"
الأعتى من "سد أبرهة" والذي قاد للمفاوضات بعد ذلك.
*****
في مجلس الأمن يقولون: تفاوضوا... من "صين الرأسمالية
الجديدة" إلى "روسيا المتمركسة العجوز" وصولاً إلى "أميركا
الرأسمالية العولموية المتهالكة"؛ وإذا فشل التفاوض على الطاولات السياسوية
بشأن "سد أبرهة الأشرم الحبشوي"؛ فإن مكاتب التفكير والعمليات في
الأروقة العسكريتارية المصرية وضعت وتقوم بتطوير السيناريوهات العملياتية المناسبة
التي يصعب توقعها من الآخر؛ ولا يمتلك أي عقل متوازن الادعاء بمعرفتها أو تحديدها؛
وهو ما يتناقض مع عبقرية العقل العسكريتاري المصري. لذلك سيكون ذلك الحسم بعقلها المستقل؛
إذا اقتضته الأمور؛ ليس بطائرة أو بصاروخ كما قال "البلهاء على الهواء"
في حضور المتأخون محمد مرسي!!
0 تعليقات