علي الأصولي
نص الله تعالى وبيان كلامه بنص قراني محكم إذ قال {إنّه لقرآنٌ
كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المُطهّرون تنزيل من رب العالمين} صدق الله العلي
العظيم ،
وعلى ضوء هذه الإفادة القرآنية وبعد إيماننا بصدق الرسول والرسالة
، كان اعتقاد عامة المسلمين في القرآن الكريم على أنه من الله نزل على نبيه(ص)
لظروف ومناسبات كانت وما زالت سارية المفعول إلى يوم الناس هذا - بصرف النظر عن
تاريخية جملة من الآيات - بالتالي وفر القرآن الكريم بيانات غطت الحاجات البشرية
منذ نزوله الى نهاية الدنيا وانتهاء التكليف الإنساني على الأرض ، وهذه التغطية لا
تتسنى لاي منتوج بشري مهما كان كاتبه وعلى مقامه ،
بينما كان سيرة الناس واعني من آمن بمخرجات الدين جارية وتعاملهم
مع القرآن كنص مقدس ، تجد من شواذ من انتسب للإسلام ذهب إلى كون القرآن منتج بشري
وهذا المنتج مقتبس من الإنجيل أو مجموع الكتب السماوية الأخرى ، والتي هي لا تختلف
حالها حال أي منتجات كتبت في ظروفها وافق ثقافة تلك العصور ،
على أن هذه الآراء ليست وليدة قراءات فاحصة من قبل شواذ المتأسلمين
بل أخذوها كأفكار جاهزة من قبل المستشرقين الذين لهم السبق في مثل هذه الاثارات ،
فما كان من هؤلاء المتأسلمين إلا اخذ تلك الأفكار بل زاد بعضهم بكذبه وكأنها
منستبة ومنسوبة لبنات أفكاره ،
وحقيقة هذه الاثارات ليست وليدة عصر الاستشراق بل هي إشكاليات طرحت
في عصر النبوة والرسالة تحت عنوان - معلم - اي أن النبي(ص) وما جاء به من آيات
وحكم وقوانين هي من تعليم الغير ،
وفي سبيل محاولة زعزعة فكرة القرآن الإلهي ونسبته للمنتج البشري
زاد هؤلاء بفرضية لدعم ما يصبون إليه ودعوى كون القرآن الكريم ابن بيئته وثقافته
حتى أنه لم يستطع التخلص من الألفاظ والمعاني التي كانت في العصر الجاهلي ، بينما
لو كان القرآن منزل عن طريق الوحي ومن الله لتجاوز إشكالية الثقافة والألفاظ
والجغرافيا ولكان ناظرا إلى نهاية الدنيا وارتفاع منسوب وعي الناس ومن آمن به حتى
لا يقعوا باحراجات والتوسل بالتالي - بالترقيعات –
إذن: في المقام فرضيات ونسبة القرآن الكريم لصاحبه:
الفرضية الأولى: من الله عز وجل.
الفرضية الثانية من النبي(ص).
الفرضية الثالثة: من جبرائيل(ع)
والكلام في نسبة الألفاظ لا نسبة المصدر فالمصدر بالتالي من الله
بلا كلام ، فبناء على الفرضية الأولى تكون الألفاظ من الله وهو ما صرح به
الطباطبائي في - الميزان - وبناء على الفرضية الثانية ، فتكون نسبة صياغة الألفاظ
للنبي(ص) وإن كانت معانيها من الله ، وفي الفرضية الثالثة ، فتكون نسبة الألفاظ
للملك بعد أن تلقى معاني وحقائق القرآن من الله ،
وما ذهب إليه العلامة هو الحق لقوله تعالى{ إنا أنزلنا القرآن
عربيا} وغيرها من الآيات الدالة وبوضوح على أن معانيه وألفاظه منزلة بتمامها من
الله خلافا لما فهمه بعض المتصوفة ، بل نجد أن مجتمع النبي(ص) حاول إقناعه والتصرف
ببعض المفردات الصياغية فكان الرد{ .. ما كان لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن اتبع
ما يوحى إلي} ناهيك عن نص{ ما ينطق عن الهوى} وغيرها ذات المضمون المتحد ،
فإن عرفت دعوى النسبة وكونها مم الله تعالى ، فلا يصح بعد ذلك والاشتراط
على الله أو إبداء الرأي في قبال حكمته واختيار بعض المفردات القرآنية ونصوصها
خاصة ونحن نعلم أن القرآن نزل في عصر لغته - فصاحة وبلاغة - تعتبر من أكمل العصور
اللغوية والبلاغية ، ولا يمكن مخاطبة الناس إلا ضمن ما يفهمون بالتالي ويعرفون مع
فتح الباب على الإشارة والرمز حيث تتكفل بقابل الأيام ومعرفة حقائق القرآن ومعانيه
،
فكون القرآن الكريم خاطب أهل الجزيرة فلا يعني أنه لم يخاطب غيرهم
كيف لا ونحن نقرأ (يا أيها الناس) في كافة الأمكنة والأزمنة وكل بما يفهم ويعي ،
بالتالي خطاب القرآن وثقافة عصر النزول ليس سبة فذكر الخيل والبغال ، للركوب لا
يعني البقاء والإبقاء على هذه الوسائل للنقل والتنقل مع اكتشاف واختراع طرق أكثر
سرعة في عالم اليوم ،
وأما ما يخص كون القرآن مقتبس فدوننا الآية الكريمة للإيضاح ونصها{
وما كثت تتلو من قبل من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} نعم القرآن كان
يعرف طبيعة الإشكاليات قديما وحديثا فهي هي لا تتغير الا بالأسلوب الفني والإخراج
أللفظي كما هي عادة نزيل مدينة الضباب وإعادة صياغة أشكالات غيره بلا حياء يذكر
والكلام يطول في المقام ، والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات