لم يكمل النظام الإثيوبي بناء سد النهضة لاحتجاز مياه النيل، لكنه
أقام سداً حاجزاً بين شعبى مصر والسودان وشعب إثيوبيا، سوف يطول بقاؤه بأكثر مما
يمكن لسدهم أن يبقى.
ولم يكمل ذلك النظام الملء الثانى لخزان السد حتى الآن، لكن ملأ
نفوس المصريين والسودانيين بمخزون من غضب عارم، ناجم عن غطرسة وتعنت وظلم، يأباها
هؤلاء الأحرار.
إذا فاض الغضب -وهو فعلا يفيض- فسوف يندفع كالطوفان، ولن تقدر على
احتجازه سدود أو عوائق، ولن تستطيع احتواءه كلمات وبيانات جوفاء، ولا حتى تهديدات
فارغة من أصحاب مصالح مكشوفة فى مسرحية لعبة الأمم..!
ذروة المشهد السياسى، ولعلها فصله الأخير، كانت يوم الخميس الماضى
فى قاعة مجلس الأمن، على رءوس الأشهاد، وعلى مرأى ومسمع من دول العالم.
كان لزاماً أن تذهب مصر والسودان إلى مجلس الأمن للمرة الثانية فى
غضون عام، لعرض أزمة مفاوضات ملء وتشغيل سد النهضة التى أدخلها النظام الإثيوبى
إلى طريق مسدود، بعدما تعمد إفشال جهود الاتحاد الأفريقى على مدار رئاستى جنوب
أفريقيا والكونغو الديمقراطية، متوهماً أنه يشترى الوقت لفرض أمر واقع على مصر
والسودان، توطئة للمضى فى إقامة مشروعات أخرى تزيد من عدوانه على حق الشعبين فى
مياه النيل.
لم تكن ضمن توقعاتنا أن يصدر مجلس الأمن قراراً ملزماً لإثيوبيا،
أو حتى أن يتبنى مشروع القرار التونسى المنصف بتحديد أجل زمنى للتفاوض أقصاه ستة
أشهر، مع دعوة إثيوبيا إلى التوقف عن ملء خزان سد النهضة لحين التوصل إلى اتفاق
قانونى ملزم.
ولم يكن فى حسباننا أن تتخذ الدول الأعضاء مواقف غير التى أفصحت
عنها فى بياناتها، ارتباطاً باعتباراتها الذاتية، لكون بعضها من دول منابع
الأنهار، واتصالاً بمصالحها فى سياق لعبة مصارعة الذراعين بين القوى الكبرى على
ساحات الصراع الاستراتيجى.
فقط.. ربما فوجئ الرأى العام بنبرة الخطاب الروسى، التى رأى كثيرون
أنها تتناقض مع علاقات استراتيجية، مجالها تعاون واسع فى التسليح، وفى إنشاء
المحطة النووية بالضبعة، وفى إقامة منطقة اقتصادية روسية بمحور قناة السويس.
غير أن تلك المواقف هى انعكاس لاستقلال القرار السياسى المصرى،
الذى يحرص على علاقات متوازنة مع جميع القوى، وينأى عن التبعية، ويضع عملية اتخاذ
القرار على مقياس المصلحة الوطنية والقومية. وليس خافياً أن القوى الكونية
والكبرى، تريد من الآخرين انقياداً وراء مواقفها، والتزاماً بنهجها وتطابقا مع
سياساتها.
على كل حال، ورغم اختلاف العبارات والنبرات، فقد أجمعت الدول
الأعضاء فى مجلس الأمن على أمرين، هما استئناف التفاوض برعاية الاتحاد الأفريقى
وحق إثيوبيا فى التنمية مع عدم الإضرار بمصر والسودان.
ذهبنا إذن إلى مجلس الأمن لغرض أساسى وواضح لا لبس فيه، هو وضع
المجتمع الدولى أمام مسئولياته إزاء قضية تهدد الأمن والسلم الدوليين.
ولقد حققنا الغرض، وأدينا المهمة، وأبرأنا الذمة، إزاء خطر محدق
وقلنا بوضوح على لسان وزير خارجيتنا المحنك المتمكن سامح شكرى، إنه إذا تضررت حقوق
مصر المائية، فلا يوجد أمامها إلا أن تحمى حقها الأصيل فى الحياة.
كانت الرسالة واضحة، لكن ثمة من لم يتلقها بالجدية الواجبة، أو أنه
التقطها وفهمها فاستوعب معانيها، لكنه أراد ألا يبدو أنه يدرك الرأي العام المصرى
الذى بلغ به الغضب منتهاه، يتساءل: ألم يحن الوقت؟!
لكنه فى ذات الوقت، يثق فى قائده. يثق فى حكمته، فى مهارته، فى
ساحة لعبة الأمم.
يثق الشعب المصرى فى مؤسسة حكم هى الأقدم فى التاريخ، يترأسها قائد
ربما جاءت به الأقدار فى هذا الأوان، ليحمى مصدر حياة الوطن.
يثق الشعب فى كفاءة مؤسساته الوطنية العريقة.
مؤسسة الرى التى نشأت منذ فجر التاريخ لتنظيم النهر.
المؤسسة الدبلوماسية التى وقعت أول اتفاقية سلام عرفتها البشرية فى
عهد الملك المظفر رمسيس الثانى.
المؤسسة العسكرية، التى لا تخفى تضحياتها فى سبيل عزة الوطن على مر
العصور.
ولولا قدرتها الفائقة على الدفاع والردع والاستباق، وذراعها
المديدة الطائلة ذات القبضة الباطشة، لكانت كلماتنا أمام المجتمع الدولى، مجرد ذرف
دموع من جانب مستضعفين، فى عالم لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يعترف بحقوق غير
القادرين.
السياسة - كما يقول المفكر الاستراتيجي كلاوزفيتز - هى الحرب
بوسائل أخرى.
نحن الآن فى حالة حرب دفاعاً عن مصدر حياتنا وبقاء بلادنا، أداتها
حتى اللحظة هى الدبلوماسية.
ربما تكون ثمة وريقة مازالت عالقة فى نهاية فصل السياسة، قبل
الانتقال إلى فصل آخر، لكن الأرجح عندى أن يمزقها النظام الإثيوبى، توهما بأنه إذا
استمرأ التعنت، فسوف يجمع شتات شعبه خلف قيادته، دون أن يدرك أنه حين يدفع بالأمور
نحو «الخيار صفر»، فإنه يقامر بمصير شعبه ويقتاد إثيوبيا إلى التشظى والتفتت، حين
يرى الإثيوبيون أنه كان بمقدوره لو استجاب لنداء السلام ومد يده إلى يدى مصر
والسودان الممدودتين، أن يجنبهم هذا المصير، وأن يقودهم إلى مصير آخر، هو التعاون
والتنمية والخير..
الرأى العام المصرى الذى بلغ به الغضب منتهاه، يتساءل: ألم يحن
الوقت؟!
لكنه فى ذات الوقت، يثق فى قائده. يثق فى حكمته، فى مهارته، فى
ساحة لعبة الأمم.
يثق الشعب المصرى فى مؤسسة حكم هى الأقدم فى التاريخ، يترأسها قائد
ربما جاءت به الأقدار فى هذا الأوان، ليحمى مصدر حياة الوطن.
يثق الشعب فى كفاءة مؤسساته الوطنية العريقة.
مؤسسة الرى التى نشأت منذ فجر التاريخ لتنظيم النهر.
المؤسسة الدبلوماسية التى وقعت أول اتفاقية سلام عرفتها البشرية فى
عهد الملك المظفر رمسيس الثانى.
المؤسسة العسكرية، التى لا تخفى تضحياتها فى سبيل عزة الوطن على مر
العصور.
ولولا قدرتها الفائقة على الدفاع والردع والاستباق، وذراعها
المديدة الطائلة ذات القبضة الباطشة، لكانت كلماتنا أمام المجتمع الدولى، مجرد ذرف
دموع من جانب مستضعفين، فى عالم لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يعترف بحقوق غير
القادرين.
السياسة - كما يقول المفكر الاستراتيجى كلاوزفيتز - هى الحرب
بوسائل أخرى.
نحن الآن فى حالة حرب دفاعاً عن مصدر حياتنا وبقاء بلادنا، أداتها
حتى اللحظة هى الدبلوماسية.
ربما تكون ثمة وريقة مازالت عالقة فى نهاية فصل السياسة، قبل
الانتقال إلى فصل آخر، لكن الأرجح عندى أن يمزقها النظام الإثيوبى، توهما بأنه إذا
استمرأ التعنت، فسوف يجمع شتات شعبه خلف قيادته، دون أن يدرك أنه حين يدفع بالأمور
نحو «الخيار صفر»، فإنه يقامر بمصير شعبه ويقتاد إثيوبيا إلى التشظى والتفتت، حين
يرى الإثيوبيون أنه كان بمقدوره لو استجاب لنداء السلام ومد يده إلى يدى مصر
والسودان الممدودتين، أن يجنبهم هذا المصير، وأن يقودهم إلى مصير آخر، هو التعاون
والتنمية والخير للجميع.
ليس هناك نسق واحد لقرارات الرئيس السيسى، يمكن معه التنبؤ
بقراراته، فالرجل الذى أعطى مهلة مدتها سبعة أيام، فمهلة أخرى ٤٨ ساعة، بعدما أسدى
النصح على مدار عشرة أشهر لنظام المرشد، قبل أن يعلن القرار الذى انعقدت عليه
إرادة ممثلى الأمة وجيشها يوم ٣ يوليو ٢٠١٣، هو نفسه الرجل الذى أبى أن يبيت الشعب
المصرى مقهوراً ويستيقظ مكلوماً، على أبنائه الذين ذبحهم الإرهابيون الداعشيون
بليبيا فى فبراير ٢٠١٥، فأمر بشن ضربة جوية ساحقة على معسكراتهم ومناطق تمركزهم فى
مدينة «درنة» الليبية قبل حلول الصباح التالى.
غير أن ما يمكن استخلاصه من تلك القرارات، أن السيسى لا يستأذن
أحداً، حين يتعلق الأمر بمستقبل البلاد، ولا يجعل من مواقف اللاعبين الدوليين
حائلاً بينه وبين صون حياة وكرامة المصريين.
بحكم موقعه على رأس الدولة المصرية، فإن الرئيس السيسى -دون سواه-
هو الذى يمتلك دائرة رؤية تتيح له نظرة شاملة للمشهد برمته، معززة بمعلومات
وتقديرات المؤسسات، لا تتوافر لغيره حتى من كبار المسئولين. والرئيس كما نعرفه،
قادر على إدراك كل أبعاد الأزمة، وعلى تحديد مراحلها وتتابعها والمدى الزمنى
الموقوت لكل منها، وعلى حساب الاحتمالات المتوقعة مع التحسب لغير المتوقع، واختيار
السيناريو الأفضل للتعامل معها.
علينا أن نظل ملتفين حول قيادته، مؤمنين بوطنيته وإخلاصه وحسن
تقديره، وأن ندعه يتخذ التدابير الكفيلة بصون شريان حياة المصريين، وعزة وطنهم.
0 تعليقات